الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بركان «أبو بكر مزهر» ينفجر فى وجه «الآثار»

بركان «أبو بكر مزهر» ينفجر فى وجه «الآثار»
بركان «أبو بكر مزهر» ينفجر فى وجه «الآثار»




تحقيق - علاء الدين ظاهر

لم يكن أحد يتوقع من مسئولى الآثار الإسلامية فى مصر أن تتحول عملية نقل منبر مسجد، رغم أهميته فإنه لا يعرفه أحد إلا المتخصص،بمثابة بركان انفجر فى وجوههم جميعًا،فطوال 7 أيام ماضية وتحديدًا منذ الأربعاء الماضى حيث كانت الآثار تحتفل بيوم التراث العالمى، ولا حديث للناس إلا عما وصفوه بمهزلة فك ونقل منبر مسجد أبو بكر مزهر فى الجمالية،خاصة طريقة فكه ونقله على سيارات نصف نقل وكأنه «بيعزل» كما سخر البعض من ذلك.
ومثل النار فى الهشيم، أصبحت واقعة أبو بكر مزهر شائعة عارية من الصحة «كما وصفتها وزارة الآثار فى بيان رسمى» انتشر بقوة عزم الوزارة نقل 55 منبرًا أثريًا من المساجد.

إلا أن الأمر لم يكن شائعة كما قالت الوزارة، بل حقيقة بدأت بأبو بكر مزهر وكانت فى طريقها للاستكمال طبقا لجدول زمنى محدد وضعته وزارة الآثار، بناءً على مقترح مقدم من قطاع الآثار الإسلامية والقبطية لتوثيق وتسجيل المقتنيات الأثرية بالمساجد ونقل مجموعة منها حفاظًا عليها من السرقة.
وتضمن الجدول أسفل بند نوع القطع منبر والعدد 55 وتسجيلها حتى نهاية أغسطس 2018،فيما جاء متحف الحضارة أسفل بند مكان النقل المقترح وتاريخ النقل حتى نهاية ديسمبر 2018،أى أنها ليست شائعة والنية كانت معقودة لنقل المنابر ضمن قطع أخرى إلى مخازن متحف الحضارة أسوة بمشكاوات الرفاعى،لعرضها به أو المتاحف الأخرى، وهذا شريطة موافقة اللجنة الدائمة على ذلك.
ولأن الأمر حقيقة وليس شائعة،قررنا البحث خلف ما تم إعلانه فى القصة كلها وبيانات الوزارة عنها،حتى توصلنا إلى معلومات من مصادرنا التى نثق بها،هذه المعلومات كشفت لنا أشياءً كثيرة عن نقل المنبر، وواقعة سرقة حشوات نحاسية من باب المسجد وذلك قبل نقل المنبر بحوالى أسبوع، وما وصلنا إليه من معلومات جاءت مخالفة لما أعلنته وزارة الآثار من أن عملية التسجيل الأثرى للمنابر والمقتنيات الأثرية بالمساجد بسجلات قيد الآثار يعتبر إجراءً يتم لأول مرة فى تاريخ الآثار الإسلامية والقبطية، وذلك فى سبيل الحفاظ عليها ومنع العبث بها أو سرقتها،إلا أن معلوماتنا كشفت أنها ليست المرة الأولى بل الثانية،حيث كانت المرة الأولى عام 2009، وحينها كانت النية مبيتة بقرار نقل المنابر الأثرية من المساجد وحينها تشكلت لجنة لتسجيلها وتوثيقها.
عام 2009 شهد سرقة حشوات من جانب منبر مسجد الطنبغا الماردانى، والأدهى أنه فى نفس العام تمت سرقة منبر كامل من مسجد قانيباى الرماح بمنطقة القلعة،وحينها تقرر تشكيل لجنة لتسجيل وتوثيق المقتنيات والآثار المنقولة بالمساجد الأثرية ومنها المنابر وعملت فى ذلك لفترة بالفعل، وذلك تمهيدا لنقلها طبقا لمصادرنا إلى القاعات السبع أسفل مسجد محمد على بالقلعة.

القاعات السبع

حيث كانت النية حينها عمل متحف فى القاعات السبع للمنابر الأثرية بعد نقلها من المساجد،إلا أن الفكرة حينها لم تجد أجواءً ملائمة لتنفيذها،خاصة أن لجنة من الآثار عاينت القاعات ووجدت أنها لا تصلح تمامًا لأن تكون متحفًا للمنابر الأثرية ولا مؤهلة لهذا ولا للزيارة، بداية من الباب المؤدى إليها وكان ضيقًا وصغيرًا ولا يصلح لدخول المنابر ومكوناتها،كما أن المكان كان يشبه المخزن وبه طبقات مهدمة وتملأه الأتربة حيث إنه مغلق لسنوات طويلة،أى أنه لا يصلح لا أثريًا ولا معماريًا.
وطبقا لمصادرنا فإن الموضوع أُثير مرة أخرى بعد ثورة يناير،حيث إن وزارة الداخلية طلبت فى ذلك الوقت من الآثار خطة لتأمين الآثار الإسلامية، وتعددت حينها المقترحات المقدمة ومنها تركيب بوابات حديدية على أبواب وشبابيك المساجد، كما اقترح البعض حينها عمل حواجز من الزجاج المختلط بالبلاستيك ويسمى زجاج فيبر حول منابر المساجد بمسافة متر ونصف المتر،بحيث تسمح برؤيتها وفى نفس الوقت لا تتيح لأحد الاقتراب منها،خاصة أن السرقات عادة ما كانت تتم للحشوات،بوقوف اللص مستندًا بظهره على المنبر وفى يده مفك أو آلة حادة،وبها يفك الحشوات ويخرج بها من المسجد،إلا أن هذا المقترح لم يلق قبولًا حينها ورفضته اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية.

تاريخ السرقات

وإذا ما كانت حجة نقل المنابر الآن بغرض حمايتها من السرقة،فلماذا لم يتم التفكير فيها منذ سنوات خاصة منذ أن بدأت سرقات المساجد الأثرية فى الانتشار بداية من 2001 وهو ما جاء فى الحصر الذى قامت به الإدارة المركزية للآثار الإسلامية والقبطية بالقاهرة والجيزة للقطع الأثرية المسروقة والمفقودة فى الفترة من 2001وحتى 2017،حيث إنه عبر 16 عاما حدثت 64 واقعة سرقة لمنشآت أثرية عدة منها المساجد.
وكانت أكثر العناصر الأثرية تعرضا للسرقة منابر المساجد تليها الأبواب الخشبية، ومنها مسجد المؤيد شيخ الذى سرقت حشوات من منبره فى 2006، وهو نفس المسجد الذى سرقت حشوات من منبره مرة أخرى بتاريخ 9-3-2011، وضبط سارقيها فى 2014 واستعادتها الوزارة وقامت بتركيبها فى المنبر مرة أخرى فى 2017،كما سرق حشوتان من منبر مسجد جانى بك الأشرفى فى 2014 وتمت استعادتها فى نفس العام، ومفصلة منبر مسجد أحمد بن طولون سرقت فى 2014 وتمت استعادتها فى نفس العام.
وبالعودة إلى منبر أبو بكر مزهر فقد كشفت مصادرنا أن عملية نقله وسرقة أجزاء من زخارف باب المسجد، وراءهما كواليس كثيرة تثير الريبة، خاصة أنه تم إخطار منطقة الجمالية التابعة لآثار شمال القاهرة بقرار الفك والنقل فى 18 أبريل الحالي،وتم التنفيذ وفك المنبر إلى 23 قطعة ونقله إلى مخازن آثار المتحف الإسلامى بالقلعة فى نفس يوم الإخطار، وهو ما يؤكد نية الإسراع فى النقل بشكل يثير الريبة.
خاصة أن منبر أبو بكر مزهر كان ضمن حوالي 30 منبر يشملها مشروع «إنقاذ منابر المماليك» والذى كانت ستنفذه المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث خلال عام كامل،بإجراء أبحاث على منابر مساجد القاهرة وإنشاء قاعدة بيانات لها،على أن يتم اختيار 4 منابر منها ذات الحالة الأخطر وعمل ترميم لها،والمشروع بتعاون مشترك للمؤسسة مع وزارة الآثار ممثلة فى إدارة القاهرة التاريخية،وتموله منحة من صندوق الحماية الثقافية التابع للحكومة البريطانية،وكانت المؤسسة طبقا لخطة العمل ستبدأ فى مسجد أبو بكر مزهر يوم الأربعاء 11 أبريل الحالى،لكن سرقة زخارف باب المسجد قبلها بيوم واحد وتحديدًا الثلاثاء 10 أبريل حالت دون ذلك.

سيناريو النقل

المصادر قالت إن حدوث السرقة قبل يوم واحد من عمل مؤسسة التراث مثير للريبة، وقد يكون مقصودا منه تعطيل المشروع، رغم أن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية وافقت للمؤسسة المصرية لإنقاذ التراث على المشروع، والتى كانت ستنفذه بحرفية شديدة بواسطة خبراء فيها، وذلك بعمل توثيق علمى دقيق لكل حشوة بالمنبر وأى جزء مهما كان صغيرٍا، كما أن المؤسسة أعلنت تطوعها لتوثيق كل التحف المنقولة فى مسجد أبو بكر مزهر وليس المنبر فقط، لكنه قبل يوم واحد من بدء العمل لوحظت سيارة نصف نقل توقفت أمام باب المسجد وغادرها شخص ما، واختفى ما بين السيارة وباب المسجد، ثم عاد بعد فترة وغادر بالسيارة ليتم اكتشاف سرقة جزء من الزخارف النحاسية للباب.
المفاجآت لم تنته عند هذا الحد،حيث إن الاستعجال فى فك ونقل المنبر قد يبدو متعمدًا، بدليل كما قالت مصادرنا عدم وجود مكان أو مخزن مؤهل ومناسب لتخزين المنبر، كذلك عدم وجود سيناريو أو خطة منظمة لنقل المنبر بعد فكه بواسطة عدد من العاملين بإدارة الحرف التراثية التابعة لقطاع الآثار الإسلامية، خاصة أن متحف الحضارة الذى كان مقررا نقل المنبر له أعلن أنه سيكون مهيئًا لاستقباله مطلع يونيو المقبل ورغم ذلك لم يتم الانتظار، كما أنه عقب فك المنبر وتحميله على سيارات نصف نقل، توجهت السيارات إلى مخازن المتحف الإسلامى فى قلعة صلاح الدين، وقد وافق مسئول المخزن على إدخال كل أجزاء المنبر ما عدا الريشتين الجانبتين نظرًا لكبر حجمهما وأصر على موقفه ورفض إدخالهما، وأمام ذلك توجهت السيارة إلى متحف المركبات الملكية وتم وضع الريشتين فى مخزنه.

حكاية القاضى

وقبل رد مسئولى الوزارة، يجب أن نذكر أن منبر مسجد أبو بكر مزهر أهم منبر مملوكى موجود على حالته الكاملة بالقاهرة،ومصنوع من الخشب الماهوجنى المطعم بالعاج والعظم، كما يتميز بوجود رنك «ختم أو علامة»القاضى عليه، وهى المهنة التى كان عليها صاحبه،والأهمية التاريخية للمنبر نابعة من أهمية المسجد نفسه وصاحبه، والتى وردت فى كتاب»دراسات فى العمارة الاسلامية:مجموعة ابن مزهر المعمارية بالقاهرة» للدكتور عاصم محمد رزق، والصادر عام 1995 عن مشروع المائة كتاب الذى كان يصدره المجلس الأعلى للآثار،وصاحب المسجد هو القاضى زين الدين أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر المعروف بابن مزهر، (884 - 885 هـ، 1479 - 1480م)، ويتوسطه صحن مستطيل مساحته (10 ×8.25) وارتفاعه 9.5 متر، ويغطيه سقف خشبى تتوسطه فتحة مثمنة الشكل «شخشيخة».
وجاء فى الكتاب أن المجموعة المعمارية للقاضى أبى بكر بن مزهر بالجمالية تشتمل على مدرسة وخانقاة وسبيل وكتاب وقاعة وربع ودوار، وتعتبر مثالا متكاملا فى العمارة الإسلامية، كما أن المجموعة ليست لسلطان أو أمير، بل لشخصية رجل دين لعب دورًا بارزًا ومهمًا خلال حكم السلطان قايتباى، وهذا القاضى له منشآت وعمائر فى بيت المقدس ومكة والمدينة، مما يدل على مكانته الرفيعة فى عصره، كما أنه فى حشوتين بأعلى مصراعى باب المنبر  الواقع فى الإيوان الشرقى تفريعات نباتية نصها»أنا منبر بحديقة.. فى روض مجد مزهر»،وفى الإيوان الغربى باب عليه كتابات تؤكد أن المسجد تم تجديده فى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى.

حق الرد

الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الاعلى للآثار قال إن اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية والقبطية قررت فى بداية ٢٠١٧ تسجيل وتوثيق الآثار المنقولة بالآثار الإسلامية المهددة بالسرقة، وقد نقلت خلال الأيام الماضية منبر واحد فقط هو منبر مسجد أبو بكر مزهر،تمهيدا لعرضه بمتحف الحضارة بالفسطاط المقرر افتتاحه آخر ٢٠١٨، وذلك للحفاظ عليه بعد تعرض أجزاء من الحشوات النحاسية لباب المسجد للسرقة.
أما د. محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية قال إنه لم يتم نقل إلا منبر أبو بكر مٌزهر، وذلك لأهميته حيث إنه من المنابر المملوكية كاملة العناصر الزخرفية بجميع مكوناته،فيما قال محمد عبدالعزيز المشرف على القاهرة التاريخية إن المسجد بحالة معمارية سيئة ومغلق منذ أكثر من ٥ سنوات ولا تقام به شعائر دينية، وجاء قرار نقله خوفا عليه من التلف أو السرقة لسوء حالته وتفاديا لتأثير الرطوبة والحرارة السلبى على أخشاب المنبر، وفريق من الوزارة قام بعمل التوثيق اللازم قبل وبعد فك المنبر.
وأكد د.مصطفى أمين مساعد وزير الآثار للشئون الفنية أن مشروع التوثيق والتسجيل الحالى يهدف إلى تسجيل وتوثيق كل المنابر الأثرية لأول مرة، وليس معناه أن جميع المنابر أو حتى معظمها سيتم نقلها، وأن القاعدة هى بقاء المنبر فى مكانه الأصلى مع التنسيق مع وزارة الأوقاف لزيادة إجراءات التأمين.