مقياس عز !
عبد الله كمال
الحسبة بسيطة جدًا: طالما أنه سوف يهاجم فى كل الأحوال.. فإن عليه أن يقول كلمته كما هو مقتنع بها.
إذ حتى لو امتدح أحمد عز أمين التنظيم فى الحزب الوطنى كل وسائل الإعلام.. صحيفة.. صحيفة.. ومحطة تلو محطة.. فإنه سوف يكون ذبيحتها لبضعة أيام.. فلماذا يسكت عن تشويهات الإعلام لحزبه.. وهل عليه أن يتجاهل الإخوان؟
هكذا يمكن أن أقرأ للوهلة الأولى منطق الكلمة التى ألقاها أمين التنظيم فى اليوم الأول للمؤتمر السنوى للحزب صاحب الأغلبية.. وفيها جسارة وجرأة.. سبق إليها عز نفسه فى كلمة مماثلة خلال مؤتمر العام الماضى.. معبرًا عن منهج ليس شخصيًا بحال.. ولكن طريقة تعبيره عنه تبدو مختلفة.. ومثيرة للانتباه.
سوف نلاحظ فرقًا بالتأكيد ما بين تعبير عز عن نفسه منذ أصبح أمينًا للتنظيم.. وخلال العامين الأخيرين.. هذا ليس تطورًا فى طبيعة تركيبته كسياسى ولكن لأنه لم يكن قد فرض سطوة القدرة التنظيمية الكاملة بعد تحديثها بالشكل الذى يجعله راغبًا فى أن يعبر عن ذلك بصوت صريح.
ومن ثم فإن كلمته تتضمن من اللحظة الأولى توصيفاً للانتخابات البرلمانية التالية.. باعتبارها (صعبة).. وبعدها يعلن أن التنظيم جاهز من الآن لخوض انتخابات قوية.. وتلك رسالة تفوق فى أهميتها ما انتبهت إليه وسائل الإعلام من حيث إنه خاض هجومًا على الإخوان وعلى الإعلام المضاد للحزب.
النقطة الأهم هى إنه اعترف بأن خطيئة الحزب فى الانتخابات البرلمانية السابقة كانت تعدد المرشحين التابعين للحزب بشكل مباشر.. والمدهش أنه قدر أن الإخوان ـ دون أن يقول ذلك صراحة ـ لم يكن ليفوزوا بـ١٤ مقعدًا من تلك الـ٨٨ التى فازوا بها فى انتخابات ٥٠٠٢.. لولا تفتيت أصوات الوطنى.
ويعنى هذا أن التقدير السياسى لقوة الإخوان الانتخابية وفق مقياس أحمد عز هو ٧٤ مقعدًا حسب تفاعلات عام ٥٠٠٢.. فإذا ما افترضنا جدلاً أن الحزب الحاكم لن يرتكب نفس الخطيئة فى تلك الدوائر.. وإذا ما سلمنا ـ فرضًا ـ باستطلاعات الرأى فى الدوائر التى تشير إلى تراجع النواب التابعين للإخوان.. فإن هذا يدفعنى إلى الاستنتاج أن أولئك النواب قد يحصلون على ما هو أقل من ثلث المقاعد التى فى حوزتهم الآن.
الإخوان أنفسهم يقولون إنهم لن يحصلوا على شىء مطلقًا.. ويزعمون قبل أن تجرى الانتخابات أن التزوير مرتب.. ولا أستبعد أن يكون هذا نوعًا من سُحب الدخان التى يطلقها المنتمون للجماعة المحظورة تغطية على مواقفهم المهترئة.. وتطاحنهم الداخلى. وما كان يعانى منه الحزب الوطنى فى بعض الدوائر سابقًا.. يعانى منه الإخوان الآن.. ليس على مستوى الدوائر ولكن على مستوي التنظيم كله.. بدءًا من رأسه.. ومكتب إرشاده.
بل إن مبدأ السمع والطاعة الذى على أساسه يتمكن التنظيم المحظور من حشد الأصوات وراء أى مرشح حتى لو كان عامل بلدية ـ مع الاحترام لكل أصحاب المهن ـ هذا المبدأ نفسه أصبح محل شك.. فى ظل الحالة التى تعيشها الجماعة.
لكن كلمة عز تثير تساؤلاً آخر.. وهو أننا يمكن أن نفهم هجومه الحاد فى العام الماضى على الإخوان.. خاصة أن ذلك تكرر على ألسنة قيادات متنوعة فى الحزب.. ولكن لماذا يهاجم عز الإخوان الآن.. بينما هم فى هذه الحالة؟.. ألا يمكن القول إن هذا يوحدهم فى مواجهة الوطنى.. ويؤدى إلى التحام المشتتين أمام خصم يستدعيهم إلى المعركة؟
هذا التساؤل كان يصاغ من قبل بعبارة: إن الهجوم على الإخوان يؤدى إلى لفت أنظار الشارع لهم.. وأنهم يكسبون من الانتقاد! لكننى شخصيًا من أصحاب الرؤية الأخرى.. فالصمت على الإخوان يمكنهم من العمل المستريح ونشر فكرهم المتطرف فى الشارع.. وكل الانتقادات التى وجهت لهم موضوعيًا خلال الأعوام الماضية هى أحد أسباب الحالة التى بلغوها الآن من تطاحن قد يؤدى إلى انشقاقات.
الأهم أنه لا يمكن أن تدفن رأسك فى الرمال.. وأنه لا يمكن أن تدير معركة مع خصم لا تقر بأنه موجود.. حتى لو كان محظورًا من الناحية القانونية.. غير ذلك يعنى أنك تطالب تابعيك بأن يحاربوا (لهو خفى).. ولذا فإننى أرى أن ما قاله عز كان مهمًا جدًا.. فى إطار تجسيد المواجهة السياسية مع تلك الجماعة التى لا تعيش تحت النقد.. وتنعم كثيرًا حين نتجاهلها.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]
