التعليم.. وراؤول!
عبد الله كمال
توقفت مليا أمام ما قاله راؤول غاندي سكرتير عام حزب المؤتمر الهندي.. في محاضرته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي نظمها وأدارها الدكتور محمد كمال يوم الأربعاء.. بعد أن حضر "راؤول" كضيف علي المؤتمر السنوي للحزب الوطني قبل أيام.
لم أتوقف أمام كون "راؤول" وحزبه من بين الظواهر التاريخية في الحياة السياسية الهندية.. "حزب المؤتمر" وزعيمه التاريخي "ماهونداس غاندي" قادا عملية التحرر.. ومن ثم قاد "جواهر لال نهرو" عملية التنمية.. وراؤول ينتمي إلي عائلة سياسية مرموقة.. توالت أجيالها بدءاً من أنديرا غاندي.. ثم ابنها راجيف.. ثم زوجته سونيا.. ومن بعدهما ابنه راؤول.
لكني توقفت أمام مفهومين طرحهما في المحاضرة.. الأول: هو أنه لايمكن نقل نموذج للتنمية من بلد إلي بلد.. خصوصا من الهند.. لأن فيها أكثر من نموذج وليس نموذجاً واحداً. والثاني: هو أن التعليم سر تطور أي أمة.. وقد قال راؤول: إن الهند تضم الآن بعضا من أفضل المؤسسات التعليمية في العالم.. وحققت نجاحات كثيرة في التعليم.
قادني هذا إلي مقال كنت قد قرأته مؤخراً لباحثة في جامعة هارفارد اسمها "اليزابيث هاس".. عنوانه: كيف تصدت الهند لمشكلة التعليم؟.. ومن عجب أنها في مقالها كانت تدعو إلي الاستحياء الأمريكي من تجربة الهند.. بل قالت: نستطيع جميعا أن نأخذ درسا من الهند.. واشنطن وماحولها تشعر بالمأزق التعليمي.. علينا التركيز علي حلول مبدعة.. توفر الفرص للطلاب في المستقبل.. وتقوم علي تدخل الحكومة.
قبل أعوام هزت الولايات المتحدة العالم بتقرير عنوانه "أمة في خطر".. تحدث عن المشكلة التعليمية في البلد.. والمشكلة ما زالت قائمة.. بدليل هذا النوع من المقالات رغم إنفاق مئات المليارات.. فإذا ما قارنت الأمر مع مصر لابد أن تطبق قاعدة: القياس مع الفارق.. فلو كانت مقاييس الولايات المتحدة تطبق علي مصر لقلنا "أمة ضاعت".. أو "أمة التهمها الخطر"!!.. بينما نحن لم نزل نفكر حتي الآن في مصير وزير التعليم.. وهل يبقي في موقعه.. أم يغادره في تعديل وزاري محدود؟!
إذا ما عدنا إلي ما قالته اليزابيث هاس.. عودة من وحي محاضرة راؤول سوف نجدها تتحدث عن أن صعود الهند تعليميا يعود إلي تركيزها علي طلاب الثانوي.. وتنمية مهاراتهم.. وتعريفهم بقواعد النجاح في القرن الواحد والعشرين.. وتقول هاس: الهند بدأت بإنشاء مجلس قومي لدعم المهارات يتعاون مع اتحاد الصناعة الهندي.. لخلق وابتكار مفاهيم مهنية كاملة المعاني لإدارة المدارس وإصلاح مؤسسات الدولة والمناهج الدراسية وأعضاء هيئات التدريس.
بحلول عام 2022، ووفق المخطط في الهند.. فإن الهدف هو تدريب نحو 500 مليون شاب علي المهارات العصرية.. وإذا كنا نقول إن عدد تلاميذ المدارس في مصر "16 مليوناً" يساوي تعداد بضع دول عربية.. فإن عدد المستهدفين بالخطة في الهند يفوق تعداد مصر الآن بخمسة أضعاف ويزيد.
والتحدي هو تجديد مناهج عفا عليها الزمن.. وتنمية مهارات المدرسين لكي ينموا القدرة علي الابتكار والتواصل مع الغد.. وليس لكي يستقطبوا عدداً أكبر من زبائن الدروس الخصوصية.. أو يصرخوا من امتحانات الكادر الخاص.
وفي الهند مبادرتان.. بالتعاون بين القطاعين العام والخاص.. الأولي تتحرك بمؤداها الحكومة الهندية داخل الإدارات الخاصة.. وتعريفهم ما يحتاجون إليه بالضبط.. وكيفية إدارة المؤسسات الكبري للمضي قدماً.. وبمقتضي هذا فإن الشركة الخاصة التي توقع عقداً ما تكون عليها التزامات نحو المناهج الدراسية والتدريس.. فتخصص كل شركة ساعتين شهرياً لإلقاء محاضرات علي الطلاب عبر أحد موظفيها بالإضافة لتهيئة فرص تدريب للطلاب في تلك الشركات.
وأما المبادرة الثانية فهي تلزم القطاع الخاص بتوثيق العلاقات بينه وبين أعضاء هيئة التدريس، وفي نفس الوقت أعلنت الحكومة الهندية برنامجاً للمراكز الصناعية بالمناطق الريفية بتقديم الدعم بالأرض وتوفير السكن للطلاب ووضع المناهج الدراسية التدريبية المستقبلية للموظفين وبناء المرافق الحديثة.
وقد تصلح هذه الأفكار لمصر.. وقد لايصلح بعضها.. راؤول نفسه قال إنه لايمكن نقل نموذج للتنمية من بلد إلي آخر حرفياً.. وقياساً علي هذا يمكنني القول: إنه لايمكن نقل تجارب التعليم المتميزة من دولة إلي أخري.. بالكامل.. لكن يمكن الاستفادة من الأفكار ومضامينها.. وبالتأكيد ليس من تلك الأفكار أن يكون لديهم وزير تعليم اسمه الدكتور يسري الجمل.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]