الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«سقوط إيكاروس» على أجساد أوركسترا الرقص الحديث

«سقوط إيكاروس» على أجساد أوركسترا الرقص الحديث
«سقوط إيكاروس» على أجساد أوركسترا الرقص الحديث




كتبت -_هند سلامة

 

احتفل فريق الرقص المسرحى الحديث الثلاثاء الماضى بيوبيله الفضي، وذلك بحضور مؤسسه الفنان وليد عونى كما حرصت على الحضور وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم وكذلك وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، جاء الاحتفال بسيطًا ومكثفًا ملمًا وغير مخل بالتاريخ الطويل الذى صنعه الفنان وليد عوني، فبدأ بفيلم تسجيلى عن مسيرة الفريق الفنية على مدار 25 عامًا، ثم كلمته التى حكى فيها سريعًا تاريخ الفريق، ومعركته مع عرض «سقوط إيكاروس» الذى لم يستقبله الجمهور المصرى والنقاد بالترحاب عام 1993، وطالبوه وقتها بالعودة إلى وطنه ..»go home»؛ لكن كنوع من التحدى قرر عونى الاستمرار والبقاء فى مصر وبالفعل استطاع كسب النقاد والجمهور بعد تقديم عروض الثلاثية لنجيب محفوظ، تحية حليم، وشادى عبد السلام، وهكذا بدأ عونى مسيرته الفنية منذ عام 1993 وحتى 2012، واليوم جاء إلى مصر ليحلق مع فريقه ويعيد أولى أعماله على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا احتفالًا بمرور 25 عامًا على تأسيسه.
«سقوط إيكاروس»
المعروف أن أسطورة «إيكاروس» اليونانية تدور حول فكرة الطموح والارتقاء والتى تتناول قصة إيكاروس ابن ديدالوس المحتجز مع أبيه فى متاهة جزيرة كريت كعقاب لهما من مينوس ملك الجزيرة فيحاولان الهرب من خلال الاستعانة بأجنحة ثبتاها على ظهريهما بالشمع وأثناء هروبهما من المنفى حلق إيكاروس قريبًا من الشمس متجاهلًا نصيحة والده فسقط صريعًا بعد أن أذابت أشعة الشمس أجنحته، ما بين فكرة الصعود والسقوط والسعى فى بلوغ المقاصد، للوصول إلى الشمس، استعرض وليد عونى كل التشتت الذى يمر به المجتمع أو الإنسان بشكل عام من خلال حكاية إيكاروس لتبقى الحكاية إطار فلسفى لانطلاق أفكاره بجسده وأجساد راقصيه، يطرح به العديد من القضايا  بحلم الطيران والتحليق ثم السقوط والإحتراق بعد الاصطدام بالنور أو الشمس الملتهبة دائمًا، لكن هناك أيضًا رغبة فى الاطمئنان وعدم انقطاع الأمل وهو ما احتاج لوجود مضيفتى طيران ضمن أحداث العرض فى مشاهد متفرقة وكأنهما رمز للراحة النفسية والعلاج من الاضطراب والقلق الذى قد يصاحب الركاب أثناء توتر حركة الطائرة فعادة ظهورهم أثناء تقلبات الهواء يكون مصحوبًا بالشعور بالأمان، وكذلك قدرتهم أحيانًا على علاج المسافرين، ومن أقصى اليمين يأخذنا فى عالم آخر إلى دخول داعش ضمن أحداث العرض فى مشهد موحٍ بما تتعرض له مصر من سقوط فى فخ وهوة كبيرة بانتشار هذه الكيانات الإجرامية.
وليد عونى راقصًا..!
يعتبر «سقوط إيكاروس» من أشد عروض الرقص المعاصر إرهاقًا وتعقيدًا على مستوى ضبط الإيقاع الحركى مع الموسيقى وكذلك على مستوى التصميم الذى جاء فيه عونى بمفردات حركية شديدة التنوع والثراء غير مألوفة وغير متوقعة، فبدأ العمل برقصات متفرقة وكل منهم يؤدى ويقدم حركة مختلفة ففى هذه اللوحة رقص الجميع معا.. لكن ليس على وتيرة حركية واحدة، فكل منهم يرقص ويؤدى لوحة منفردة وبالتالى خرج المشهد أقرب إلى عازفى الأوركسترا السيمفونى الذى يعزف كلا منهم لحنًا مختلفًا فى نفس المقطوعة الموسيقية، فأصبحت أجسادهم ترجمة لصوت الآلات المعزوفة، أو هكذا سقط إيكاروس للمرة الثانية على أجساد تعزف النوتة الموسيقية وكأنها هى مصدرها الوحيد، وكانت مفاجأة العرض رقص مايسترو هذا العمل الفنان وليد عونى الذى رقص وكأنه شاب بالعشرين من عمره، ففى اللوحة الأولى ورقصة الدراويش بدا عونى محلقًا وطائرًا حتى تظنه أحد شباب الفريق، ازدحم العمل بتصميمات حركية وأفكار متناثرة ورموز معقدة، وكأنه أراد أن يقدم به كل ما تعلمه فى أوروبا عن القوالب والأشكال الفنية للرقص المعاصر.
الصوفية والتحليق
كما سبق وذكرنا احتوى العرض على عدد كبير من اللوحات الفنية الراقصة، فكان من أشكال التحليق تضمين العرض لرقصة الدراويش لجلال الدين الرومى التى رقصها بنفسه وهو يؤدى طقس الوضوء بحركة يديه ثم يعيد رفعها بالدوران حول نفسه، وهو فعل للتطهر من الخطايا بالرقص والتحليق فى آن واحد، زخم كبير من الفن والمتعة والأفكار المجردة، فلم يحتو العرض فقط على متعة موسيقية وتنوع لوحاته الراقصة بل ركز المخرج بالطبع على تقديم سينوغرافيا ومتعة بصرية بالإضاءة والملابس والديكور، ولعل الإضاءة كان لها النصيب الأكبر فى الاكتمال والوصول إلى ذروة الانسجام والمتعة مع لوحات إيكاروس الراقصة، فخرج العمل لوحة تشكيلية ناطقة بأجساد الراقصين، فتارة تطفىء الإضاءة على أجسادهم لتبدو وكأنها مجموعة من الخيالات المتحركة وتارة أخرى تكتمل الإضاءة لتنير إشعاعات الحركة المتتابعة خاصة فى المشاهد الجماعية التى خرجت شديدة الدقة والإتقان على مدار ساعة ونصف الساعة يرقصون كالبنيان المرصوص، دقة وإتقان واكتمال لإبداع فنى عمره سنوات طويلة أبهر به عونى جمهوره بفريقه المتميز دائمًا ،محمد عبد العزيز زيزو، محمد مصطفى، عمرو البطريق، محمود مصطفى، نور حمدي، عبد الرحمن حامد، صلاح إبراهيم، أحمد محمد، سالى أحمد، رشا الوكيل، منت محمود، سماح مبارك، هالة إمام، عالية هاني، هدير حلمي، ريم أحمد، إنجى عماد، ديكور محمد الغرباوي، إضاءة ياسر شعلان.
تأسس فريق الرقص المسرحى الحديث عام 1993 وظل وليد عونى مديرًا له حتى عام 2012 ثم تولت من بعده مباشرة الدكتورة لمياء محمد، ثم تولى إدارة الفريق منذ 2013 وحتى اليوم المخرج مناضل عنتر، قدم الفريق العديد من الأعمال الفنية الناجحة على مدار سنواته الماضية مثل «إيقاع الأجيال»، «ليالى أبو الهول الثلاث»، «تناقضات»، «نجيب محفوظ ..الغيبوبة»، «تحية حليم..المقابلة الأخيرة»، «حارس الظل»، «صحراء شادى عبد السلام»، «المومياء»، «لو تكلمت الغيوم»، «رائحة الثلج»، «فيروز هل ذرفت عيونك دمعة»، «الفيل الأزرق» للمخرج مناضل عنتر، «أعمق مما يبدو على السطح»، «حلم البصاصين»، «مولانا»، «عشم إبليس»، «قعلة آلموت»، «أرملة الصحراء»، «الخادمتان» تصميم وإخراج سالى أحمد، «كلنا كاليجولا»، «أحمس»تصميم وإخراج محمود مصطفى.