الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«أبطال التنوير فى عصور مظلمة» يضع روشتة إصلاح الكنيسة فى عصر «السوشيال ميديا»

«أبطال التنوير فى عصور مظلمة» يضع روشتة إصلاح الكنيسة فى عصر «السوشيال ميديا»
«أبطال التنوير فى عصور مظلمة» يضع روشتة إصلاح الكنيسة فى عصر «السوشيال ميديا»




اعداها - روبير الفارس

يعد كتاب «أبطال التنوير فى عصور مظلمة» للدكتور القس جاد الله نجيب راعى كنيسة المجتمع العربى بلندن واحد من اهم الكتب التى تمزج بين السرد التاريخى لتعالج الواقع المعاش وتقدم دواء لمشاكله.

وقد حصلنا على نسخة من الكتاب الضخم قبل طباعته وننفرد بعرضها حيث يقول القس جاد الله ليس مِن السهل أنْ تخترق المألوف، لكن الرغبة فى التجديد والإصلاح تستلزم العديد مِن الإسهامات فى الفكر والواقع، فتغيير الفكر يحتاج زحزحة أعمدة الموروثات ووضع أساسات راسخة تُقام عليها أعمدة الفكر الجديد، أما الواقع فيتجدد بتطبيق الفكر على السلوك العام والخاص، ويحكم التصرفات على المستوى الشخصى والمستوى المجتمعى. 
إدراكنا أنَّ التاريخ لا يسير على خط مستقيم، بل هناك منحنيات خطرة جدًا، كما أنَّه توجد علامات مضيئة إضاءة مبهرة، لذا فإنَّ دراسة التاريخ ضرورية فمعرفة التاريخ هى محاولة التفهم والفهم للماضى والحاضر.
لقراءة هذا التاريخ علينا بالتنقيب والبحث والتحليل لنصل إلى نتائج منطقية، تمدنا بروح الفكر المستنير وقراءة واقعنا الحالى فى القرن الحادى والعشرين.

فالتاريخ فى اللغة اليونانية ‘‘ιστωρ’’ومنها جاءت الكلمة ‘‘History’’ والفعل يعنى فهم العلاقة بين حدثيْن، ثم كتابة هذه العلاقة بشكل منظَّم، يُراعى فيه الترتيب الزمنى بشكل واضح. ومِن المعتاد أنْ نفهم أنَّ التاريخ مجرد حوادث تُسرد بشكل قصة تدوَّن فى كتاب يُسمّى تاريخ. هذا جانب مِن جوانب التاريخ، بل الجانب الأعمق، فهو فهم وإدراك الأحداث. 
لذا بقرائتنا للتاريخ نلاحظ أنَّ القرن الرابع الميلادى هو القرن الذى فصل بين عصريْن كلاهما نقيض للآخر. فقبل هذا القرن نجد نحو 800 سنة مِن التفكير الحر الجريء فى الأدب والسياسة والعلوم والفلسفة تعيش كلها فى ظل الوثنية، فى سنة 400 قبل الميلاد كانت هناك محاولات عديدة فى اليونان تهدف إلى إثبات وجود نواميس طبيعية للعالم لا تستطيع الآلهة أنْ تخالفها. 
لكن بعد القرن الرابع وخلال ألف عام تسلّطت الكنيسة، وزالت النزعة العلمية وانقطع البحث فى العلوم والسياسة والآداب وحتى حياة الكنيسة فشلت إداريًا وروحيًا. فاستشرى الاستبداد السياسى والديني، كما انتشر الفقر والجهل والأمية، والأخلاق المتدنية. 
ولكن لم تكن الكنيسة وحدها هى السبب فى إخماد حركة الذهن الإنسانى أو التجديد الدينى فى القرون الوسطى. بل غارات الغوط والفندال والمجر والبلغار والهون «غزوات البرابرة» كان سببًا آخر لهدم كيان الإمبراطورية الرومانية، ونشر الفوضى فيها؟ فالعلوم والآداب مِن ثمار الحضارة والسلام، والتجديد الدينى مِن ثمار فهم الحياة ومنبعها وهدف وجودها. وإحقاقًا للحق فإنَّ الكنيسة لم تكن تمنع الناس مِن التفكير الحر بمقدار ما كان يمنعهم جهلهم هم أنفسهم. 
هزت الكنيسة أزمة الأريوسية فى مجمع نيقية 325م، وتوالت الخلافات بين الكنيسة الشرقية والغربية، حتى حدث الطلاق التدريجى بين الكنيستيْن. التاريخ معقّد، تختلط فيه اختلافات اللغة ‘‘اليونانية واللاتينية’’ والثقافة، والنزاعات السياسية والأهواء الشعبية. وبسبب هجمات البرابرة، زادت فجوة الطلاق بين الشرق والغرب، بل سقطت الإمبراطورية الرومانية فى يد البرابرة سنة 476م.. بالإضافة إلى الثورات الطاحنة للفلاحين. 
بين القرن الخامس والعاشر انهار العالم الرومانى وعلى أنقاضه قامت أوروبا شيئًا فشيئًا. وفى وسط البلبلة ظهرت الكنيسة بمظهر الملجأ الأخير أمام الشعوب الأوروبية المذعورة، ففتحت أبوابها للجميع دون أى رقابة؛ قبلت الزعماء والملوك، فدخلت فى تجربة الخضوع لسلطتهم مِن ناحية وعدم القدرة على التنديد بنزواتهم؛ فى تلك القرون العسيرة نشأت «الحضارة المسيحية» بكل ما لها وما عليها. 
فى قلب الحضارة وُلِدَ عالم جديد مِن الآلام سياسيًا واقتصاديًا وأخلاقيًا، إلّا أنَّ كنيسة أيرلندا أفرزت عددًا مِن الرهبان الأتقياء الذين قدَّموا نموذجًا مِن الكنوز الروحية التى انعشت القوى الخائرة للعالم المسيحى الأوروبي؛ وبرز على السطح غريغوريوس الكبير فى القرن الخامس، الذى أدرك أنَّ مصير الكنيسة مرتبط بنقل الإرساليات إلى الشمال وكان مركزها مدينة لندن. وتوالى بين الحين والآخر فى أجزاء مختلفة مِن أوروربا، ظهور رواد لحركة التجديد والنهضة رغم قتام الحال والأحوال على كل المستويات. 
أما فى القرن الثامن، فقد أحيا شارلمان، إمبراطورية جديدة، والتى برهنت للبرابرة، أنَّ الكنيسة كانت قطب القدرة والثقافة الأخير فى عالم متفكك؛ فعلى الرغم مِن الفوضى والمخاطر والانهيارات المتلاحقة والنكسات المؤلمة؛ عرفت الكنيسة أنْ تستمر وأن تستثمر إرث الآباء؛ لم تنجح فى ذلك دائمًا ولكن ما قامت به يُعتبر إنجازًا فى زمن الأزمات؛ ويعود ذلك إلى عبقرية بعض الشخصيات البارزة إلى المحافظة على الإيمان. 
واستمر الحال فى المساهمات والإصلاح والتمرد، حتى جاء مارتن لوثر فى القرن السادس عشر وفجَّر ثورة الإصلاح التى غيَّرت كل ملامح التاريخ، والتى تزامنت مع الثورة العلمية والأدبية والصناعية والتجارية. وكانت الحركة الإنسانية فى ألمانيا بادئ الأمر- وبعد شغفها بلوثر- أكثر مطابقة للعقيدة كما علَّم اللاهوت منها فى إيطاليا؛ وكانت نهضتها إحياء للمسيحية الأولى أكثر منها إحياء للآداب والفلسفة الكلاسيكية. وطوى الإصلاح الدينى النهضة فى ألمانيا.
بقيادة لوثركانت حركة الأقلية مع لوثر هى التى قادت المجتمع الأوروبى للإصلاح؛ يتعجب المؤرخون وتأخذهم الدهشة بانتصار الأقلية على الأكثرية؛ والضعفاء على الأقوياء فى مجمع ورمس حيث وقف لوثر وحده يمثل حركة الإصلاح. إنَّ الراهب البسيط الذى وقف يدافع عن الحق بكل قوته وبجرأة نادرة بات محاطًا بهيئة منظمة مِن الأمراء والأشراف ورجال اللاهوت الذين يحسب لنفوذهم وتأثيرهم كل حساب، فبدلًا مِن القضاء على حركة الإصلاح واستئصال جذورها، بسيف شارل الإمبراطور، نراها قد قويت وتأصلت فى قلوب كثيرين وانتشرت بسرعة، وجعلت كثيرين مِن الأمراء والأساقفة ورئيس وزراء الإمبراطور وغيرهم مِن ذوى الشأن يفهمونها. 
فى عام 1529م، عند انعقاد مجلس ‘‘سبير Speyer ’’ السياسى، وهى مدينة صغيرة تقع على جانب نهر الراين بألمانيا، قدّم خمسة أمراء وأربع عشر مدينة حرة، كانوا قد انضموا إلى الإصلاح، ‘‘بشهادة إيمان Protest of Faith’’ رسمية، ومِن ذلك اليوم سُمى المصلحون ‘‘بروتستانت’’. 
لقد أكمل هذا الإصلاح زعيمان آخران مِن زعماء الإصلاح هما أولريخ زوينجلى وجون كالفن، إذ لولا عمل هؤلاء المصلحين الثلاثة، لما جاء المرسلون الإنجيليون إلى بلادنا وكل الشرق الأوسط، ولما كان هناك إنجيليون عرب؛ ولا مؤسسات إنجيلية على الإطلاق، ويُعتبر الإصلاح الإنجيلى حتى الآن أربعة فروع وهى حسب الترتيب الزمنى لنشوئها: اللوثريونLuthereans، الأنابابتست Anapabtests، الإنجليكانAnglicans، والكلفنيون Calvinists .
فى كل الدراسة نلاحظ، أنَّه قد أدى كل مِن رجال العصر رسالته، وكان كل منهم يكمِّل الآخر ويؤدى واجبه. فالمفكر فى الفلسفة، والباحث فى العلم والثائر فى الحرية والفنان والأديب ورجل الدين المتصوف كل هؤلاء جميعًا يمثلون الحياة، فالإصلاح لم يقم على كتفى واحد منهم بل على أكتافهم جميعًا، هذه هى عناصر الحياة التى تفترق وتلتقي، وتتشابك وتتعارض وتصطرع، وتتفاعل وتنسجم وتتصافى، وهذا هو سير الحياة. 
فى هذا الكتاب قصدتُ لا أنْ أسرد تاريخيًا لحقبة مظلمة غطت وجهة الكنيسة، بل وباتت رسالتها باهتة إنْ لم تكن مخزية فى معظم أوروبا، ولم يكن اهتمامى بسرد المناطق المظلمة فى الكنيسة والمجتمع، فعدد هائل مِن كُتب التاريخ تغطى هذا الجانب باستفاضة، لكن اهتمامى هو البحث عن أبطال آثروا الإصلاح وإحياء الحياة التقوية. 
فقد قاد حركة الإصلاح فى أوروبا إلى يوم ميلاد الإصلاح الإنجيلي، رجال كانوا على استعداد أنْ يقفوا منفردين للشهادة للحق الذى اقتنعوا به، بل قدَّم كثيرون منهم حياتهم ذبيحة على مذبح التجديد والإصلاح للكنيسة والمجتمع لإطلاق حرية الفرد وتفكيره لتغيير وجه التاريخ،ويصل الدكتور جاد الله الى خلاصة مهمة يقول فيها.
فى الوقت الذى أهملت فيه الكنيسة قيادتها الروحية، بدأ ينمو بين العامة شعور دينى عميق، الأمر الذى ولَّد نوعًا مِن القلق الشديد بين العامة ورؤسائهم الدينيين خلال القرنيْن الرابع عشر والخامس عشر الميلادييْن.
وقد لخّص جوهانس جانس، بطريرك كاثوليكى متعلِّم ومؤرخ، مساوئ الكنيسة الألمانية قبيل عهد الإصلاح الديني، ولعله كان قاسيًا جدًا فى حكمه فقال: ‘‘إنَّ التناقض بين الهيام بالتقوى والجشع الدنيوي، بين الزهد الورع والتماس النفع الذى يتنافى بين طوائف المجتمع الأخرى. وفضلًا عن هذا فإنَّ الوعظ ورعاية الأرواح كانا يلقيان إهمالًا تامًا مِن كثيرين من القسوس ورجال الدين، واستشرى الشر والخطيئة الفادحة بين رجال الدين مِن جميع الرتب والطوائف فى غمرة تلهفهم على زيادة الموارد الدينية والدخول والضرائب والأجور العائدة إلى حد، وكانت الكنيسة الألمانية أغنى الكنائس فى العالم المسيحي، ويقدر البعض أنَّ ما يقرب مِن ثلث الأراضى فى البلاد كان بين أيدى الكنيسة، وأدى هذا إلى أمر يستحق اللوم بين السلطات الدينية، إذ أخذت تنشد دائمًا ممتلكاتها وكانت مبانى الكنيسة ومؤسساتها تستوعب أكبر جزء مِن الأرض فى كثير مِن المدن.’’
إلّا أنَّ ألمانيا كانت بلدًا فتيًا فى الآداب مثلما كانت فى الحياة والفن، كانت تتمخّض بحالة مِن الحماس والولاء والخوف والاحتجاج والحلم. 
انتشر تعلم القراءة والكتابة، وصدرت الكتب متدفقة فى القرن السادس عشر.. حتى قال أحد المعاصرين الألمان «إنَّ كلَّ إنسان اليوم يريد أنْ يقرأ ويكتب»، وكتب آخر يقول: «لا نهاية للكتب الجديدة التى تُؤلَّف»، وتضاعف عدد المدارس فى المدن، وكانت كل مدينة تقدِّم مكافآت أو منحًا دراسية للطلبة الفقراء مِن الممتازين، وأُنشئت تسع جامعات جديدة فى هذه السنوات للتعليم الجديد. ونهضت أكاديميات أدبية فى ستراسبورج وأوجسبورج وبازل وفيينا ونورمبرج وماينز. ورحّبت الكنيسة فى ألمانيا بعصر النهضة، و تشددت فى الدراسات اللغوية لنصوص الكتاب المقدَّس وآباء الكنيسة، وطُبعت النسخة اللآتينية مِن الكتاب المقدَّس ستًا وعشرين طبعة فى ألمانيا بين عامى 1453مو1500م، وكانت هناك عشرون ترجمة للكتاب المقدَّس قبل ترجمة لوثر. ومِن المهم أنَّ الهدف مِن هذه الدراسة هو أنْ يتعرّف القارئ العزيز، على أهم مَن ساهموا فى حركة الإصلاح، فهناك مَن مهَّد، وهناك مَن فجَّر، وهناك مَن دعّم، فليس كل المصلحين هم: لوثر، وكالفن وإذا كان لوثر قد اعتبرغيره مِن البروتستانت، الحياة فى العالم مجالًا لعمل العقيدة، كما اعتبروا الحياة الأسرية والمشاركة فى الأنشطة الاجتماعية عملًاً مثاليًا.
فقد أكد البروتستانت على تقديس دور الإنسان فى الحياة اليومية، وشجّعوا الجَد والكفاح والحياة المزدهرة حيث اُعتبر جَهد الإنسان وعمله جزء مِن الإيمان، وقد عُرفت هذه النظرة بأخلاق البروتستانت.
وعلى التعليم، وطوَّروا المعرفة ومناهج التعليم المؤسَّسة على الآداب الإغريقية والرومانية القديمة، والاحترام الكبير للمعلمين والتعليم.
حررالبروتستنانتى الفرد وشجع الحكم الديموقراطي، وأقرَّ حرية العقيدة والفكر والشخصية المستقلة. وعمل بجدٍ على تنشيط حركات الترجمات، وتأسيس الصحف والمحلات العلمية وكتابة وتأليف الكتب ونشرها فى معظم أوروبا.
يسة رائدة فى نهضتها، ورائدة فى الفكر الخلّاق والمستنير، وفى ختام الكتاب المهم يقول. 
إذا أردنا أنْ ننقذ الكنيسة مِن الضياع والتفكك، والفوضى المتفشية فى الداخل والخارج، والتى أشعلتها وهجًا وسائل التواصل الاجتماعي، والفردية المفرطة التى لا تضع اعتبارًا للمصلحة العامة، يضع كاتب هذه السطور بعض الملاحظات التى لا تعنى مِن قريب أومِن بعيد الإشارة إلى شخص بعينه أو مجموعة خاصة، بل مجرد خواطر مخلِصة، حبًا للكنيسة وولاءً لها. والملاحظات كالآتى: 
■ التحرر الكامل مِن المصلحة الشخصية، ورفع الظلم الواضح فى الفوارق الاجتماعية، التى نراها بين كنائس الريف والحضر.
■ التدقيق والشفافية، فى الاختيارات للوظائف العامة للمواقع المؤسسية، التى ربما يقع فيها الاختيار على الكفاءات القريبة مِن أصحاب صانعى القرار، وليس الاختيارات الموضوعية التى تتيح الفرص لكثيرين مِن الكفاءات المغمورة. 
■ بناء جسور الثقة على المستوى الفردى بين الخدام والقادة، وبين الكنائس المحلية ورعاتها. بين شباب الجيل الصاعد والجيل الأكبر، بين المؤسسات الكنسية ومَن يتولون المسئولية.
■ تنيمة روح الأمانة الفردية والتقوى الشخصية فى حياة الخادم والعضو فى الكنيسة، وإدراك دور كلٌ فى خدمة الله وبناء الكنيسة، بالانفتاح والتعاون، لإعلاء عمل الله ، والتطلع إلى بناء الملكوت لا بناء القلعة الشخصية ليحتمى بها.
■ على القسوس التحرر تمامًا مِن الأعمال الإدارية والمالية للكنيسة على مختلف المستويات، ليتفرّغوا للخدمة الروحية التى نذروا أنفسهم لها، وتُعطَى المسئولية لأبناء الكنيسة الأكفاء والأمناء لإدارة هذه المواقع. وهذا الرأى ليس رأى كاتب هذه السطور وحده، بل سبقنى فيه منذ سنوات عديدة الراحل الدكتور حنا جرجس الخضري، فى مقال له بمجلة الهدى فى مايو،عام 1989م.
■ سعدت بما قاله الدكتور فايز فارس فى خطابه، وهو ما يحدث هنا فى بريطانيا مع الكنيسة الإنجليزية المحلية والعامة. وقال سيادته: «يحتم على الكنيسة المحليه كلها - وأنا أضيف المحفل العام للكنيسة الإنجيلية - أنْ تجتمع كجمعية عمومية مرة واحدة فى السنة لتنمية روح الشركة، والتقييم، وإعادة دراسة الواقع، ووضع خطة للعمل واتخاذ القرارات اللازمة للخدمة»، بدلًا مِن استنزاف الطاقات فى إداريات قد يعوضها بناء الثقة والجسور بين الخدام مِن جهة والكنيسة وشعبها مِن جهة أخرى.
■ تمصير الفكر اللاهوتي، أى يكون مصريًا لا غربيًا، يتجاوب مع العصر، واحتياجات العصر، وأسئلة العصر، وظروف العصر ومفاهيمه، وقد وضع الدكتور عبد المسيح نقاط واضحة أذكر بعضها، كما أوردها سيادته فى الخطاب:
1- أنْ يكون فكرنا اللاهوتى متلامسًا مع البيئة المصرية العربية، لأنَّ الشرق له مفاهيمه الخاصة. وطرح أسئلة عديدة: ماذا يعنيه حديثنا عن الله الواحد المثلث الأقانيم؟ بل ماذا تعنيه كلمة أقنوم؟ ماذا تعنيه فكرة التجسد فى الوسط العربى؟ وما هى أبعاد كلمة يوحنا البشير «والكلمة صار جسدًا» ماذا عن الخلاص، والخطية الأصلية والكفارة، والفداء؟ ... إلخ.
2- إنَّ لاهوتنا الإنجيلى بمصر يعبِّر عن تعاليم كلمة الله المقدَّسة لكنه يرتبط بالإطار الغربي. إنَّه يخضع للعقل والمنطق أكثر جدًا مِن إفساحه المجال للإطار الشرقى بما فيه مِن عواطف وروح تأملية والخلوة. ولعل هذا الطابع اللاهوتى ترك بصماته الواضحة فى أسلوب العبادة فى الكنيسة، فتحتل العظه الدور الرئيسي، وينكمش دور الشعب فى العبادة.
3- إنَّ فكرنا اللاهوتي، متأثرًا بالغرب، حدد إطارًا خاصًا لتفكيرنا جعلنا نستخدم نغمات غربية فى ترنيماتنا، بل نصر على مستوى منِ اللغة العربية، لكلمات غير مألوفة ولا مفهومة لدى الكثيرين سيما القرى. 
4- لكى يكون علم اللاهوت الإنجيلى مصريًا، يجب أنْ يأخذ فى الاعتبار الكنائس الشرقية، وبصفة خاصة القبطية الأرثوذكسية.
5- كما أنَّ علم اللاهوت ليكون مصريًا، يجب أنْ يهتم بالقرية والزاوية التى يرى منها الريفى الأمور، فيدرك الحقائق الكتابية فى القالب الذى يجعل هذه الحقائق تتفاعل مع قلبه ومع حياته.
6- يجب على اللاهوت الإنجيلى المصرى المعاصر، أنْ يتفاعل مع حركة المواهب، فهى أعطت نسمات الحياة لكثير مِن الكنائس التى تحتاج إلى مساهمة اللاهوت الإنجيلى لوضعها فى إطارها الصحيح.
7- إعادة صياغة عقيدة الخلاص بالنعمة والتبرير بالإيمان، فالخلاص ليس رخيصًا، والنعمة غالية.
8- إعادة دراسة عقيدة «كهنوت جميع المؤمنين» بوضعه فى إطاره الصحيح. ويتسائل: «لماذا نتحدث عن قسوس وعلمانيين ونبنى الحواجز والفوارق؟ إنَّ وظيفة الكنيسة الحقيقة هى خدمة المصالحة، ولا شك أنَّنا نلاحظ أنَّ الربَّ قد كلَّف كل جماعة المؤمنين بلا استثناء بهذه الخدمة.
9- وأكد سيادته، إنَّه يجب علينا أنْ نستمر فى الدراسة وعودة دائمة لكلمة الله، فحركة الإصلاح ليست حدثًا تاريخيًا ثم انتهى، إنَّما الإصلاح مستمر بنعمة الله فى ضوء كل نور جديد تقدِّمه كلمة الله وسط متغيرات الحياة.
10- وأكّد الدكتور عبد المسيح، بأنَّ علم اللاهوت يجب أنْ يكون متفاعلًا مع حياة الكنيسة الروحية، ومع العبادة والوعظ، وأشار أنَّ كثيرًا ما يكون لاهوتنا كلفينيًا ووعظنا إرمينيًا!
11-وختم سيادته، بأنَّ علم اللاهوت الإنجيلى يتدفق بالحيوية ويبعد عن البرود والجمود، بل يقود لتمجيد الرب وتسبيحه، فعلم اللاهوت يقود لتمجيد الرب.