لون التقدم
عبد الله كمال
من شرم الشيخ:
بعض الخطابات يمر أمامك عادياً.. وبعضها يستوقفك أكثر من مرة... وفي شرم الشيخ بالأمس انتبهت إلي أكثر من عبارة وردت علي لسان الرؤساء.. وبعض العبارات يكون من العمق والدلالة بحيث يصنع تاريخ أمم.. أو أنه يعبر عن تاريخ صنعته الأمم بالفعل.
مثلاً في خطاب الرئيس مبارك في منتدي (الصين ـ أفريقيا) قال عبارة نسف بها كل ما كان الاستعمار يرسخه لقرون.. الاستعمار كان يقول: إن للتقدم لوناً واحداً.. هو الأبيض.. ومن ثم فإن الأسود خارج الحضارة.. والأصفر لا يمكن له أن يدخلها.
مبارك قال: (لقد أثبتت تجربة الصين أن التقدم ليس حكراً علي دول أو جنس أو لون.. بل هو متاح لكل البشر).. ومن عجب أن اللونين اللذين تم استبعادهما من تراث نظريات المستعمر الأبيض كانا يجلسان بالأمس في قاعة مصرية.. في ضيافة بشر من عرق مختلف.. يسعيان إلي أن يرسخا تحالف الأصفر والأسود.. بدعم المصري.. في مواجهة تحديات متنوعة.
وفي القاعة سمعت بالأمس ثلاثة توصيفات للتنمية.. التي يلاحقها الجميع.. ويحلم بأن يحققها.. مرة تسمع مصطلح: التنمية المستدامة.. وثانية تسمع مصطلح: التنمية الشاملة.. ومرة ثالثة تجد من يقول: التنمية المتناسقة.
إذا شئت الدقة فإن خبراء التنمية وأصحاب النظريات فيها رددوا علي أسماع الناس أولاً كلمة (التنمية) باعتبارها حلماً بشرياً مقبولاً للانتقال من التخلف والتدهور الاجتماعي إلي مستويات مقبولة لحياة البشر.. ثم ظهر تعبير (التنمية الشاملة) أي تلك التي لا تقتصر علي جانب دون آخر من جوانب الحياة.. تنمية اقتصادية تؤدي إلي نتائج في التعليم والصحة والمأكل والمشرب.. وغير ذلك.
وابتدعت الأمم المتحدة تعبير ومفهوم (التنمية المستدامة).. أي أنه إذا كانت التنمية الشاملة تحتوي كل جوانب الحياة.. فإنها لابد أن تبقي ولا تنقطع وتمتد زمنياً بلا توقف.. لأن توقفها يعني النكوص والتراجع.. ولكي تستديم لابد لها من منظومة.. ولكي تستمر لابد أن تكون شاملة.
كلمة (شاملة) في حد ذاتها تتجاوز معني مجالات التنمية.. أي يمكن أن تستخدمها للتعبير عن الشمولية الجغرافية.. أي أن التنمية في كل أنحاء البلد.. لكن الصيني أو للدقة الحزب الشيوعي الصيني ابتدع تعبير (التنمية المتناسقة).. أي في خطوط مجالية وجغرافية متوازية.. وبدون أن تصطدم مستوياتها أو تعطل أي منها الأخري.
وبالأمس استخدم رئيس مصر التعبيرين الأول والثاني (الشاملة والمستدامة).. واستخدم رئيس وزراء الصين الاثنين وأضاف الثالث (المتناسقة).. عارضاً علي الأفارقة أن تكون نمطًا للتنمية في بلادهم وبالتعاون مع الصين.. وأوضح بالطبع أن الصين تركز علي (المتناسقة) لأنها تضم أقاليم، الواحد منها بحجم بضعة بلدان ولابد أن تحقق التوازن فيما بينها.
لكن ما استوقفني في كلمة رئيس وزراء الصين عن أنواع التنمية هو أنه أضاف وصفاً رابعًا.. هو (التنمية الذاتية).. وقد يجوز تطبيق هذا المعني في الصين فهو نموذج لنوع من الدفع الذاتي لعملية التنمية.. لكن الصين نفسها لها علاقات وثيقة مع العالم الخارجي.. كما أنها هي نفسها تحاول أن تمد يد العون إلي أفريقيا لكي تحقق التنمية.. ومن ثم لا يمكن لأفريقيا أن تدعي فيما بعد أنها حققت تنمية يجوز وصفها بأنها ذاتية.
أيا ما كان نوعها في نهاية الأمر (تنمية).. تقصد أن ينتقل الناس حضاريا.. وأن تتطور حياتهم.. وأن تتغير مساراتهم.. بغض النظر عن ألوانهم.. سواء كانت صفراء تنحت في الصخر وتملك إرادة التقدم.. أو بشراً أسود قيل إنه لا يمكن لهم أبدًا أن يحققوا أي تطور.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]