الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المؤرخ عاصم الدسوقى فى حوار لـ«روزاليوسف» وصفهم بأنهم غير مؤهلين (2): كتبة التاريخ.. منحازون

المؤرخ عاصم الدسوقى فى حوار لـ«روزاليوسف» وصفهم بأنهم غير مؤهلين (2): كتبة التاريخ.. منحازون
المؤرخ عاصم الدسوقى فى حوار لـ«روزاليوسف» وصفهم بأنهم غير مؤهلين (2): كتبة التاريخ.. منحازون




حوار - مروة مظلوم

“منف، هيروبولس ، طيبة، أواريس، الإسكندرية، الفسطاط، العسكر، القطائع.. »القاهرة« ليست العاصمة الأولى لمصر فقد سبقتها عشرون عاصمة لكنها أكثرهم صمودًا أمام رياح التغيير فحملت اللقب وكانت عاصمة للدولة الفاطمية والدولة الأيوبية والدولة العباسية والمملكة المصرية والجمهورية العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية.. عن تلك العاصمة لدولة طالما كانت المنارة فى محيطها تابع المؤرخ المصرى د.عاصم الدسوقى قراءة تلك الصفحات من تاريخ مصر المعاصر فى حوار خاص مع «روزاليوسف».

■ تعددت عواصم مصر وتغيرت مواقعها فهل كانت قلاع لفاتحيها تحميهم من شعبها أم منبر لنشر دعواتهم وثقافتهم المغايرة لعادات المصريين؟
عندما جاء عمرو بن العاص من جنوب القاهرة أسس الفسطاط على مقربة من المنطقة المأهولة بالسكان فلو اقتحم العمران لفتك أهلها به، وبدأ يأخذ استعداداته لذلك من الخارج رغم وجود منف والإسكندرية عواصم لمصر، لكنه آثر النزول بجنوده فى الخلاء، وعندما جاء المعز أقام له جوهر الصقلى «القاهرة» على مشارف العمران وفى وسطها قصر ومحاطة بسور به مزاغل وأبواب، كذلك قضى صلاح الدين على الفاطميين فلم يقيم فى القاهرة وإنما شيد القلعة مقراَ لحكم لم يسلم نفسه لأهل المدينة التى غزاها واستقر فى القلعة مقر الحاكم فى مصر حتى عهد الخديوى إسماعيل بعد عشر سنوات من حكمه اشترى قصر عابدين باشا ووسعه وطور القاهرة ووسط البلد فى المعمار ونزل إلى قصر عابدين يسكنه عام 1875 وبدأ الحاكم فى وسط القاهرة منذ ذلك التاريخ.. وهكذا كل حاكم أتى إلى مصر لم يجرؤ على الدخول إليها خشية أن تفتك به المقاومة أو أعداءه.
الدراما التاريخية
■ هل نحن شعب درامى ونرى التاريخ جزءًا من الدراما؟
عندما نصنع دراما تكون انتقائية تبرز شخصيات وتغفل شخصيات حسب مرجعية كاتب الدراما وهواه، فهو يناقش فكرة معينة ويخلق الجو والظروف الملائمة لها وليس كما يتحرك كاتب التاريخ، الحدث هو ما يحركه للبحث من خلال الوقائع والمستندات والمصادر وأعيد ترميم وبناء الصورة كما نص المنهج العلمى فى كتابة التاريخ أن الحدث أشبه ببورتريه صورة ممزقة لشخصية ولكنها ممزقة ومتناثرة فى عدة جهات مهمة الباحث جمع أجزاء الصورة وترميمها وإعادة بناء البورتريه على حالته، أشبه بالبازل صورة متكاملة صحيحة، باحث التاريخ كتلك المرأة المعصوبة العينين رمزًا للعالة ترى الحالة ولا ترى الاسم، لا ينبغى أن يتأثر بالشخصية عند الكتابة عنها وكثير من البحوث المغرضة غير معقولة خارج حدود المنطق أصحابها يهدفون لتشويه بعض الشخصيات التاريخية لخدمة أغراض أخرى.
■ بم تفسر التغيير المفاجئ فى الخريطة الأدبية العربية؟
حالة التردى التى وصلت إليها الأوضاع الثقافية سببه أن القاهرة لم تعد تحتضن هؤلاء الكتاب أو المثقفين أو لم يعد لديها ما تمنحه لهم، فهى لا تتبنى الكتاب، فى العهد الناصرى كان هناك ندوات ونشاط ثقافى حقيقى يديره إعلام الثقافة فى قلب القاهرة فضلا عن اهتمام الدولة بالحركة الثقافية، كان هناك احتواء لأبناء مصر مع الهدف الموجود، ولا يوجد اختلاف أو تناقض مع الهدف القومي، سوى بعض الناس التى كانت ترى أنها أُضيرت اقتصاديا وهم قلة آنذاك.
■ هل يمكن القول بأن دول الخليج جذبت المثقفين بالمال؟
ليس بالمال وإنما فتحت لهم الباب للتعبير عن رأيهم ومنحتهم دعوة مجانية للتعبير مطعمة بتذكرة السفر والإقامة، فى مقابل أن تصبح دبى راعية للفكر والثقافة، لكنها لا تعبر عن ثقافة مجتمع حقيقى إذ إن أغلب المثقفين الوافدين من الدول العربية ومصر على رأسهم.
القاهرة بحد ذاتها كانت منطقة استقطاب للاجئى الفكر والأدب ممن عانوا من القمع فى بلادهم.
حيادية المؤرخ
■ كيف يكتب تاريخ مصر.. على هوى المؤرخ أم على هوى السلطة؟
التاريخ حرفة لها منهج كأى تخصص هناك «منهج البحث فى التاريخ» وهو أول ما يتعلمه طالب الآداب فى قسم التاريخ، تبدأ بطريقة البحث وجمع المادة، كيف تقرأ المصدر؟ كيف تتناوله؟ كيف تتشكك فى المصدر؟ وهناك منهجية «التحليل»، هنا الباحث فى التاريخ طبقًا للمنهج ليس من حقه أن يحكم على الحدث، إذ يعيد بناء الحدث بالرجوع إلى الجزئيات المتناثرة هنا وهناك ويربط بين بعضها بتفسير النتائج دون أن يذكر فى العنوان الحكم فليس من حق الباحث أن يكتب ثورة يوليو «المجيدة» فقط ثورة يوليو، أو جمال عبد الناصر «البطل» فقط عبد الناصر منذ عام إلى عام، عندما تُعرض الحقائق مرتبطة بعضها ببعض القارئ هو من يبنى حكمه على الشخصية لا الكاتب، لكننا نفتقر الحيادية فى الكتابة لأن من يتولون الكتابة فى التاريخ وينشرون ما يكتبون فى الصحف ليسوا باحثين فى التاريخ، باحث التاريخ يعرف حدوده ويعرف كيف يستخرج المعلومة من المصدر.
■ هل أساء مؤرخو العصر الحديث لشخصيات بارزة فى تاريخ مصر؟
نعم النماذج الأخيرة لأنها غير ذات اختصاص مثل يوسف زيدان، هو يحمل درجة الدكتوراه فى الفلسفة لا علاقة له بالتاريخ ولم يتأهل تأهيل منهجى ليصدر أحكام على شخصيات تاريخية لأنه يعتمد على مصادر مبتورة، مثلا هجومه على عرابى مأخوذ من هجوم أحمد شوقى عليه وهو شاعر عظيم، لكن اجتماعيا مرتبط بالأسرة العلوية لأن أمه أحد جوارى الخديوى إسماعيل وهو من قال: «ولقد ولدت بباب إسماعيل» عندما تقوم ثورة ويقودها «عرابي» ويواجه الخديوى «توفيق» وتنجح هذه الثورة، فى حالة نجاحها تضار العائلة المالكة وحاشيتها ومن ضمنهم أحمد شوقى فلابد أن يهاجمه، ونفى «شوقي» بعد عزل الإنجليز للخديوى «إسماعيل» وتعيين «حسين كامل» تم نفى طاقمه بالكامل، لم يعد «شوقي» إلا عام1920 بعد ثورة 1919، عندما عاد «عرابي» من المنفى عام 1902 تم العفو عنه قال شوقى «صغار فى الذهاب والإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابي؟! «فاستشهد يوسف زيدان بهذه الأبيات إذا كان باحثى أكاديمى حقيقى لماذا لم ينشر رد «عرابي» عليه حين قال: «كبار فى الذهاب وفى الإياب رغم أنف أولاد الكلاب»، باحث التاريخ يذكر الاثنين ويدع الحكم للقارئ وهذا عيب من يتصدى لكتاب التاريخ دون تأهيل منهجي.
صلاح الدين الأيوبى
■ وماذا عن تأليه شخصيات تاريخية وتعظيمها على حساب أخرى من الشخصيات الجدلية عمرو بن العاص وصلاح الدين.. أى ما كتب عنهم هو الأصدق تاريخيًا؟
المشكلة هنا فى من يتصدى للكتابة، فمثل هذه الأمور لا تصدر عن الباحث المحترف والذى تقتصر مهمته على عرض الموضوع والحكم للقارئ، لكن من يقحم نفسه فى دراسة موضوع فى التاريخ وهو غير مؤهل منهجيًا يرتكب مثل هذه الحماقات، كثير جدًا من كتاب الأعمدة الثابتة فى الصحف يتجاوز أشياء ثابتة كثيرًا لخدمة غرض معين، ولأنه غير باحث فيلتقط معلومة ويخرجها خارج السياق ويفسرها كما يحلو له ويصف ويسب.
أما عن عمرو بن العاص كأى قائد عسكرى دخل مصر فاتحًا لكن لو واجه مقاومة بديهى أنه كان سيصدها بقتل أفراد من أبناء الشعب «فالسياسة منطقة اللاأخلاق»، كذلك عندما جاء «سليم الأول» ووجد مقاومة، و»الغوري، قتل «طومان باي» قطع رأسه وعلقها على باب زويلة، وإذا احتمى أحدهم بالمساجد يتعقبه الجنود الأتراك إلى الداخل دون الاكتراث بحرمة المسجد ويقتلونهم بداخله حتى الذى كان يفر إلى المئذنة يقتلونه ويرمونه من أعلاها، كلها أمور إذا حكمت عليها بالأخلاق فهى استبداد ولكن السياسة لا تعترف بالأخلاق «الغاية تبرر الوسيلة» المبدأ المكيافيلي.
■ هل كان المناخ السياسى فترة حكم الرئيس السادات طاردًا للمثقفين؟
ثورة يوليو فتحت باب حرية التعبير للمفكرين والمثقفين كخدمة لجمهرة الناس حولها باستثناء مثقفى الطبقات القديمة ممن كانوا ضد إجراءات ثورة يوليو من عادوا، فى عهد السادات الذى طوى صفحة جمال عبد الناصر عاد رأس المال للحكم مرة أخرى فسار بفكر الاقتصاد الحر ودعمه وأهملوا قضايا المجتمع وتخلت الدولة عن دورها الاقتصادى والاجتماعى فكان المناخ طاردًا للمثقفين إلى دول الخليج لم يبق إلا من مجد فى السادات وقراراته.
علاقة المثقفين بالسلطة
■ اشرح لنا علاقة المثقفين بالسلطة فى الثلاثة عهود ناصر، السادات، مبارك؟
الكُتاب الذين كانوا فى خدمة عبد الناصر كانوا يكتبون إيمانًا بما يفعل بهدفه وإجراءاته الثورية، أما السادات فقد أحاط نفسه بمجموعة الكُتاب الذين أضيروا من عبد الناصر وأولهم كان أنيس منصور الذى كان رئيسًا لتحرير مجلة الجيل كتب مقال شبه فيها الشعب المصرى وعبد الناصر بالبردعة والحمار ولم يعتقل آنذاك، ولكن أبعدوه عن منصبه وفى عهد السادات قربه إليه مقابل تمجيده، نفس الشيء مع مبارك كان هدفهم الحفاظ على مراكزهم فيكتبون ما لا يعتقدون للمحافظة على المكانة الاجتماعية. وكان النهج السائد فى عهده.. إن لم يمجدونه لا ينتقدونه.
■ وكيف ترى تعامل الدولة فى حينها مع المؤسسة الدينية؟
الأزهر منذ إنشائه لم يكن له «شيخ» كان له «ناظر» إدارى من الأوقاف الموقوفة على الأزهر ينفق منها لتنظيف الجامع وترميمه، جاء منصب شيخ الأزهر فى عهد العثمانيين عندما جاء السلطان سليم الأول عام 1517 إذ قابله حاخام اليهود وبطريرك الأقباط وفى عهد سليمان القانونى عام 1522 وضع منصب «شيخ الأزهر» كرجل دين وليس إداري، فدخل الأزهر كمؤسسة تتبع الدولة وشيخه معين من قبل السلطان إذا ولاءه للسلطان، عام 1895 وقعت مظاهرة فى الأزهر حيث كان الأغنياء يخصصون حصصًا من أموالهم للإنفاق على طلاب الأزهر وشيخ الأزهر حينها كان يتبع المذهب المالكى اسمه عبد الواحد إمبابى كان يؤثِر طلاب المالكية على باقى المذاهب الأخرى فقاموا بمظاهرة لإسقاط شيخ الأزهر من أجل هذا الموقف فخرج عليهم شيخ الأزهر يقول «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد جزاء ولا شكورا»، فرد أحد الطلاب و»كذلك كنتم من قبل»، فتدخلت الحكومة لفض الاشتباك وأنشأت مجلس إدارة للأزهر مكون من شيوخ الأربع مذاهب مع اثنين من الحكومة هم مفتى الديار ووكيل نظارة الحقانية «العدل»، من هنا بدأت الدولة تفرض هيمنتها وبالتدريج خصصت جزء من الميزانية للصرف على احتياجات الأزهر وإصدار شهادات لخريج المعهد وإنشاء هيئة كبار العلماء ولا يلتحق بها ما دون الأربعين عامًا ويتم اختيار شيخ الأزهر منهم.
دور الأزهر
■ هل قام الأزهر على مدار تاريخه بدوره كمؤسسة دينية أم اكتفى بدعم دور الدولة فقط؟
من البداية والدولة هى المتحكمة فى كل تغيير وتحديث فى الأزهر وتدفعه لأداء دوره، فنجد أن «عبد الناصر» أسس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وطور الأزهر فأدخل العلوم الدنيوية إلى علوم الدين فأصبح هناك أطباء ومهندسين خريجى الأزهر، بهدف مقاومة التبشير المسيحى فى إفريقيا والذى كان يعتمد على رجال دين فى زى مدنى «العامة» من الأطباء والمهندسين وحل مشكلات القبائل ويتبنوهم بالدعوة، فى حين أن دعاة الأزهر يخاطبون الناس دون أن يقدموا خدمات فأخذ نموذج الدعاة من الأطباء والمهندسين يملكون الحصانة الدينية مثل هؤلاء التبشيرين ومن الخدمة يتقرب لهم الناس.. لكن علماء الأزهر المتزمتين رفضوا هذا التطور وهاجموا عبد الناصر إلا أنهم تراجعوا بعد رحيله.
■ وما مفهوم تجديد الخطاب من وجهة نظرك؟
أخذ النص الذى تحكم به خارج السياق – الظروف التى نزل فيها النص- فالقرآن لم ينزل دفعة واحدة، وعندما كانت تصادف النبى قضية يأتيه الوحى بالحل، وتدرج الأمر تبعا لتطور الزمنى من النبى للصحابة، الحلول أصبحت قياسية إذا كانت المشكلة بكافّةً ظروفها قائمة الحل موجود لكن هناك مشكلات أخرى، هنا جاء فكر المعتزلة عندما قالوا نحكم العقل ونأخذ النص فى ضوء ظروفه وبالتالى لا ينبغى أن يكون النص مطلقًا، لكن أهل السنة اعترضوا فقالوا أن النص مطلق وصالح لكل زمان ومكان، فى التعليم الأزهرى أخذوا بمقياس أرسطو الذى يعتمد على ثلاث أركان.. القياس شكلي، الخمر محرم لأن هناك نص لكن التدخين لا يوجد به نص، القياس الدخان نوع من أنواع الإسراف «إنه لا يحب المسرفين»، وهناك مشروبات تعمل نفس فعل الخمر من أنها تذهب العقل وكل ما يذهب العقل حرام.
لكن العناد وصل إلى أنه فى عام 1996 وقع الكسوف الكلى للشمس وحينها حذرت الحكومة المواطنين من النظر للشمس، ومن دون دعوى الشيخ نصر فريد واصل أصدر فتوى أن النظر إلى عين الشمس وقت كسوف الشمس حرام شرعًا لقوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، وهذا حكم يمكن أن يطبق على غيره من الأمور كركوب الطائرة السيارة الأتوبيس، كلها تهلكة تحتمل الصدام، لذلك فهم مهتمين بمنطق أرسطو حذفوا السببية والعقلية واهتموا بالقياس الشكلي، هم يبحثون عن النص الذى يشبه الحالة شكلا وليس موضوعا، تجديد الخطاب فى إطار الظروف الموضوعية التى نزل فيها النص.. هل الظروف لاتزال قائمة إذا لم تكن فلا يجوز الحكم به.. هاجموا المعتزلة لتحكيم العقل وكانوا أسبق من الفكر الأوروبى الذى تكلم عن تحكيم العقل.. وهو أحد أسباب تراجع الأزهر كمؤسسة دينية.