الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«آدم وحواء» فى مزاد للمرة الأولى

«آدم وحواء» فى مزاد للمرة الأولى
«آدم وحواء» فى مزاد للمرة الأولى





كتبت – ابتهال مخلوف

 

طوال السنوات الأخيرة لا يمر عام إلا وتطلق لنا دنيا المزادات من جعبتها مفاجأة فنية جديدة للفنان الرائد محمود سعيد (1897- 1964) رائد النهضة الحديثة فى الفن التشكيلى فى مصر إلى جانب عبد الهادى الجزار والأخوين سيف وأدهم وانلى وغيرهم.
وخلال شهر أبريل الجارى تعرض دار «سوثبى» للمزادات فى العاصمة البريطانية لندن، لوحة «آدم وحواء» لمحمود سعيد للبيع فى مزادها السنوى لفنون القرن العشرين فى الشرق الأوسط الذى يقام يوم 24 من أبريل.


ومما لا شك فيه أن اللوحة الزيتية، التى رسمها الفنان عام 1937، سوف تعد أهم لوحات المزاد وتقدر قيمتها المبدئية بنحو نصف مليون جنيه استرلينى خاصة أنها لم تظهر للعلن منذ 25 عامًا وتعرض لأول مرة للبيع.
تكمن أهمية اللوحة، التى تعد أيقونة فنية، من عوامل عدة أبرزها أنها من إبداع محمود سعيد، فى عام 1931.
شبهت الشاعرة الرسامة السيريالية «مارى كافاديا» فى المجلة الناطقة بالفرنسية «الأسبوع المصرى» محمود سعيد بكل من الرسام الأسبانى «جويا» والفرنسيين «آدجار ديجا» و»تولوز لوتريك» لأنه استطاع من تقديم صورة لمصر عبر سعيه المستمر وراء «الضوء السحرى» المستمد من الوعى المصرى.
وأضافت أن فن محمود سعيد يتمتع بمقدرة منقطعة النظير على إضفاء طابع رومانسى أشبه بالحلم على الشخصيات المصرية البسيطة أو من الطبقة الأرستقراطية التى رسمها، وأكدت أن الغرب ينظر لمحمود سعيد كمؤسس للفن المصرى الحديث خلال النهضة الفكرية بالبلاد، فهو حلقة وصل بين التاريخ الأوروبى للفن والروح المصرية الحديثة.
ووصفت دار «سوثبى» لوحة «آدم وحواء» بأكثر لوحات سعيد تميزًا، لا تقل أهمية عن لوحات الأخرى مثل «بنات بحرى» و»ذات الجدائل الذهبية»، وفيها يصور «سعيد» شخصيتين مقدستين هما سيدنا آدم عليه السلام والسيدة حواء، فى مشهد رومانسى داخل واحة غناء بالصحراء تحيط بهما أشجار النخيل المثمرة ومياه النيل تجرى ومن ورائها كثبان رملية، أى المناظر الطبيعية المصرية المألوفة.
حواء كرمز للبراءة
وتبرز اللوحة جمال جسم الإنسان وقوته مع إضفاء القدسية على العلاقات بين الرجل والمرأة وقدم السيدة «حواء» فى صورة تتناقض مع صورتها الشهيرة لدى الرسامين الغربيين كامرأة أغوت سيدنا آدم وأخرجته من الجنة، إذ عمد إلى منحها لمحة من البراءة والطهارة والأمومة من خلال أهدابها المسبلة والحمامة البيضاء جوارها.
كان سعيد من أوائل الفنانين المصريين الذين برعوا فى إبراز روعة جسد الأنثى، حيث جعل كثيرا من الشخصيات النسائية المصرية سواء فلاحة أو من بنات بحرى أو قاهرية أو من بنات الطبقة الأرستقراطية بطلات للوحاته.
نخيل وحمامة بيضاء ونهر النيل
وبعكس لوحة الفنان الفرنسى «بول سيزان» الشهيرة «الاختطاف» التى تبرز القوة الذكورية المهيمنة لهرقل، يصور محمود سعيد فى عمله «آدم» فى صورة الداعم المتناغم مع حواء ويكملان بعضهما البعض، عبر تناقض لون بشرة آدم الداكنة الخشنة مع بشرة حواء الناعمة المضيئة.
استعان «محمود سعيد» فى الرسم بمجموعة من الرموز التى وزعها فى سطح اللوحة ببراعة موحية مثل الحمامة البيضاء كرمز للبراءة والسلام والأشكال الثعبانية الملتفة على جذوع النخيل كرمز للإغواء ومشهد الواحة المصرية الخصبة على ضفاف نهر النيل بجنات عدن.
وترمز اللوحة للخصوبة وتجدد الحياة عبر إحاطة آدم لرفيقته الأبدية بيديه وهو ما تردد فى البلح الاحمر الناضج الذى يتدلى من النخيل فى خلفية المشهد المفعم بالسكينة والهدوء والمجرى المائى المتعرج من نهر النيل، وهى «موتيفات» تكررت عادة فى أعمال محمود سعيد.
صراع النور والضياء
وتعد لوحة «آدم وحواء» ترجمة حية على سعى الفنان الدائم على إبراز الضوء الكامن فى عناصر لوحاته وهو ما يميز أسلوب محمود سعيد الفنى الفريد، وهو ما عبر عنه فى رسالة بعثها عام 1927 لصديقه الفنان «بيير بيبى – مارتين» حيث قال: «ما أبحث عنه هو الضياء وليس النور وما ابتغيه هو الضوء الداخلى وليس السطحى»، واللوحة واحدة من ثلاثية شهيرة للفنان تتناول موضوعات دينية مقدسة وهى لوحة الخروج (1941) والعائلة (1936) وهذه الثلاثية تجسد العلاقة بين الرجل والمرأة وتعكس استلهام الفنان لموضوعات الأيقونات الدينية التقليدية التى رسمها فنانى عصر النهضة الأوروبية مثل «مايكل أنجلو»، ورغم ذلك تظهر فى اللوحات «بصمة» الفنان الواضحة ونجاحه المذهل فى «تمصيرها» بمشاهد الريف المصرى وملامح المصريين المعروفة.
رسم الفنان اللوحة عام 1937، وفى نفس العام أبدع بعض أعماله الأكثر أهمية، مثل لوحته الضخمة «المدينة»، التى عُرضت بالجناح المصرى فى معرض عام 1937 فى باريس، وتعرض حاليًا فى قاعة متحف الفن المصرى الحديث.
وتعكس أيضًا، قمة نضوج «سعيد» الفنى وتعكس انصهاره المذهل بين التقاليد الفنية الكلاسيكية بداية من الفنون البدائية الإيطالية والفلمنكية وفنون عصر النهضة، والمدرسة الانطباعية والفن الحديث، إلى جانب الفن المصرى الفرعونى القديم.