الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تـراث مصـر ضائع بين وزارة.. وجهاز.. ومحافظة

تـراث مصـر ضائع بين وزارة.. وجهاز.. ومحافظة
تـراث مصـر ضائع بين وزارة.. وجهاز.. ومحافظة





تحقيق / علاء الدين ظاهر


 

إذا كانت مصر تبذل قصارى جهدها لحماية تراثها، فإننا لا يجب أن ننسى مخاطر عدة تحاصر تراثنا، وهنا أقصد الكلمة عامة أى التراث المسجل كآثار أو غير مسجل، وهذه المخاطر عديدة وتحدثنا عنها كثيرا، لكن طفا على السطح مؤخرا خطر ربما ظاهريا يبدو معقدا لكنه يحمل نتائج سلبية توجب إعادة النظر فيه.
هذا الخطر يتمثل فى تعدد جهات الإشراف على التراث، فهناك وزارة الآثار وهى مسئولة عن الآثار المسجلة رسميا، وجهاز التنسيق الحضارى وهو مسئول عن المبانى التراثية التى ليست مسجلة كآثار، وهذه المبانى هناك جزء منها موضوع ضمن قائمة المبانى التراثية فى كل محافظة وتتبع المحافظة، ناهيك عن الأزمة الأزلية بين الآثار والأوقاف والمتمثلة فى تبادل الاتهامات بينهما بالمسئولية فى حال وقوع سرقة لأحد المساجد الأثرية، كما حدث مؤخراً مع مسجد أبو بكر مزهر بالجمالية، حيث إنها ملك للأوقاف لكنها تتبع فنيا وأثريا وزارة الآثار.


وعندما يحدث هدم أو بيع لمبنى أثرى أو تراثى تتبادل الجهات المختلفة تصبح المسئولية عنه تهمة تلقيها كل جهة على الأخر، وهذا يؤدى لضياع تراث لا يمكن تعويضه، وقد طفت تلك المعضلة مرة أخرى على السطح بعد ظهور إعلان على OLX يتضمن بيع فيلا أثرية، مما أثار اتهامات ضد وزارة الآثار وتساؤلات عن دورها فى منع ذلك من الحدوث، خاصة أن الإعلان جاء فيه نصا «فرصة لن تتكرر فيلا اثرية بالدقى للبيع معها رخصة هدم,العقار انشئ سنة 1933 لمحبى اقتناء المبانى الاثرية»، فما كان من الآثار إلا التوضيح بأنها غير مسجلة آثار، حيث قال د.محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية إن قصر هندواى والمعروف بقصر الحكمة غير مسجل فى عداد الآثار، ولا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 ولا تعديلاته فى عام 2010.
إذا هذا المبنى يتبع جهاز التنسيق الحضارى أو المحافظة، إلا أن الجهاز لم تصدر عنه أى بيانات أو توضيحات للرد، وهو نفس ما حدث محافظة الجيزة، والتى لم تقر أو تنفى تبعية المبنى للجنة تسجيل المبانى التاريخية بها، وهو ما طرح تساؤلات عن القصر إذا كان مسجلا تراث حضارى فهو يخضع لقانون 144 لسنة 2006، خاصة أن النص التأسيسى له جاء فيه دار الحكمة لابن هنداوي المؤرخ بسنة ١٩٣٢، وهو قصر الدكتور الهنداوى الذى كان طبيبا شهيرا جدا فى عصر الملك فؤاد.
واقعة قصر هنداوى ليست الأولي، فهناك القصة الشهيرة لقصر الأميرة انجى هانم بالمعادي، والذى زور أحد الأشخاص عقود بيعه إلا أنه تم القبض عليه بعد بلاغ للنائب العام، وهناك العديد من الفيللات التراثية فى مصر الجديدة معرضة للهدم رغم أنها رائعة الجمال، وإحداها تقع أمام مدارس سان جوزيف، وهناك فيللا سرايا فى شارع سنان بالزيتون لأحد البرنسات مصممة ومبنية على الطراز العثمانى، وقصر الجواهرجى فى جسر السويس أمام سنترال مصر الجديدة، وقد كانت به نقوش وزخارف اسلامية جميلة وبنى على مساحة شاسعة، وتم طمس النقوش لمحو مواصفاته كتراث معمارى مميز.
وهناك فيلا شيكوريل فى اسكندرية والكوشك السويسرى فى مصر الجديدة، وقصر الفريد شماس فى مصر الجديدة وكان يخص الملك فاروق، وقصر فى مصر الجديدة كان يخص أحد الباشوات، ومنزل الشاعر أحمد رامي، وقصر سراج الدين فى جاردن سيتي، كذك من أبرز الأمثلة الصارخة على ذلك قصرمسرح الخديو توفيق بحلوان، والذى قامت لجنة من وزارة الآثار عام 2016 بزيارته وفحصه لبحث ما إذا كان يستحق التسجيل ضمن الآثار أم لا.

 

حيث يرجع تاريخه الى الفترة من 1892 :1900م ومدرج ضمن المبانى ذات الطراز المتميز لمحافظة القاهرة، ولم يتم تسجيل القصر حيث فقد الكثير من خواصه وملامحه المعمارية، نتيجة إغلاق كل منافذه بالطوب الأحمر من قبل حى حلوان، وحينها اضطر أعضاء لجنة وزارة الآثار إلى تسلق واجهة القصر والدخول إلى البلكونة ومنها للمبني، والقصر حاليا أشبه بخرابة بكل ما تعنيه الكلمة من معني، حيث إن سقفه مفقود أجزاء كبيرة منه، كما أن جدران وارضيات القصر وشبابيكه تم طمسها.
وبحثا عن حل لإنقاذ هذا التراث سواء كان مسجلا كآثار أم لا، سألنا الباحثة والمهندسة المعمارية د.أمنية عبد البر، فقالت إن المادة 50 من الدستور مكتوبة «أصلا عشان المبانى اللى زى كده!»، وتنص على «تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولى الدولة اهتماما خاصا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر».
من جانبه قال سامح الزهار الباحث الأثرى إن تعدد الجهات المسئولة عن المبانى التاريخية يفرق دم التراث المادى بين القبائل، مشيرا إلى أن خبر إعلان بيع فيلا هنداوى التاريخية ذات الطابع المعمارى الهندسى والفنى الفريد، وقد ذكر المعلن أن الفيلا معها رخصة هدم، وهى ليست المرة الأولى، فتراث مصر المعمارى بصفة عامة والقاهرة بصفة خاصة يتم هدمه واندثاره يوماً بعد يوم.

 

وتابع : الأمر الذى أصبح اعتيادياً هو خروج المسئولين من الجهات الرسمية المختلفة المعنية بالتراث بنفى تبعيته لهم، وإلقاء المسئولية على الجهات الأخرى وكأن الجهات تتبارى فى إلقاء كرة النار فى حرم نظيراتها، وهنا نذكر أن التراث المعمارى فى مصر متفرق دمه بين الجهات المختلفة، منها وزارات الآثار والثقافة والأوقاف، بالإضافة الى المحليات والأجهزة التى تتبعها، بالإضافة الى المبانى التاريخية التى تقطنها وزارات أخرى وتستغلها كمقرات لموظفيها.
وأضاف : المسئولية هنا وطنية، ويجب على الحكومة أن تتدخل على الفور وتلتزم بنص الدستور فى حماية الممتلكات الثقافية والأثرية، وأن يتم تسليم جميع المباني التاريخية الى وزارة الآثار على الفور وتسجيلها فى عداد الآثار، وذلك حتى نستطيع تحديد المسئولية ودرء الخطورة التى تحيط بتراثنا المادى يوماً بعد يوم، ويجب على الفور أن يقوم البرلمان بسن تشريعات من شأنها صون الممتلكات الثقافية المصرية.

 

هذا وقال الدكتور ناصر الكلاوى الباحث فى الآثار الاسلامية أنه ورد فى المادة 2 من قانون حماية الآثار تعريف محدد للآثر بأنه كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والآداب والأديان، منذ عصور ما قبل التاريخ، وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام، متى وجد على أرض مصر، وكانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية، باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارة المختلفة التى أنتجت أو قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها، وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها».
وتابع : والتراث يعنى ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وفنون ونحوها من جيل إلى جيل، وعلى أرض الواقع تتوزع تبعية الآثار المصرية على عدة وزارات وهيئات، هى الثقافة والآثار والزراعة والأوقاف والأزهر الشريف ومكتبة الإسكندرية، والغريب حقاً أن تجد لكل وزارة أو هيئة مصرية تمتلك آثاراً لها القانون الخاص بها، والهيكل الإدارى الذى يختلف عن الجهات الأخرى وهو قمة التناقض واللامعقول، حيث أن المنطق والصالح العام يقضى أن يتم إخضاع هذه القطاعات المختلفة التى توجد بها آثار وتراث لكيان واحد، وذلك حرصاً على الصالح العام لمصر.

 

واستطرد: الحكومة ومجلس الشعب مطالبان بتغيير قانون حماية الآثار الحالى، وأن يتم تغير المسمى ليكون قانون حماية الآثار والتراث، وأن يتم تصنيف الآثار والتراث المصرى المادى والغير مادى إلى أربع فئات، على أن يسبق ذلك تأهيل جميع القطاعات المختلفة بالوزارة، وذلك قبل الدمج فى وزارة واحدة تحت اسم وزارة التراث والآثار المصرية.
وأضاف: لابد من ضم التراث المصرى المادى وغير المادى فى وزارة واحدة، وأن تكون هناك فترة انتقالية مدتها 3 سنوات لإعداد قانون جديد للتراث يضم انواع التراث، وخلال الثلاث سنوات يتم تأهيل الموظفين بقطاعات التراث المختلفة للعمل تحت مظلة القانون الجديد المقترح، كذلك يتم اعداد كادر مالى جديد تماما للعاملين بقطاعات التراث بالوزارة المقترحة.