الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

والدة الشهيد كريم فؤاد أبوزامل فى حوارها مع لـ« روزاليوسف» : اشترى «برواز» قبل وفاته بشهر وعلقه قائلا: «عشان تفتكرينى لما أستشهد يا أمى»

والدة الشهيد كريم فؤاد أبوزامل فى حوارها مع  لـ« روزاليوسف» : اشترى «برواز» قبل وفاته بشهر وعلقه قائلا: «عشان تفتكرينى لما أستشهد يا أمى»
والدة الشهيد كريم فؤاد أبوزامل فى حوارها مع لـ« روزاليوسف» : اشترى «برواز» قبل وفاته بشهر وعلقه قائلا: «عشان تفتكرينى لما أستشهد يا أمى»





حوار - سلوى عثمان

 


هى سيدة تتسم بالصبر، أنجبت لمصر بطلا من أبطالها البواسل الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن تعيش بلادنا وأهلها بخير وسلام، إنها السيدة سعيدة العطار، أو «أم كريم» كما تحب أن يناديها الناس اعتزازا باسم ابنها الشهيد كريم فؤاد أبوزامل، التقتها «روزاليوسف» لتقربنا من روح الشهيد وتعرفنا على تفاصيل حياته والذكريات الأخيرة التى تركها فى الدنيا قبل استشهاده، وإلى نص الحوار.


■ حدثينا عن حياة الشهيد؟
- أولا: اسم كريم يمثل أشياء كثيرة بالنسبة لى وله ذكريات عندما تمت خطبتى وكنت على والد كريم، وهو ابن عمتى، كنت أقول له إذا رزقنى الله بطفل سنسميه كريم فظل أيام الخطوبة، والتى استمرت ثمانية أعوام ينادينى أم كريم، وتمت الزيجة بعد أن أنهيت المرحلة الجامعية، وتخرجت من كلية التجارة جامعة الإسكندرية، وفِى هذه الأثناء عمل زوجى محاميا بعد أن قضى ثلاث سنوات كضابط احتياطى - ورزقنى الله بعد ٩ أشهر بـ«كريم»، فكان اسما على مسمى، وكان طفلا ذكيا مؤدبا عاقلا بالرغم من شقاوته المفرطة.
ابنى تربى يتيما حيث توفى والده وعمره ٩ سنوات فتحمل المسئولية مبكرا، وكنت عندما أغضب منه وأتشاجر معه نتيجة للضغط العصبى فى تلك الفترة كان ابنى يقول بكل هدوء وأدب جم «لو سمحتى يا ماما وطى صوتك ما تخليش حد يسمع بينا ويعرف أسرارنا  اضربينى  أحسن». فكنت أخجل بعد هذا الكلام أن أوقع عليه أى نوع من أنواع العقاب فكان يحب الستر.
وكان ابنى متفوقا ويحلم منذ صغره أن يكون ضابطًا سواء بالجيش أو الشرطة وبعد الثانوية العامة قام بتقديم أوراقه بكليتى الشرطة والحربية، وللآسف لم يستكمل اختباراته فى الحربية وحزن حزنا شديدا، فكنت أثلج صدره بأن الله لن يضيع أحلامه التى طالما دعى الله أن يحققها له، وبالفعل تم التحاقه بكلية الشرطة  عام 2006، وكان مثالا للطالب المتميز أخلاقياً ودارسياً وملتزمًا فقد كان حريصا على عدم الغياب، فأتذكر عندما مرض مرضا شديدًا بالكلية وأصيب بنزلة شعبية حادة، وتحولت لحصبة ألمانى أثرت عليه فقلت له ياريت تأخذ إجازة فقال لى «يا أمى أخاف أن يؤثر على  تقديراتى وتكون النتيجة غير لائق» وكان متفوقا خلال فترة الدراسة ومن أوائل دفعته عام ٢٠١٠.
كان ابنى دائما يتمنى الشهادة، ويدعو دائمًا لزملائه الذين استشهدوا وكان مرتبطًا ارتباطًا كبيرًا بزميله محمد صفوت حرب الذى استشهد بوضع صورته بروفيل على الفيس بوك، وعندما طلبت منه خطيبته أن يضع صورته قال لها بالحرف الواحد لن أغير صورته إلا فى حالة أن يهبنى الولد وأضعها بجانبه أو يصطفينى الله لأكون شهيدا، وبالفعل استشهد بعدها بعام ونصف العام.
■ ماذا بعد التخرج؟
اختار كريم العمل فى مديرية أمن المنيا، وعمل بقسم شرطة مطاى، وكان بشهادة الجميع مثالا لظابط الشرطة المحترم المجتهد، فكسب حب رؤسائه وزملائه معاً، والأهم إنه كسب حب الناس.
■ حدثينا عن حادثة استشهاده؟
بعد أسبوع فقط من تاريخ إدلاء كريم بشهادته فى قضية هجوم الجماعة الإرهابية على قسم الشرطة الذى كان يعمل به، بعد أحداث فض اعتصام رابعة المسلح، وأثناء عودته برفقة ظابط زميله وفرد شرطه من معاينة جريمه قتل، وفى منطقة صحراوية بنجع أولاد جمعة، فوجئوا بسيارة تحمل لوحات شمال سيناء يستقلها 3 مسلحين، فقام كريم وزملاؤه بمطاردة المسلحين، وعند استيقافهم نزل كريم بسرعة من البوكس للقبض عليهم، بالرغم من عدم وجود  آلى، إلا أنهم أطلقوا النار تجاهه مباشرة وبكثافة، فأُصيب بطلق نارى فى الصدر تسببت في تهتك القلب والطحال والبنكرياس وخرجت من الكلى، وفرد الشرطة أُصيب بطلق نارى فى الذراع ونقلا إلى المستشفى.
وبعد إجراء عدة عمليات جراحية، استشهد ابنى بطلاً مؤمناً مجاهداً فى سبيله، مُقبلاً غير مُدبر، ممسكاً بسلاحه لم يتركه حتى ذاق الموت، لنحيا نحن بأمان سالمين آمنين مع أسرنا وأهلنا.
■ هل تم التعرف على هوية الجناة؟
تحقيقات الأمن الوطنى أثبتت أن السيارة كانت تنتمى لعناصر بيت المقدس، وكانت تحتوى على قنابل وخرائط لتفجير عدة كمائن شرطة، وتمركزات خاصة بالجيش والشرطة بمحافظة مطروح، وبمطاردة كريم واستشهاده كشفت معظم أعضاء التنظيم، وتم القبض عليهم، وتكريما له ظل قطاع الشمال مواظباً على الوقوف دقيقه حداداً على روحه الطاهرة أثناء طوابير الصباح فى الوحدات، وقال رئيس الأركان فى زيارته لقطاع الشمال بعد استشهاده: «فلنقف دقيقة حداداً على روح شهيد الشرطة اللى فدى كتير منكم باستشهاده».
■ ما هى آخر محادثة تمت بينكم؟
يوم الحادث اتصلت بابنى فى العاشرة صباحا لأطمئن عليه لم يرد وحوالى الساعة الثانية عشرة ونصف اتصل على تليفون أخيه فرديت عليه وكنت مريضة فى هذا الْيَوْمَ، وطلب من أخيه أن يحضر لى الطبيب ولكنى رفضت فقال ابنى «كريم هايزعل لو ماكشفتيش لأنه أوصانى وقلقان عليكي» وكنت فى ذلك الْيَوْمَ حزينة وقلبى به قبضة كأن شيئا سيحدث آخر كلمة سمعتها منه «أنا زى الفل فضل وحمد من ربنا أهم حاجة انتى يا ست الكل»، كنت خائفة وقلقة دائما على ابنى وأشعر فى كل لحظة أن الموت سيخطف ابنى منى، وأحدث نفسى لو مات كريم هاأعيش ازاي!!»  
وكان ابنى يشعر ويتمنى الشهادة حيث إنه قبل شهر من استشهاده قام بعمل برواز لصورة له وقام بتعليقه فى مكان مميز بالبيت، وقاللى «أنا حطيت  الصورة  هنا علشان لما استشهد تبقى  تبصى للصورة وتقولى الله يرحمك يا كريم».
وقبل سفره بيوم أخد يحاكينى لساعات طويلة ونتذكر ذكريات جميلة وكأنه يودعنى وقمت بتحضير حقيبته وتوصيله إلى باب المنزل أنا وأخوه سامح فتحرك بسيارته مسافة عشرة أمتار ثم عاد للخلف مرة أخرى إلى أن جاء لباب المنزل مرة أخرى، وأخذ ينظر إلى لمدة ثوانى ويبتسم فقال له ابنى، «انت نسيت حاجة يا حبيب أخوك؟» فظل يضحك ضحكته الصافية المعهودة، وقاله «مانسيتشى حاجة ياحبيب أخوك أنا بجرب العربية بترجع للخلف ولا لا» ثم  توفى بعدها بثلاثة أيام.
وحكى لى أحد زملائه الملازمين له أثناء نقله للمستشفى أنه كان يردد ثلاث جمل الشهادة  «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله» و»الحمد لله»  و»أمي» بصوت عالى هز أركان المستشفى، وعندما كان يقول له المحيطون به انت كويس وهاتقوم بالسلامة قالهم «المرة دى غير كل مرة  المرة ده أنا رايح لربنا».
■ من أكثر المواقف الطريفة التى تتذكريها؟
- ابنى كان مدللا ومرفّها فى المرحلة الأولى الابتدائية فعند ذهابه للمدرسة كان يأخذ ساندوتشات لانشون وجبنة رومى وشيدر، وتعد مثل هذه الأنواع بالنسبة لزملائه أفخم أنواع الساندوتشات، باعتبار أننا فى الأرياف فالتف أصدقاؤه حوله وأعطاهم السندوتشات، ولَم يكتف بذلك وجاء بهم للمنزل أثناء الْيَوْمَ الدراسى،  وكنت فى المطبخ فزعت «حصل حاجة ليه سبت المدرسة وجئت قاللى وطئ صوتك ياماما زمايلى بره اعملي سندوتشات عشان عجبتهم»، وعندما خرجت لاستقبالهم وجدتهم ٩ تلاميذ من قرى مجاورة  وعرفنى عليهم.
هكذا كان ابنى يتصف بالكرم منذ الصغر، وظل هؤلاء أصدقاؤه المقربون وبعد وفاته قاموا بعمل لوحة باسم الشهيد كريم على مدخل البلدة، وأسفلها مبرد مياه كصدقة جارية.