الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هدى الدغارى: الشعر هويتى ونافذتى التى أطل منها على العالم

هدى الدغارى: الشعر هويتى ونافذتى التى أطل منها على العالم
هدى الدغارى: الشعر هويتى ونافذتى التى أطل منها على العالم




حوار- خالد بيومى

 

تعتبر الشاعرة التونسية هدى الدغارى أحد رموز قصيدة النثر فى تونس، الشعر هويتها ونافذتها التى تطل منها على العالم، رغم دموع الباكين على مصيره فى عالم متصحر، واستطاعت من خلال كلماتها أن تحول مواد الواقع الأولية إلى صور مدهشة تصعق القارئ بمفارقاتها، وغرابة عناصرها المحيرة. هى صاحبة اتجاه إيروتيكى فى الشعر، ولغتها بمثابة تعبير رمزى عن ثورتها على النص الموروث، والقواعد الجاهزة والمعلبة للشعر العربي؛ لذلك كان من الصعب تدجينها وترويضها حتى من قبل الأيديولوجيا السائدة، من أعمالها الشعرية : لكل شهوة قطاف، ما يجعل الحب ساقا على ساق، سبابتى ترسل نيرانا خافتة، روزاليوسف كان لها هذا الحوار معها فإلى نصه.

■ «سبابتى ترسل نيرانا خافتة» عنوان ديوانك الأخير.. كيف كان اختيارك لكلماتها؟
«سبابتى ترسل نيرانا خافتة» هو فى الأصل عنوان قصيدة إيروتيكيّة أقول فيها : «أحبّك، أرفع رايتى عند قدميْك، سبابتى ترسل نيرانا خافتة، تدبّ على ساقك اليسرى، فتضمّني، ويدى تسدل الستارة على جسديْن»، اللّحظة الحميميّة تأخذ فى الغالب شكلا دائريّا، تتأرجح بين الخفوت والتوهّج ثمّ الخفوت، دائرة تبدأ بنار باردة، خافتة، ناعمة، تتوهّج قليلا قليلا.. ساخنة.. هزّازة يسيل لُعابُها فينا، تعقُبُها رعشة، فخفُوت وخدر خفيف!.
■ هل الشعر بالنسبة لك حالة إبداعية تسير عليك؟ أم أنه شكل من أشكال التواصل مع المتلقى؟
الشعر هو الضوء، الدفق الهادر للحياة، شعر يقولنا بطريقة مغايرة ومثيرة، يلمّع الاعتيادى ويعيد للحياة توهّجها، الشعر نهر يسرى فى الذّات الشاعرة فيأتى أحيانا طريّا  فائرا كخبز ساخن وأحيانا أخرى بسيطا وعميقا يمتلئ بالتفاصيل والمشهديّة.
■ هناك نزوع شهوانى وإيروتيكى فى قصائدك .. هل تعتقدين أن التماهى الصوفى مع المعشوق خفف من الحسية الظاهرة فى النصوص؟
إن التماهى الصوفى يقوى درجة الحلول الجسدي، جسد يحلّ فى جسد الصوفية قمّة الحسيّة! والصوفى يصعد مراقيه للوصول إلى اللذّة القصوى .
هكذا تأتى القصيدة مشحونة كبندقية، صادقة ومتمرّدة كموجة هادرة، قدّيسة وملعونة فى آن واحد.
■ «فى ديوانك لكل شهوة قطاف» اتكاء على الذاكرة.. حدثينا عن ذلك؟
الذاكرة صندوق مقفل، مسارب تسكن رءوسنا ولا تبرحها، معاول حفر لا تهدأ، صور وأزمنة متداخلة، بعضها يسكن القصيدة، وبعضها الآخر مركون إلى جدار النسيان.
■ كيف تنظرين للعلاقة المضطربة بين المرأة والرجل بكل مافيها؟
 فى الحقيقة لست من هوُّاة  «الجندرة» ولا أحب خوض غمار المعارك التقليدية بين الجنسين، ما يعنينى أوسع من هذه الدائرة الضيّقة، ما يعترى المرأة والرجل رياح شتّى تقرّبهم وتبعدهم، كون وعوالم متعددة، علاقات نربطها مع الآخر ليس بالضرورة رديفنا فى الجنس البشرى بل شريكنا الغريب عنّا أيضا المُتعايش معنا كالأشياء المبعثرة فى هذا الاتساع الرحب!، عوالم عديدة تصنع القصيدة وتغرقها فى هالة جميلة من دون أن يكون محرّكها دائما رجل وامرأة.
■ الذات لها حضور قوى فى قصائدك.. ما حجم الاختلاف  بين الذات الإبداعية والذات الحقيقة للمبدع؟
الذات المبدعة هى الوجه الآخر للذات الحقيقية، عمقها اللاّمرئى الذى نتحسّسه، الذات المبدعة حالة فريدة تتعاطى مع الواقع برهافة خاصة ووجع خاص، التداخل العميق بينهما  مؤذ ومربك للذات قد يوصلها أحيانا إلى حتْفها!
■  هل ترين فى كتاباتك امتداداً للشاعرات أخريات؟
لا شكّ أن التعرّف على كتابات الآخرين يُغنى الذائقة ويبنى جسورا ويهدمها إن لزم الأمر، من اجل بناء أقوى، لكن طبيعتى تأبى أن تكون امتدادا للآخرين ليس لأنها طبيعة مغرورة أو قاطعة أوصال وإنما هى طبيعة مُتمرّدة هادمةَ للأصنام، لا تتحدّدُ فى نهج معين  أو لغة بذاتها، شغوفة بكسر المتعارف عليه باستمرار، أحب أن أكون أنا فى كل لحظة، مُنفلتة وحرّة حتى من نفسى .
■ هل تؤمنين بالاتحاد النسوى؟
لا أؤمن بالاتّحاد النسوي، أؤمن بالاتحاد الإنسانى والتشارُك بين الجنسين من أجل عالم تسودُهُ العدالة والكرامة، لى يقين أنّ هناك نساء يُحاربن وبشدّة  حقوقهنّ، ومواقفهنّ ذكوريّة أكثر من الرجل، وفى المقابل ثمة رجال يُناضلون من أجل المرأة، وبالتالى هذا التقابل بين المرأة والرجل فى المطلق أمرٌ يزعجنى كثيرًا.
■  المرأة التونسية اليوم .. هل هى مثقفة فضائيات أم مثقفة كتب؟
لا أحب التعميم ولست ناطقة باسم المرأة التونسية أو المرأة فى العموم، أقصى ما يُمكن قوْله هو التعبير عن مواقفى وأفكارى التى تُمثّلني، فى اعتقادى ليست هناك ثقافة فضائيات بل هناك ثقافة نستقيها من الكتب.
■ هل فكرت بهجر الشعر والاتجاه نحو الرواية كما فعل الكثير من الشعراء أم أن إخلاصك للشعر أقوى؟
المسألة عندى ليست مسألة إخلاص أو هجر، أنا شاعرة فى المقام الأول والشعر هويتى ونافذتى التى أطلّ منها على العالم، أنا أؤمن بقوة الشعر وحضوره اللافت فى وجدان الناس رغم كل اللغط المحفوف بهذا القول وأؤمن أكثر بحضورى الشعرى المُلتمع وسطوته على المتلقى!
■ برأيك.. هل يوجد تجديد فى الشعر العربى المعاصر أم أن هناك شاعرا واحدا يكتب مئات الدواوين الشعرية ويصدرها بأسماء مختلفة؟
لنقُل بشكل عام أنّ مسألة التجديد تبقى أمرا مهما، والشغل الشاغل للشاعر المبدع والباحث عن أنماط  لم تُقل بعد، سواء فى الشكل أو المضمون وبدون هذه الرغبة يمكن للشعر أن يتراجع إلى الوراء.