الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سام بردويل: إعادة النظر فى تاريخ الفن.. والخطأ أن يستمر تجاهل وتهميش المبدعين

سام بردويل: إعادة النظر فى تاريخ الفن.. والخطأ أن يستمر تجاهل وتهميش المبدعين
سام بردويل: إعادة النظر فى تاريخ الفن.. والخطأ أن يستمر تجاهل وتهميش المبدعين




حوار - سوزى شكرى

 

لعل من أهم انجازات معرض «جماعة الفن والحرية -السريالية فى مصر (1938 – 1948)» على المستوى المحلى والعالمى هو إعادة فتح الحوار والنقاش وخلق اشتباكات نقدية وتحليلية حول «السريالية المصرية» والبحث عن أسباب إقصاءهم توثيقيًا من قبل المؤرخين والنقاد، لذا طرحنا فى الجزء الثانى من حوارنا مع منظم المعرض الناقد سام بردويل العديد من الأسئلة حول هوية السريالية المصرية؟ وهل كان للسريالية المصرية امتداد أم أنها انتهت بنهاية الفترة التاريخية وتحديدًا نهاية 1948؟ وما الفرق والعلاقة بين أعمال فنانى «جماعة الفن والحرية» وبين فنانى «جماعة الفن المعاصر» وغيرها من التساؤلات فإلى نص الحوار.


■ قمت بإعداد وتنظيم برنامج بعنوان «إعادة توجيه الفن».. حدثنا عنه ؟
ــ أنا والصديق «تيل فلرات» أكاديميان مستقلان أسسنا معا برنامج بعنوان «إعادة توجيه الفن» art Reoriented، وهو برنامج متعدد الفروع والمحاور ويتضمن تنظيم المعارض الفنية ومقره ميونيخ ونيويورك، وقمنا بتنظيم عدة معارض بمتحف بروكسل ومتحف بوزان بلندن وميونيخ وبروكسل وغيرها، ومعارضنا يسبقها دراسات تعدها، ما نقدمه ليس مجرد معارض لعرض اللوحات بلا هدف، بل عروض ذات أهداف ومضمون ومحتوى ورؤية نقدية ومن زوايا حداثية، زوايا تعيد النظر فى الحركات الفنية ومركزها، ولأننا كعرب نعلم كم المغالطات فى توثيق تاريخ الفن التشكيلي، وأنه بالتأكيد يوجد فنانون تركوا إرثًا ثقافيًا وفنيًا ومعرفيًا ولم يحصدوا حقهم الأدبى، ومثلا جماعة «الفن والحرية» تعرضت لتشويه تاريخي، وهذا المعرض ليس إلا محاولة لرد الاعتبار لهؤلاء الفنانين الذى تم إقصاؤهم من مؤرخى ونقاد تاريخ الفن.

 

■ هل نستطيع الحسم بأن السريالية المصرية ليست فرنسية بل مصرية؟
ــ الفنان رمسيس يونان ليس من قناعاته أنه فنان سريالى مصرى ولا يتحدث عن تصنيف السريالية مصرية أم فرنسية أم إسبانية، لأنه ضد التصنيف الجغرافى، بل كان رمسيس يونان يرى أن السريالية لغة معاصرة لها أوجه مختلفة موجودة بسبب العلاقات والتواصل بين الفنانين فى دول مختلفة، أعضاء جماعة الفن والحرية مكونة من أعضاء مصريين وغير مصريين مسلمين ومسيحيين والفن لا يفرق بين جنسية الأعضاء، كما أن الشاعر جورج حنين ورمسيس يونان فؤاد كامل جميعهم اتفقوا على أنهم فنانون سرياليون بدون تصنيف دولة، وليس من أهدافهم فن قومى كأمثال أعمال الفنان محمود مختار وجورج صباغ، فهم قاموا بثورة ضد أمور الفساد، ثورة فنية اجتماعية، ثورة ضد الواقع المحلى، واستخدموا فى لوحاتهم صورًا بصرية تعكس مآسي تلك الفترة التاريخية، هى جماعة فنية مصرية وموضوعاتها مرتبطة بالواقع، وبحسب قناعاتى ومن خلال بحثى نجد أن السريالية المصرية حركة فنية مصرية مستقلة وغير مقلدة لسريالية الغرب.
■ ذكرت أنه تم إقصاء جماعة الفن والحرية.. صف لنا طبيعة الإقصاء، وهل هو متعمد؟
ــ مع الأسف تم إقصاؤها من الخارج ومن الداخل، مصر فى الثلاثينيات من القرن العشرين كانت تحت سيطرة الاستعمار البريطاني، نسأل أنفسنا من هم مؤرخو تاريخ الفن؟ بالتأكيد الذى كتب تاريخ الفن فى فترة العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات كانت الدول الأوروبية التى كانت قديمًا دولًا استعمارية، والاحتلال هو من وضع تصنيف الفصل بين الشرق والغرب تاريخ الفن كتب بعد الحرب العالمية الثانية، كل طاغ لا يريد تحرير الفكر ويرفض دعوات التغيير، أدوات الدولة الملكية كانت تحارب كل من يطالب بالحرية ومجرد انتقاد السلطة كان كافيًا للاعتقال، وارتباط بعض أعضاء السريالية المصرية بالفكر الشيوعى أدى بهم إلى الاضطهاد والنفى والاستبعاد.
لذ أحدثت ضربة قاضية على اليسار وسجن الفنانين والشعراء وأدباء ومبدعين، ولنقول المعنى بشكل آخر كيف لمحتل أو لمستعمر أن يعترف بإبداع شعب استعمره لسنوات، بالإضافة إلى أن لوحات جماعة الفن والحرية كانت تعبر عن قسوة الاستعمار، ومع ذلك نقول ربما تجاهلوا دور جماعة الفن والحرية عن عدم معرفة، أو استهتار واستبعاد أن تكون مصر صاحبة حركة فنية متفردة، وبحسب بحثى أن هناك تعمدًا من الدول الاستعمارية فى حينها لإخفاء إبداعات السريالية المصرية.

 

■ وهل تم اعتقال جماعة الفن والحرية أم هاجروا إلى الخارج؟
ــ تمت حملة اعتقالات شهيرة لشخصيات مهمة عرفت بحملة صدقى باشا 1946 كانت بمثابة نهاية اليسار، واعتقل رمسيس يونان وسلامة موسى ومحمد عبد القادر ومحمد مندور وغيرهم، بل وجهت لهم تهمة قلب نظام الحكم والإعداد لثورة شيوعية، وأمم نظام الرئيس عبد الناصر ممتلكات أسرة «جورج حنين» واضطر للهجرة وعاش بعدها فى فرنسا إلى أن رحل، وأنور كامل عمل كرئيس تحرير مجلة «التطور» إلى أن تم سجنه، ورمسيس يونان الذى اعتقل 1946، وبعد انتهاء فترة الاعتقال هاجروا إلى فرنسا.
■ وماذا عن إقصاء «جماعة الفن والحرية» من تاريخ الفن المصرى؟
ــ مثلما تم إقصاؤها بالخارج أيضا تم إقصاؤها من داخل مصر واعتبروهم جماعة فنية متأثرة بالغرب، ذكرت جماعة الفن والحرية السريالية فى مصر (1938-1948) فى إصدارات ثقافية بمصر منفصلة محدودة وبمجهودات نقاد كبار يدركون قيمة هذه الجماعة فى تغيير مسار حركة الفن، على سبيل المثال كتاب «السريالية فى مصر»– سمير غريب، غاية الإنسان العصرى – رمسيس يونان، العديد من الكتب والترجمات المهمة–بشير السباعى وغيرهم.
مع الأسف لم تذكر جماعة الفن والحرية فى كتب تاريخ الفن التى تدرس بالكليات الفنية والأكاديميات المصرية ولا حتى العالمية، مع أن مذكور أسماء الفنانين وأعمالهم السريالية، واكتفت كتب تاريخ الفن بسريالية سلفادر دالى، لذا أتمنى تعديل وضع جماعة الفن والحرية ضمن صفحات تاريخ الفن المصرى وتوثق، مصر عارمة بنقادها وكتابها ومؤرخيها الكبار وأن إعادة النظر فى تاريخ الفن المصرى ليس خطأ، بل الخطأ أن يستمر التجاهل وتهميش المبدعين.

 

■ هل لجماعة الفن والحرية امتداد يمكننا أن نطلق عليه «امتداد للسريالية المصرية» أو»ما بعد السريالية».
ــ ما بعد السريالية؟ ماذا بعد؟.. بالتأكيد ظهرت مذاهب فنية أخرى نشأت فى ظروف مغايرة تمامًا، من الناحية الأكاديمية السريالية المصرية ليس لها وجود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، السريالية حركة فنية انتهت بنهاية كل مؤثراتها السياسية والاجتماعية، «امتداد السريالية» عبارة ادعائية وتعميم وخطأ تأريخي، الحركات الفنية تنتهى بانتهاء الظروف التى نشأت فيها والتى لها خصوصية التفرد، انتهى التفرد والتميز، السريالية بكل ما يميزها من موضوعات متحررة فكريًا ومعالجات استمرت فقط عشر سنوات من 1938-1948، فكيف يمكن أن نقول إن لها امتدادًا وكل الأوضاع تغيرت.
■ أليست «جماعة الفن المعاصر» منبثقة من «جماعة الفن والحرية « وامتداد للسريالية المصرية؟
ـــ الفارق بينهما جوهرى من حيث هدف كل جماعة فنية، «جماعة الفن والحرية» قدموا أفكار ضد الهوية الجغرافية والوطنية والقومية لأن القومية تعد بالنسبة لهم تبعية للنظام وهو يطالبوا بتحرير الفن وتحرير الفكر وتحرير الإنسان، وجعلوا الفن لغة عالمية إنسانية وخارج إطار المكان المحدود وكسر قواعد التقاليد الفنية المتوارثة التى تمثل لهم البرجوازية.
«جماعة الفن المعاصر» توصف بأنها فن مصرى قومى يخدم الوطنية المصرية، تأسست فى النصف الثانى من الأربعينيات على يد الفنان حسين يوسف أمين ومعه عبد الهادى الجزار، سمير رافع، حامد ندا، ماهر رائف وغيرهم، هدفهم تكوين حركة فنية مصرية خالصة، استخدموا لغة بصرية مفردات فنية مستوحاة من رموز شعبية والتعويذات والأساطير ورموز فرعونية وإسلامية، لجعل الفن فى مصر «مصرى الهوية»، رغم أن أعضاء جماعة الفن المعاصر شاركوا مع جماعة الفن والحرية فى معارضهم إلا أن موقعهم تغير تمامًا بعد ثورة 23 يوليو 1952.

 

■ هل تتابع المزادات وهل تعنيك حركة بيعها؟
ــ ليس لى علاقة نهائيًا بالمزادات، عملى تاريخ فن وأبحاث نقدية ومعارض، ولا أعرف أسعار اللوحات، كل ما يهمنى القيمة التاريخية والفنية الجمالية والتراثية وأهمية اللوحة تأتى من فترة إنتاجها والمناخ الذى انتجت فيه والفنان ومؤثراته.
أما قاعات المزادات فتضع سعرًا للوحة بحسب رؤيتها التسويقية، وللتسويق معايير تجارية، لذا عيب علينا أن تكتب المزادات لنا تاريخ الفن وتبلغنا بأهمية الفنانين وأعمالهم، وهذا نظراَ لغياب معارض متحفية، فأصبح العالم يتابع المزادات ليعرف الفنان المهم.
■ هل تم بيع لوحات للسريالية من المجموعات الخاصة أثناء فترة العرض بالمتاحف؟
ــ نعم تم اقتناء لوحات بمتحف كونستساملونج نوردهاين – دورسلدورف k21-ألمانيا اقتنى ثلاث لوحات لفؤاد كامل وحسن التلمسانى والفنان «مايو» اللوحات من مقتنيات مجموعات خاصة، الاقتناء المتحفى أهم من اقتناء الأفراد، اقتناء الأفراد ربما يتم تداولها ونفقدها لسبب أو آخر، المتحف الألمانى من المتاحف المهمة ويقتنى لأول مرة لوحات للسريالية المصرية، المتحف يملك أهم مجموعة لفنانى السريالية العالمية، وكل المتاحف التى عرضنا فيها السريالية أضافت إلى أجندتها أنه فى حالة الاستعداد لعروض سريالية فى العالم لا يتم بدون وجود السريالية المصرية.

 

■ علمنا أن كتابك «السريالية المصرية» حصل على أفضل كتاب لعام 2017، فما الجهة المانحة لك؟
ــ كتابى عن السريالية المصرية هو إصدار آخر منفصل عن كتالوج العرض، كتالوج المصاحب للعرض بعنوان «الفن والحرية: الانشقاق والحرب والسريالية فى مصر (1038 – 1948) تحت إشرافى أنا وصديقى «تيل فلرات».
أما كتابى الحاصل على جائزة فهو عن السريالية المصرية إلا أنه تابع لدار نشر بعنوان «السريالية فى مصر : الحداثة والفن والحرية» حصل على جائزة الكتاب الأكاديمى المميز لعام 2017 من جمعية دراسات الحداثة (MSA)، ورشح كتابى من قبل أساتذة ونقاد عالميين ومن بروفسورات جاء الترشيح من جهة متخصصة تختار من الإصدارات الجديدة، وتقيمها وتصدر بيانًا تفصيليًا عن أهمية الكتاب فى حالة اختياره، وكانت منافسة قوية، وتم اختيارى أولًا من بين خمسين مؤلف للكتب الفنية، ثم واحد من بين خمسة مؤلفين كبار، ثم أفضل كتاب، أنا فقط اجتهدت بقدر استطاعتى لتحقيق هدفى، باعتبار معرض السريالية بداية لتحقيق جزء من أهدافى.