الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العسال: نعانى من الثقافة السطحية التى خلقتها «السوشيال ميديا» والاستشراق اعتمد كثيرًا على روايات غير محققة

العسال: نعانى من الثقافة السطحية التى خلقتها «السوشيال ميديا» والاستشراق اعتمد كثيرًا على روايات غير محققة
العسال: نعانى من الثقافة السطحية التى خلقتها «السوشيال ميديا» والاستشراق اعتمد كثيرًا على روايات غير محققة




حوار - علاء الدين ظاهر


كشف الدكتور إبراهيم العسال الباحث فى التاريخ الإسلامى بجامعة قرطبة فى إسبانيا وعضو الفريق العلمى للتراث الثقافى بالأندلس وأستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أن الدول التى ليس لها تاريخ تخلق لها تاريخًا حتى تتباهى به.. كما كشف فى حواره لـ «روزاليوسف» الكثير من المغالطات التاريخية والتى تعرض لها فى حواره فإلى نصه.

■ ظهرت بعض الدعوات مؤخرًا تشكك فى أهمية مصر فى التاريخ الإسلامى وتقلل منها.. فبم ترد؟
ــ هذا التشكيك يحمل نوايا سيئة تجاه أحد أهم البلدان الإسلامية فى التاريخ، كيف لبلد تم ذكره فى القران 4 على وجه صريح وخمس وعشرين على وجه غير مباشر أن يكون غير مهم، كيف لبلد أم إسماعيل هاجر والتى قدس الله أفعالها إلى يوم الدين فى شعائر الحج، وبلد أخوال العرب، وبلد أصهار النبى (صلى الله عليه وسلم) من زوجته المصرية مارية أن تكون غير مهمة، كيف لبلد حط بأراضيها أنبياء الله إدريس وإبراهيم ويعقوب ويوسف وعيسى واشعيا ودانيال وولد بها موسى أن تكون غير مهم، كيف لبلد تجلى فيها الله سبحانه وتعالى دون غيرها أن تكون غير مهم..كيف لبلد الليث بن سعد وابن الشاطر وابن يونس الفلكى وابن الهيثم والسيوطى وابن حجر والمقريزى أن تكون بلدًا غير مهم.
■ وما مشاكل التاريخ الإسلامى من وجهة نظركم؟
سؤال يحتاج الى مؤلفات لتجيب عليه، لكن المشكلة الأبرز هى ترديد العامة وغير المتخصصين لحكايات خاطئة ومغلوطة أن أوان تصحيحها، نعانى فى هذا الزمان من ما يسمى بالثقافة السطحية والتى خلقتها السوشيال ميديا جعلت الناس تردد ما تقرأه دون فحص من كتبه وهذه قمة الخطورة، أما المشاكل الحقيقية لتاريخنا الإسلامى فعديدة ومنها عدم التفريق بين السرد والتحقيق وعدم الاهتمام بالتحليل والاعتماد على المصادر الغير المعتدلة والتى غلب عليها الهوى وغاب عنها الحياد مثل المصادر الشيعية وهم بكل أسف من كتبوا التاريخ أولًا.
■  كيف ذلك؟
نعم...فلو نظرت إلى أول المحاولات الجادة لكتابة التاريخ الاسلامى ستجدها على يد الطبرى فى القرن الثالث أى انك تتحدث عن إنسان يكتب أحداث حدثت قبل أن يولد بمائتى عام..وعندما أراد أن ينقلها نقل كل ما سمعه تاركًا لغيره التحقيق ومعرفة الصحيح من هذه الروايات والخاطئ، وللأسف هذا المنهج الذى اعتمد عليه المستشرقون فى النيل من التاريخ الإسلامى وتشويهه، كأحداث الفتنة فقد نقل الطبرى أكثر من تسعين رواية شيعية عن موقعة صفين وحدها ونقل 14 رواية سنية فقط عن نفس الموقعة رغم انه ينتمى للمذهب السني، إلا انه نقل كل ما سمع حتى يحقق من بعده، وللأسف تلاعب من بعده بما نقل وشوهوا التاريخ بضلالات لا أصل لها .
■ نفهم من ذلك ان المستشرقين كانوا سببا فى هذا التشويه؟
بكل تأكيد والاستشراق ظلم التاريخ الاسلامى كثيرًا لاعتماده على روايات غير محققة ونقلها بمفاهيم عصرية بعيدًا عن ظروف الزمان والمكان، كما أن الغرب عندما يكتب تاريخ الشرق بعقلية غربية يغيب عنه الإنصاف دائمًا، لأنه يكتب بفهمه هو لا بفهم صناع هذه الأحداث اللذين حركتهم دوافع دينية لن يفهمها الغربيون، وللأسف الشديد يتأثر بالكتابات الغربية الكثير من المؤرخين المصريين وينقلون عنهم دون تحقيق أو تمحيص.
■ وهل هناك كتب ساهمت فى تشويه التاريخ الإسلامي؟ وما السبب فى ذلك؟
بكل تأكيد هناك المثير ومنها كتاب الإمامة والسياسة وهو منسوب عن طريق الخطأ لابن قتيبة فهو لم يكتبه، كذلك كتاب الأغانى لأبو فرج الاصفهانى الذى صور بغداد كأنها مدينة المجون والخلاعة رغم أنها كان مصدر ثقافى إشعاعى حضارى تتغنى به أوروبا فى القرن الثامن الميلادي، وكتاب نهج البلاغة وتاريخ اليعقوبى وهو كتاب شيعى الهوى شيطن الأمويين رغم أنهم دخلوا إلى قلب أوروبا وبهم توحدت الدولة الإسلامية ووصلت إلى أقصى اتساع لها حتى زمان العثمانيين.
■ اذكر لنا أمثلة فيما يخص تشويه التاريخ الإسلامى بمصر؟
الأمثلة كثيرة بل لا حصر لها، بادئ ذى بدء عمرو بن العاص وصل تشويه تاريخه الى التشكيك فى إسلامه وهو ناتج من كتابات المؤرخ الألمانى فلهوزن الذى اعتمد على المصادر الشيعية وهى بطبيعة الحال تكره كل ما هو أموى ومنهم عمرو بن العاص، فتجد فلهوزن هذا يصف أبا مخنف لوط بن يحيى الأخبارى وهو أحد أبرز مؤرخى الشيعة بأنه الحجة الكبرى، ملقيا بكل إدانات علماء الجرح والتعديل عرض الحائط، مما جعل فلهوزن نفسه يقع فى سب كبار الصحابة ومنهم عمرو وتبعه فى ذلك الكثير، وهى نفس الأخطاء التى وقع فيها المؤرخ الشهير كارل بروكلمان، كذلك ما حدث ويحدث لصلاح الدين الأيوبى الذى بات التشكيك فى بطولاته وانجازاته أمر عادى فى منصات الإعلام وبين الشباب، والظاهر بيبرس الذى يتجاهله كثير من المؤرخين رغم أن انجازاته تفوق انجازات قطز عشرات المرات لكن للأسف حادثة مقتله لقطز يقف عندها الكثير ضاربين بكل ما قدم عرض الحائط.
■ انتشرت فى الفترة الأخيرة الكثير من المغالطات التاريخية ...ما هى الأكثر إزعاجًا من وجهة نظرك؟
فى الحقيقة كثيرة للغاية وكما قلت لك تناول الشباب لها على صفحات السوشيال ميديا زاد من انتشارها بشكل غريب، لكن يبقى ما يزعجنى كثيرًا هو الوقوف هل دخول العرب الى مصر او العثمانيين فتحا ام غزوا وهى لعبة استشراقية قديمة لا فائدة منها لأنها تفترض أن كلمة غزو تُدين من يقوم به والرسول صلى الله وعليه وسلم استخدم مصطلح الغزو نفسه كثيرًا فى أحاديثه والعلماء الأوائل كانوا يحبون لفظ المغازى وهو لفظ عربى لا حرج فيه ويتوافق مع التاريخ الإسلامى ولم اسمع بهذا الجدل أبدًا فى الغرب نفسه فلم يحدث أن وقف الأسبان أما التواجد العربى فى الأندلس عند هل كان فتحًا أم غزوا بل يدرسون هذه الحقبة يتعلمون منها ويستفيدون مما خلفته لهم من آثار وتراث حقيقي.
قس على ذلك الكثير من المغالطات فعلى سبيل المثال لا الحصر فلم يقم عمر بن الخطاب بوأد ابنته ولم يول عثمان أقرباءه ولم يفتح عمرو بن العاص مصر دون استئذان عمر ولم يرتد معاوية بن أبى سفيان ولم يمت عمر بن عبد العزيز مسموما ولم يشرب هارون الرشيد الخمر ولم يكن عيسى العوام مسيحيًا ولم يسرق صلاح الدين أموال الفاطميين ولم يخنه والى عكا ولم يكن قراقوش ظالما ولا الحاكم بأمر الله مجنونًا ولم يكن السلطان سليمان متفرغا لحريمه وغيرها الكثير والكثير، فضلا عن تعمد إغفال المحاسن والتركيز والتسويق على المساوئ بشكل فج وهذا تحريف للتاريخ فننسى كل ما قدمه الحجاج للقران وللغة العربية ونتذكر دمويته وننسى فضل بنى أمية العظيم فى الفتوحات الإسلامية ونتذكر ما فُعل بالحسين فى كربلاء، القاعدة الإنسانية تقول بأن كل منا يؤخذ منه ويُرد، وكل له وعليه، والإنصاف فى التاريخ أصبح دربًا من دروب الخيال.
■  وهل كان للمؤرخين دور فى كل هذه المغالطات؟
نعم.. كان للمؤرخين دور وأيضا من ينقل عنهم ومن يروج وينقل بلا وعى أو تحقيق، الحضارة الإسلامية الحضارة الوحيدة فى الدنيا الذى نشأ بها علم الجرح والتعديل وهو العلم الذى يختص بمعرفة الرجال ويحقق فى السند ويبحث فى شخصية ناقل التاريخ ورغم ذلك لا يعانى أى من تواريخ الدنيا بقدر ما يعانى تاريخنا الإسلامي، مناهج المؤرخين الأوائل للأسف لم تكن تعتمد على التمحيص قبل نقل الأخبار فكانت تنقل دون تحقيق كما ذكرت لك، كما أنها لم تهتم بالتاريخ الاجتماعى واهتمت بالتاريخ العسكرى والسياسي، لكن الهوى والأهواء تحكمت كثيرًا فى الصراع السنى الشيعى واثر ذلك على الروايات التى وصلت إلينا بكل تأكيد.
■ وماذا ترى المقريزى بين كل هؤلاء؟
المقريزى هو عمدة المؤرخين المصريين بلا جدال ويحزننى ان كثير من المصريين لا يعرفون انه مصرى المولد والوفاة، وأعطى التاريخ الكثير ويكفيه من كل مؤلفاته العظيمة مؤلفيه الأبرز الخطط والسلوك، إلا أننى على سبيل المثال لا اعتد برواياته عن الحقبة الفاطمية مثلا لأنه كان إمام جامع الحاكم بأمر الله بان فترة حكم السلطان المملوكى فرج بن برقوق، أى كان ينقل رواياته نقلا عن زوار الجامع الحاكمى ومريديه فتأثر بهم وجامل الفاطميين كثيرًا.
■  وبطبيعة عملك البحثى فى جامعة قرطبة فى إسبانيا كيف يتعامل الغرب مع التاريخ الإسلامى هناك؟
ما أستطيع تأكيده أن منصات العلم وقاعات البحث العلمى وأروقة الجامعات تنصف الحضارة الإسلامية كثيرا وتضع الأمور فى نصابها، لكن خارج أسوار الجامعة الأمر مختلف فتجد من يتأثر بالإعلام الاوروبى الذى يحمل فى بعض الأحيان نظرات متشددة وهى أمور تدخل فيها السياسة، وهناك اخرون يقدرون ما يقوله رجال العلم ويؤمنون به.
فيكفى إن أقول لك ان الحكومة الاسبانية أرادت تغيير اسم جامع قرطبة إلى كاتدرائية قرطبة فقامت الدنيا ولم تقعد وانتهى الأمر إلى تسميته بالجامع الكاتدرائية، وتماثيل العلماء العرب فى كل مكان فى شوارع اسبانيا، وقاعات كثيرة فى الجامعات هناك تحمل أسماء حكام عرب ومسلمين حكموا الأندلس وصنعوا تاريخ إسبانيا فى ثمانى قرون.
■ هذا يعنى أن هناك فى الغرب من ينصف الحضارة الإسلامية؟
بكل تأكيد بل من المستشرقين أنفسهم، فلم تَخلُ أوروبا من مؤرخين نقلوا بإنصاف ما للمسلمين من فضل فى الحضارة الإنسانية على الحضارة الأوروبية؛ فألفوا كتبا ودراسات منصفة تشيد بفضل المسلمين الذى لا يمكن إنكاره. فقد نذكر منهم «جورج سارتون» و كتابه (مقدمة فى تاريخ العلم) وفيه نقل تأثير الحضارة الإسلامية على أوروبا ووصف الفارابى بأعظم الفلاسفة، والمسعودى بأعظم الجغرافيين، والطبرى بأعظم المؤرخين، كذلك آدم متز فى كتابه (الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى) وغيره الكثير.
■ وما الحلول التى يمكن تقديمها لتصحيح التاريخ؟
التاريخ يحتاج إلى إعادة كتابة من جديد بعد تحقيق الروايات وطرد الخبيث منها دون هوى أو أهواء، فليس من اجل السنة والجماعة اشوه تاريخ الشيعة وليس لانى شيعى اشوه تاريخ الدول السنية هذا مرفوض بالقطع، نقل التاريخ بموضوعية وإنصاف أمر كان صعبا فى الماضى نظرا لتعدد الانتماءات والأهواء لكن الآن أساليب العلم الحديثة تعرف التجرد ويمكن بموضوعية تنقيحه لكن هو مشروع دولة وأدعو الدولة المصرية إلى البدء الفورى فى إعادة كتابة تاريخ مصر عن طريق لجان علمية متخصصة وباحثين غير محسوبين على تيارات أو عقائد حتى لا تضيع منا الأجيال القادمة فى معركة الوعى الزائف التى نعيشها، لكن الأمر يحتاج إلى ميزانية كبيرة وتكاتف حكومي.
■  مبادرة رائعة لكنها تبدو طويلة الأجل فما هى الحلول السريعة؟
التعليم ثم التعليم  حتى مالا نهاية والطرق السريعة الى ذلك كثيرة منها تطعيم المناهج الدراسية لكل الأعمار بحصة تاريخية اكبر والاهتمام بالمحتوى المقدم إليهم وإعطاء دورات للمعلمين، وعمل دورات تعليمية تنويرية للعاملين فى الدولة فى كل القطاعات بنوك وشركات وهيئات حكومية وغير حكومية من اجل تصحيح المفاهيم المغلوطة، وعمل زيارات مجانية لكل هذه القطاعات للآثار والأماكن التاريخية لعرض هذه الحقائق عن طريق باحثين معتبرين والجامعات المصرية غنية بأبنائها. والأمر الهام هو عندما يخرج على شاشات التلفزيون من يتحدث فى التاريخ لابد من أن يرد عليه أساتذة متخصصون فى نفس المنصة الإعلامية، وليس منطقيًا أن يتحدث من يتحدث ويسمعه ملايين عبر الشاشات ثم يطلب من الباحثين الرد فيردوا فى مدونات لا يراها عشرات.