السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وداعاً لويس جريس.. قديس الصحافة المصرية

وداعاً لويس جريس.. قديس الصحافة المصرية
وداعاً لويس جريس.. قديس الصحافة المصرية




كتبت - مروة مظلوم

 هل فكرت يومًا أن تخدع أقرب الناس إليك لتحيا أقرب إلى نفسك؟.. هو فعل ولم يأبه لرد فعل من حوله فقرر أن يعيش حلمه خيرًا من أن يموت وهو يحقق أحلام الآخرين.. ليترك بصمة فى الصحافة المصرية تحمل اسم «لويس جريس».. فهو أحد أعلام مؤسسة “روزاليوسف” والصحافة المصرية والتى ودعها بالأمس عن عمر يناهز 90 عاما قضى معظمها فارسا كبيرا من فرسان بلاط صاحبة الجلالة مخلفًا ذكرى فى نفس جيل علمه أن يذوب عشقًا على طريق الحلم سواء وصل إلى غايته أم لم يصل.
غير لويس جريس مسار دراسته من كلية العلوم إلى دراسة الصحافة دون علم أسرته وظل كذلك لسنوات دون علم أحد حتى حفل تخرجه، وهو ما أشار له فى حوار سابق «كنت فى الأساس أدرس علوم ولكن بداخلى كنت أريد بشدة العمل فى الصحافة، وقررت تحويل مجال دراستى والالتحاق بالجامعة الأمريكية لدراسة الصحافة وضحيت بعامين من دراسة العلوم».

 

وعن رد فعل أسرته حينما علموا بما فعله، يتابع لويس جريس «أخفيت عنهم وحينما تأخرت فى التخرج كنت أقول لهم إننى أتعرض للسقوط بسبب صعوبة الدراسة، وكانت المشكلة الأكبر فى توفير المقابل المادى ولكن تم توفيره من جانب أسرتى ولم يعلموا بالأمر حتى حفل تخرجى ولم يغضبوا فما كان يشغلهم أين سأعمل واطمأنوا عندما علموا بالتحاقى للعمل فى الأهرام لتفوقي».
وأضاف لويس جريس عايشت فى الجامعة الأمريكية كيفية الكتابة الصحفية وطباعة الصحف وكانت عملية مرهقة للغاية، وكانت البداية مع مجلة (القافلة) التى تصدر عن الجامعة.
وأشار لويس جريس إلى أن أول سبق صحفى له كان الانفراد بإعلان اتحاد طلبة الجامعة الأمريكية تقديم استقالته بسبب خلاف مع عميد الجامعة لرفضه تخفيض رسوم رحلة الجامعة إلى أسوان.
اعتز لويس جريس كثيرًا بانتمائه لمؤسسة “روزاليوسف” واعتبرها مدرسة لأصحاب الفكر المميز حيث قال فى حوار معه «مدرسة “روزاليوسف” تتميز عن بقية المؤسسات الصحفية بأن مَن ينتمى إليها هو إنسان مفكر بالدرجة الأولى؛ لأنه لا يمكن التحاقه بأى إصدار يتبع روزاليوسف، سواء روزاليوسف أو صباح الخير أو البوابة أو أى شيء يصدر عنها، إلا إذا كان صاحب وجهة نظر ومفكرًا.
وكان دائما ما يردد: «لا ينتمى لروزاليوسف إلا أصحاب الفكر، دائما أصحاب الفكر غير مألوفين؛ لأن بعض الناس يعتقدون أنهم يخرجون عن المألوف أو يصطادون فى الماء العكر، فمدرسة “روزاليوسف” لا يعمل فيها إلا أصحاب الفكر، وهم الذين لهم أعمال تشهد لهم، ككاتب قصص قصيرة، شاعر، محاور، متكلم، جميع الأشكال التى يتقمصها المفكر، موضحًا أن أبناء «روزاليوسف” جميعًا من المفكرين.
من مواقفه التى لا تنسى أنه بعد صدور العدد الأول من سلسلة كتاب» روزاليوسف” التى عرفت بـ»سلسلة الكتاب الذهبي» فى ديسمبر عام 1953 توالت إصدارات فى مختلف فروع ومناحى الثقافة سواء فى الأدب أو الفن أو التاريخ أو الديانات، وأخذت بعد ذلك عملية تحرير الكتاب الذهبى منحنيات كثيرة إلى أن أصبحت فى منتصف الستينيات لا تصدر على الإطلاق، وبعد تولى كامل زهيرى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة “روزاليوسف “اقترح لويس جريس عليه وكان وقتها مديرا لتحرير صباح الخير فكرة إعادة إصدار الكتاب الذهبى مرة أخرى، إلا أن العضو المنتدب فى ذلك الوقت عبد الغنى عبد الفتاح لم يرحب بالفكرة فقام لويس جريس بإصدار الكتاب الذهبى على حسابه الخاص وكانت البداية فى سنة 1964 لرواية مترجمة وكانت نموذجًا للرواية السياسية وكانت باسم «الوزير والحب» ثم بعد ذلك رواية «حب ومال» وكانت الأرباح تقسم مناصفة بين الكاتب والمؤسسة، وعندما تولى عبد الرحمن الشرقاوى رئاسة مجلس إدارة “روزاليوسف” عاد الكتاب الذهبى للصدور مرة أخرى من» روزاليوسف” فى بداية عام 1972 وتولى رئاسة تحريره الأستاذ جمال كامل.
وكان لويس جريس دائما ما يطالب بإصلاح العلاقة بين المسئولين والإعلام، وخلق قنوات من شأنها توفير المعلومات للجميع، وإصدار قانون لتداول المعلومات يجبر المسئولين على إعطاء المعلومات الكافية للإعلام ومن ثم للرأى العام، وهو ما أشار إليه فى حوار صحفي: «للأسف عشنا سنوات طويلة ماضية من الفساد، وكان بعض المسئولين ممن يمسكون بزمام الأمور والسلطة من الفاسدين، وبالتالى يخشون تداول المعلومات، لأن الشعب عندما يعلم يقوى وبالتالى يواجه فسادهم وهم يمارسون الفساد فى قطاعات الدولة، هذه هى أولى الخطوات، ثم يأتى بعد ذلك التدريب، وتفعيل المحاسبة لمن يخرج عن النص وينقل أساليب الشارع إلى الفضائيات والصحف».
أورث لويس جريس تلامذته العناد والمثابرة على تحقيق أحلامهم، يقول رشاد كامل الكاتب الصحفى الكبير ورئيس تحرير صباح الخير الأسبق: أعرف الأستاذ لويس منذ مجيئى إلى مؤسسة “روزاليوسف” عام 1976 للتدريب فى مجلة صباح الخير وكان وقتها يشغل منصب المدير العام والعضو المنتدب للمؤسسة فى بداية تدريبى عملت مع رؤساء تحرير عدة منهم العظيم أستاذ حسن فؤاد ثم الفنان الكبير جمال كامل، ثم بدأت رحلتى الحقيقية مع لويس جريس طوال 9 سنوات ظل فيها رئيسًا لتحرير صباح الخير حتى عام 1989 فى كل تلك السنوات كان الأستاذ لويس أبًا عظيمًا وأستاذا رائعا وصديقًا مخلصًا، لم يكن يعتبر نفسه رئيسًا للتحرير بل يعتبر كل محرر هو رئيس التحرير وما أكثر المرات التى كان من المفروض أن يكتب مقاله فى ثلاث صفحات أسبوعيًا لمجلة صباح الخير ثم يأتى أحد الزملاء بحوار أو تحقيق صحفى متميز فيقرر تأجيل مقاله لنشر حوار أو تحقيق الزميل حتى لو كان تحت التدريب.
ويضيف «كامل»: «أهم ما يميز لويس جريس كقائد للعمل أنه ينكر ذاته ويترك مجالا لزملائه الشبان والشابات للإبداع والتألق. وكل نجاح حققته فى حياتى المهنية سواء على صفحات صباح الخير أو إصدارات الكتب صاحب الفضل الكبير والدعم المعنوى بل والكتابة فى هذه الموضوعات والكتب هو لويس جريس فهو الذى منحنى فرصة عمرى لنشر حوار طويل مع الأستاذ صلاح حافظ مايسترو الصحافة فى عشر حلقات متواصلة أسبوعيا فى مجلة صباح الخير، وكانت هى المرة الأولى من نوعها ينشر فيها حوار على مدى أسابيع متصلة.
ويؤكد: «لويس جريس كان حريصًا دائمًا على أن يقدم للمجتمع أبناءه سواء بكتابة سطور أو كلمات عنهم أو بالحديث عنهم فى البرامج التليفزيونية، وكان دائم الفخر بشغلهم مناصب رفيعة».
وأوضح «كامل»: عندما توليت رئاسة تحرير مجلة صباح الخير عام 2003 كنت خائفًا من التجربة وكانت نصيحته لى وقتها: أنت «ماشبعتش» كتابة وعملت 30 كتاب خلى زمايلك ينطلقوا ويكتبوا ويبدعوا لكى يحققوا طموحاتهم، هذا المنصب مؤقت واعتبر نفسك أنك هتسيبه بعد أيام فلا تغضب أحدًا ولا تجرح أحدًا عامل الكل باحترام ومحبة لا تنتهي.. هذا هو لويس جريس.
وعنه تقول الكاتبة الصحفية كريمة كمال «حمل لويس جريس روح جيل اختفت الآن تماما، جيل حرص على أن يبنى جيلا من بعده محملا بخبراته وتكنولوجيا العصر لا زلت أذكر فرحته بى عندما اجتزت اختبار «التويفل»، كان شديد السعادة وكأنما هو من اجتازه، كان يرى أنه من المهم أن يعزز الصحفى قدراته وأن يوجه فى الاتجاه الصحيح لتنميتها ومواكبة عصره، وكان يتمتع بحدس خاص فى الشخصيات والأمور ويرى قصة كبيرة وراء أتفه الأمور، ينظر إليها بعمق فهى لم تحدث مصادفة أبدًا.
أما الكاتب الصحفى منير عامر فقد اختصر علاقته بأستاذه بنبرة حزينة فى جملة واحدة «أرقى ما تعلمته من لويس قابليته للتعلم.. رحمه الله بقدر ما علمنا».