سليمان من المراغة
عبد الله كمال
جاءتني (بروفة) الصفحة الثالثة من عدد الجمعة في "روزاليوسف".. ففاجأني الخبر غير المسبوق:(مواطن يهدم مسجدًا بليل.. لكي يبني فوق أرضه برجًا سكنيا في روض الفرج).. الحدث مروع.. والأوقاف تصدت للأمر بالمرصاد القانوني.. وأحالت من هدم المسجد إلي النيابة.
لكن الواقعة في حد ذاتها ليست هي فقط التي لفتت نظري.. رغم أن فيها ما يستفز أي قارئ.. إذ إن من هدم المسجد كان قد اتبع الطرق القانونية لكي يعيد البناء.. لكنه قطع الطريق علي القانون الذي طلب تدخله.. ما لفت نظري ــ أيضًا ــ هو أن المسجد الصغير كان قد تبرع ببنائه مواطن قبطي في الأربعينيات.. وأصبح فيما بعد وقفًا.
هذه ظاهرة مدهشة في المجتمع المصري.. أي أن يبني مسيحي دار عبادة لمسلم.. وهي لم تنقطع ولم تزل موجودة.. بل إنني كنت أتتبع الحالة السياسية لمواطن مسيحي مرموق من المراغة اسمه سليمان صبحي.. فوجدت أنه تبرع عديدًا من المرات لكي يساهم في بناء مساجد في بلده.. وأحيانًا يرسل كميات من الحديد والأسمنت.. وفي مرة أخري تطوع بأن قدم بعضًا من لوازم البناء لمعهد أزهري.. وقد كان هذا من بين الأسباب التي جعلتني أقرر أن أكتب عنه.
ليس اللافت فقط في تجربة سليمان صبحي أنه يتبرع لبناء المساجد.. ولكن في أن ذلك هو أحد عناصر مقوماته كشخصية مجتمعية ناجحة.. ومؤثرة.. ويجب أن نسلط الضوء عليها.. إذا كنا نتساءل: أين هي النماذج المسيحية التي يجب أن ينتبه لها الحزب الوطني حين يعد قائمة مرشحيه للانتخابات؟
ينتمي سليمان إلي عائلة سياسية عريقة.. هو نفسه كان ضابطًا كبيرًا في شرطة السياحة.. قبل أن يتقاعد في الانتخابات البرلمانية السابقة.. التي لم يوفق فيها لأسباب يطول شرحها رغم مكانته المميزة.. أبوه كان عضوًا في مجلس الشعب.. وله صولجانه، وساند مواقف الرئيس السادات في أوقات بعينها.. وله موقعه المتفق عليه بين المسيحيين والمسلمين.. وقد أخذ سليمان عن أبيه كثيرًآ مما كان له بين الناس.. وأخوه بدوره عضو بارز في المجلس المحلي.
بني سليمان عددًا هائلاً من المحلات في المراغة.. التي صارت في حوزة المحافظة ووزعتها علي من يحتاجون إلي فرص عمل.. وبيته مقصد عرفي لأغلبية أهالي البلد.. حتي بعد أن نجح في الانتخابات الأخيرة - بعد الإعادة- مرشحًا تابعًا لجماعة الإخوان التي ليس لها جذور أو مكانة في المنطقة. خسر سليمان الانتخابات بسبب تنازع بينه وبين مرشح الوطني.. وخاض الإعادة.. لكن هناك من قال له إنه سوف يتسبب في فتنة طائفية لو واصل المعركة.. فمضت أيام الاستعداد للإعادة.. بينما كان ينتظر معاني محددة لم تصله.. وبينما كان بينه وبين المحافظ السابق للإقليم تواصل وحوار.. لم يسفر عن شيء.
استطلاعات الرأي.. أو لنقل. الرأي العام المرصود.. شفويا تقف إلي جانب هذه الشخصية المختلفة.. التي تطبق معاني وقيم المواطنة بطريقة تضفي عليه قبولاً بين الجميع.. وقد وجدت فيه نموذجًا لما يمكن أن نشجعه ونؤكد دوره.. خصوصًا أنه من النوع الراغب في المشاركة.. بل الساعي إليها المتفاعل مع بلده.. والذي يمكن أن يصل إلي مقعد مجلس الشعب عن طريق الانتخاب وليس عن طريق التعيين.. وهناك فرق جوهري بين الطريقتين.. ولكن هل يترك وحده.. أم يجد التعضيد السياسي الواجب؟
نحن في حاجة إلي أسماء من هذا الطراز.. وإذا كنا نلحظ أن الحزب صاحب الأغلبية يتجه بقوة نحو تحفيز الأقباط إلي أن يندمجوا في تنظيماته.. خصوصًا بين الشباب.. كما لاحظنا عامًا وراء عام في النماذج التي تقدم نفسها للرئيس خلال ختام مؤتمر الحزب.. حيث في المرة الأخيرة كان هناك ثلاثة.. واحدة من قنا والثانية من العمرانية والثالث من بولاق أبوالعلا.. إذا كانت الحال كذلك فإن نماذج بنت نفسها ولديها رصيد عائلي واجتماعي مثل اللواء سليمان صبحي في المراغة لا بد أن تحصد نتيجة التشجيع.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]