السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المستشار أشرف العشماوى فى حوار ثقافى لـ«روزاليوسف» (1): القاضى زاد الروائى بداخلى خبرة.. والروائى زاده إنسانية

المستشار أشرف العشماوى فى حوار ثقافى لـ«روزاليوسف» (1): القاضى زاد الروائى بداخلى خبرة.. والروائى زاده إنسانية
المستشار أشرف العشماوى فى حوار ثقافى لـ«روزاليوسف» (1): القاضى زاد الروائى بداخلى خبرة.. والروائى زاده إنسانية




حوار- مروة مظلوم

لا يختزل الكاتب العبقرى روايته فى نص سردى، وإنما ينقلك بخيالك إلى موقع الحدث، يدخل بك فى متاهات الأحداث، تفاصيل الأبطال خلفياتهم التاريخية والنفسية، ماضيهم وحاضرهم، يرضى شغفك بنهايات مفتوحة أحيانا تضع فيها نهاية لكل منهم لن يسرد عليك كل شىء، ولن يحرم الطفل الفضولى بداخلك من لذة الاكتشاف وإنما يترك لك مساحة فراغ تملؤها أنت بتحليلك ولن تخل كلماته من إسقاط على بعض قضايا مجتمعه فاتحًا بذلك المجال أمامك لتفك شفرات المعنى الخفى كما يحلو لك، موهبته وحدها لا تكفى ليكون هو الأكثر مبيعًا، ولكنه الشغف الذى قاده للكتابة وقادك لقراءة ما يكتب، فما من فعل نرتكبه إلا ووراءه منفعة أو هدف إلا الكتابة، الشغف وحده جعل القاضى روائياً.. المستشار أشرف العشماوى يفتح صفحات قضيته مع الكتابة ويطلعنا عليها فى حوار خاص لـ«روزاليوسف».
■ حدثنا عن بدايتك الأدبية؟
- بدأت الكتابة منذ عشرين عاماً تقريبا، منذ عام 1998 وكأى كاتب كانت البداية قصصا قصيرة بدون نشر ثم كتبت رواية «زمن الضباع» بعدها بثلاث سنوات أعقبتها رواية «تويا» ثم توقفت لفترة لأن قرائى كانوا من أصدقائى ودائرتى المغلقة لأنى تخوفت من النشر فكنت أعمل وقتها فى النيابة ومازلت أعمل قاضيًا بمحكمة الاستئناف فأثرت الانتظار لبعض الوقت إذ لم تكن لدى فرصة لعرض ما أكتبه على متخصص، فكتبت رواية ثالثة وحاولت النشر ثم تعثر المشروع حتى عام 2010 كان للأستاذ أنيس منصور الدفعة الأولى إذ قرأ لى مسودة واتصل بى هاتفياً وطلب منى ترك الوظيفة والتفرغ للكتابة، فهناك آلاف القضاة من يعملون فى المهنة لكنى فى رأيه روائى جيد، وكنت أعمل وقتها قاضياً فى محكمة بنى سويف، عرضت أعمالى على أكثر من ناشر واستقررت فى العمل مع الدار المصرية اللبنانية حيث كان أول نشر ومستمر حتى الآن.
■ سبق لتوفيق الحكيم ومحمد صفاء عامر وأحمد صبرى أبوالفتوح العمل فى سلك القضاء وتأثرت رواياتهم بنوعية القضايا التى مرت عليهم.. كيف أثر القاضى على الروائى ونوعية الموضوعات التى تناولتها رواياتك؟
- أثر علىّ من زاويتين أولا الخبرة التى حصلت عليها من عملى بالنيابة العامة 19 عاماً متصلة حتى صرت قاضياً رأيت خلالها الجانب المظلم من المجتمع ولحظات الضعف الإنسانى، أى شخص يقع فى موضع اتهام حتى لو مذنب يكون ضعيفاً هشاً كسر ما بداخله لأنه يرى نهاية حياته ومشواره حتى ولو لم يفصح عما اقترفه من جرم، لكنه يعلم حجم جرمه ونتيجته، النهاية بالنسبة لى مختلفة وفقاً لزاوية رؤيتى لتحقيق العدالة وتطبيق القانون، الأمر الذى جعلنى ككاتب أرى النفس البشرية من زاوية مختلفة ساعدتنى على الكتابة بما منحته لى من خبرة متراكمة كانت أحد أدواتى فى الكتابة، على جانب آخر الأدب أثر على القاضى، إذ اختلفت نظرتى للمتهمين وأصبحت أكثر رأفة ورحمة وإنسانية، وأعترف أن الأدب هذب إنسانية القاضى.

 

■ هل كانت نوعية الموضوعات التى تناولتها فى رواياتك من وحى قضايا واقعية؟
- استخدمت إحدى قضايا تهريب الآثار فى رواية «المرشد» مع بعض التغييرات لهيكل القصة الأصلية كمواصفات البطل وظروفه الاجتماعية وبعض الشخصيات تمت إضافتها للرواية، لكن القصة الأصلية مستلهمة من وحى قضية حقيقية تناولت رحلة الصعود لأحد أباطرة تهريب الآثار فى مصر كانت مثيرة وموحية لى، لكن فيما عدا ذلك أنا لم أستخدم قضايا ولم أكتب فى أدب الجريمة وتجنبته، على الرغم من أن أحمد خالد توفيق عندما التقيته فى طنطا قال لى: «أنت عندك منجم وماستخدمتهوش، أنا مش عارف لو واقف على المنجم بتاعك ده كان زمانى كتبت 300 قصة من أدب الجريمة..أنت ليه سايب منجم زى ده ولا أنت مأجله لمرحلة بعد كده» وكان ردى أننى لا أريد أن أسلك هذا الطريق من البداية، أحمد خالد توفيق عبقرى فى أدب المغامرات وما وراء الطبيعة ورجل متفرد فى هذا المجال، لكن أنا لا أجيده.

 

■ الكتابة السينمائية للرواية نوع من الأدب يفضله القراء ويهاجمه النقاد.. هل توافق على ذلك؟
- أنا أكتب كتابة مشهدية، والكتابة المشهدية هى لون من ألوان الأدب، ظهر فى أوروبا منذ 40 عاما ولم يجد وقتها قبولا من النقاد والقائمين على الحركة الأدبية والروائيين القدامى، لأنهم يرون أن الأدب يعبر بالكلمة لا المشهد بحيث يمكن للقارئ قراءة الرواية دون تخيل للأشخاص الأماكن التفاصيل، على الرغم من أن ذلك أمتع فى القراءة لذلك بعد عشر سنوات من ظهورها بدأ النقاد بالاعتراف بها واختلف حكمهم ورؤيتهم لها بأنها أجمل ألوان الأدب لأن القارئ أقبل عليها، الشعر يقوم على اللغة يمكن سماعها، المشهدية فى أعلى حالتها فى الجزء الثانى من تطويره لكتاباته فى بداية ونهاية وزقاق المدق.
■ لماذا لم تفكر فى تحويل أعمالك للسينما وكتابة السيناريو لها؟
- كتابة السيناريو عمل تجارى والقاضى لا يستطيع مباشرة عمل تجارى، القانون يعتبر كتابة الروايات والشعر وتأليف الموسيقى والتصوير أعمال إبداعية يجوز للقاضى عمل بها لكن كتابة السيناريو أمر يحتاج إلى سجل تجارى وبطاقة ضريبية وبالتالى فهو عمل تجارى.

 

■ لكنك لا تمانع من تحويل الرواية الأدبية إلى الدراما.. بعض الكتاب يرون فى ذلك تقليلًا من قيمة الأعمال الأدبية؟
- لا أمانع فى تحويلها على ألا أكتب السيناريو الخاص بها.
■ كان نجيب محفوظ يكتب سيناريوهات لأعمال غيره من الأدباء ولا يكتب السيناريو الخاص بأى رواية له ويتنصل من مسئوليته عن الفيلم؟
- ذكاء من نجيب محفوظ أن أمسك بنص روايته، فإذا خرج الفيلم فى صورة عمل سينمائى لم يلقى قبولًا من الجمهور فهو غير مسئول عنه، وإذا لقى قبولا فقد نسب الفضل لأهله، أما بالنسبة لى فهناك خمس روايات من أصل سبع روايات بيعت للسينما، وكيفية ظهورها على الشاشة ليست مسئوليتى، فأنا مسئول عن الرواية فقط، المخرج الكبير على بدرخان اشترى منى رواية المرشد وكتب سيناريو المسلسل 30 حلقة الكتابة جيدة، لكن لا أملك أن أملى عليه شيئاً بالحذف أو الإضافة، لأن هذه رؤيته كمخرج، يخرج العمل على النحو الذى يحلو له أنا لا أعرف حتى الممثلين، فأنا ككاتب رواية عندما أكتب لا أتخيل ممثلا لأننى لست كاتب سيناريو.
■ جميع الكتاب تواجههم صعوبة فى النشر الأول أنت مع أم ضد نشر الكاتب لأعماله على حسابه الخاص؟
- هو أمر متواجد فى العالم كله وفى دور نشر فى إنجلترا وأوروبا، يدفع الكاتب نصيبه فى طباعة الكتاب الأول له، فإذا حقق الكتاب نجاحا وقاعدة جماهيرية معقولة تتعاقد معه دار النشر وتدفع له مقابل نشر كتابه، أما فى مصر العملية مختلفة، حيث تمصير ما يحدث فى الخارج يأتى بالسلب، ففى الوسط الثقافى شخصيات لا علاقة لها بالثقافة تستغل لهفة الكاتب الشاب للنشر وتستنزفه مادياً، سمعت أرقاما تصل لـ 10000 جنيه يدفعها الكاتب ويطبع له 200 نسخة  100 للكاتب يوزعها على الصحفيين والباقى للمكتبات عبارة عن نسخة أو اثنتين لكل مكتبة، وعندما يسأل عن كتابه فى المكتبات يفاجئ بأن نسخته الوحيدة بالمكتبة نفدت، وتنفد الطبعة وتأتى الطبعة الثانية بتكاليف جديدة وهكذا.

 

■ هل الأكثر مبيعاً أو الـ best seller مقياس الجودة للمنتج الأدبى فى المكتبات؟
- مصطلح «الأكثر مبيعاً» مهم للكاتب دلالة على الإقبال، لكنه لا يعنى أن المنتج الأدبى «الكتاب» هو الأفضل، وهى كلمة غير سيئة السمعة، كما يروج لها بعض النقاد أنا ضد هذا لأن جارسيا ماركيز كان  الأكثر مبيعاً حيث باع 85 مليون نسخة فى حياته، والضجة التى صاحبت وفاته زادت نسبة المبيعات، وطبيعى أن ما أكتبه يصل للناس ومن غير الطبيعى أن أتفاخر بأنه من مؤلفاتى، ما يروجه بعض النقاد من سمعة سيئة أراه نوعا من الفشل المصاحب لهم يخرجوه إلى القراء، لكنها لا تعنى أن المنتج هو الأفضل فمذكرات الراقصات والممثلات أو أحد الساسة أيضا ستحقق نسبة مبيعات كثيرة، نستطيع القول إنه الأكثر جودة فى حالة الاستمرار، كلما طرح إصدار جديد كلما حقق مبيعات أكثر، إذا كان له مضمون ومنتج جيد وله رواج عند غالبية القراء وهو ما تحقق مع نجيب محفوظ وجارسيا ماركيز وباولو كويلو وميلان كونديرا، لا نستطيع القول بأنهم الأكثر مبيعاً لأنهم سيئون.

 

■ هناك من يستمتع بالرواية التاريخية ويراها هى التاريخ نفسه ولكن بقراءة مختلفة وآخرون يتعمدون الإساءة والتشويه فى العرض الروائى.. ما تعليقك؟
- رأيى لابد من التفرقة بين الكتابة التاريخية، وهو نوع من الكتابة الأشهر فيه كان جورج زيدان حيث يستعين بوقائع حقيقية ويسردها ويشبكها مع أحداث درامية غير متخيلة على شكل قصة دون التغيير فى التاريخ والأحداث وهى نظرة قاصرة، لكن فى الرواية التاريخية من حقى كروائى إعادة قراءة التاريخ فهو ليس حكراً على أحد، ولا يوجد شخص أو جهة تمتلك الحقيقة كاملة، جميعنا يستطيع القراءة وتكوين رؤية لنضعها فى القالب الذى نراه، أنا لى فلسفة فى كتابة الرواية التاريخية هو كتابتى لها بعيون المهمشين أو»رجل الشارع « حتى تتسع الرؤية بخلاف حديث الشخصية عن نفسها، مثلا لكتابة شخصية جمال عبدالناصر ستكون الرواية مجرد عرض لمعلومات من سيرته الذاتية، هنا تتحول الرواية لكتاب تاريخ مهما عززتها بالدراما، لكن عندما أروى القصة بلسان سائق جمال عبدالناصر أو شخصية مقربة جمعتهما مواقف معينة تكشف جوانب لا يعلمها أحد عنه، الشخصية الخيالية سترى النظام وتحاكمه وتحكم عليه، تلك هى فلسفتى فى كتابة الرواية التاريخية كما فعلت فى رواية «كلاب الراعى»، الشخصيات المتخيلة للفترة التى سبقت حكم محمد على بعامين وهى فترة منسية من التاريخ وعرضت أحداثها من خلال رؤية هؤلاء الأشخاص لطبيعة أحوال البلاد والعباد فى تلك الفترة نفس الشىء فى «تذكرة وحيدة للقاهرة» من خلال شخص نوبى يحضر إلى القاهرة ويتعرض إلى مصاعب كثيرة جداً، و«سيدة الزمالك» إعادة لقراءة التاريخ خلال سبعين عاماً مضت، انقلب خلالها الهرم الاجتماعى بنبرة محايدة دون تحيز لفكرة أو لنظام بعينه ملكى أو ناصرى أو ساداتى ولا ضد أو مع الثورة، إنما شخصيات الرواية هى التى تحدد مسارها.
■ عادة ما يلجأ الكاتب للتاريخ بغرض الإسقاط على ما يدور فى الواقع دون الدخول فى مساءلات.. لكن «البارمان» لم تحتج للتاريخ فى إسقاطها؟
- ليست البارمان وحدها فى روايات «زمن الضباع»،«وتويا»، و«المرشد» كنت بعيدا عن التاريخ فهى روايات اجتماعية واقعية، مرحلة ما بعد ثورة يناير كتبت «كلاب الراعى» و«تذكرة وحيدة إلى القاهرة» و»سيدة الزمالك» لها الجانب التاريخى، و«البارمان» تعتمد على فكرة النشوة الزائفة للخمور، الشخص السكير المتردد على الحانات يصاب بنشوة زائفة يشعر معها بأنه أفضل حالاً أشبه بمسكن بينما فى واقع الأمر حالته تزداد سوءاً يكتئب فتزداد جرعته من الخمر فيتحول إلى مدمن، مشكلته الحقيقية لا تحل ولو حلت تنشأ له مشكلة أخرى من إدمانه للمُسكرات، الأمر ذاته مع الوعود الكاذبة للسياسيين، فالسياسى يمنح جمهوره وعوداً كاذبة فيصدقه ويهتف باسمه نفس الهتاف مع كل سياسى جديد »بالروح بالدم» لا يتغير شىء سوى زجاجة الخمر، تلك كانت فكرة الرواية، كان يمكن أن تكتب فى شكل حكايات نميمة عن البارات وروادها فيما يصل إلى 500 أو 600 صفحة وتكون الأكثر مبيعاً أيضاً،  لكن أردت أن أصنع هذا الإسقاط حول تلك الفكرة تحديداً وخرجت فى 200 صفحة وحصلت على جائزة أفضل رواية عربية من الهيئة المصرية للكتاب عام 2014، وكان رئيس اللجنة آنذاك جمال الغيطانى وهو لا يحب كتاباتى ولا أعرفه شخصيًا، أذكر أنه بعد استلامى الجائزة من وزير الثقافة  قال لى: «الجايزة دى على رواية حلوة لكن مش معنى كده إن الرواية الجاية تكون كويسة»، لذلك القارئ هو أجمل ما فى منظومة الكتابة، كنت فى ندوة بمكتبة «الكتبجية» ففوجئت بحضور ضخم جداً رغم ضيق المكان، أحد الحضور كانت سيدة حامل تجاوزت شهرها التاسع تريد أن تطلق على ابنتها اسم بطلة الرواية وهى على وشك الوضع، هذا النوع من القراء بالنسبة لى بـ100 جائزة.. أنا أكتب لمثل هؤلاء، عامان من الكتابة فى غرفة مغلقة لاشىء أمام تقدير قارئ وشغفه بما أكتب.

 

■ سيدة الزمالك وانقلاب الهرم الاجتماعى فى مصر؟
- الهرم الاجتماعى فى مصر انقلب من الخمسينيات وانقلب للمرة الثانية فى السبعينيات بفعل الانفتاح الاقتصادى، لو نعود بالذاكرة إلى الأفلام فى تلك الفترة نجد السينما عالجت ذلك التحول المخيف فى أفلام كثيرة مثل فيلم «انتبهوا أيها السادة» إذ تحول الزبال إلى رجل أعمال وهو «الاسم الكودى» الذى أعقب الانفتاح لكل أصحاب رأس المال، كذلك تقييمنا للناس الآن  بأرصدتهم فى البنوك وظهر مصطلح «ابن ناس» كنية عن ثرائه، وهو أمر مغلوط فأولاد الناس هم «أولاد الأصول» وليس للأمر علاقة بالمال، وما تبع ذلك من تغيير فى معتقدات المصريين، فمثلا فى الماضى لم تكن فكرة البناء على الأراضى الزراعية واردة حتى الفلاحين كانوا يخشون البناء على أرضهم بالطوب، لكن بحصول الفلاح على نصيبه من الخمس فدادين باع ثلاثة مبانى واحتفظ باثنين للزراعة حتى ينفق على أبنائه، والحكومة لم تمنعه وإنما شجعته ومدت المرافق للمبانى المخالفة حتى يضمن المرشحين أصوات الناخبين فى الانتخابات، هذا هو التاريخ الذى لم ندرسه فى المدارس،أذكر أنه  حتى التحاقى بالجامعة لم أدرس أن محمد نجيب كان رئيساً لمصر فأول رئيس هو جمال عبد الناصر.
■ على ذكر الكتاب المدرسى ما رأيك فى شخصيات تاريخية يسعى البعض لحذفها بحجة أنها تروج للعنف والإرهاب؟
- من يكون هؤلاء الأشخاص؟!، بالنسبة للإعلاميين فهم نوعان، الأول لا يدعى العلم فأسلوبه وطريقته تنبئ أى عاقل بأنه جاهل فبالتالى كلامهم أشبه بـ»الهرتلة»، أما النوع الثانى وهو الأخطر الذى يمتلك ثقافة موسوعية ويدس السم فى العسل كما يقولون ولا يملك القدرة على مجادلته، إلا ذى علم وصاحب حجة، ونعود إلى نقطة البداية لو كان هناك تعليم جيد وثقافة جيدة لن يكون الأمر على ما هو عليه الآن لن يصبح من السهل خداع وتضليل الناس.. ولن يجد هؤلاء الإعلاميون سوقاً لبضاعتهم الفاسدة لأنهم يخاطبون جمهورا واعيا وليس مضللا.
فيما يخص كتاب التاريخ بالحذف والإضافة، فقد كان لى تجربة شخصية فى عام 2014 انتدبت خلالها مساعداً لوزير العدالة الانتقالية مدة ثمانية شهور، وكان من ضمن المهام تعديل مناهج التعليم واستمعت إلى تعديلات مسئولى وزارة التربية والتعليم فى كتاب التاريخ للمرحلة الابتدائية وكان ترتيب الأحداث كالتالى: أنه فى 25 يناير 2011 حدثت اضطرابات فى مصر أعقبها تنحى الحاكم وتولى المجلس العسكرى الحكم إلى أن قام الفريق عبدالفتاح السيسى فى 30 يونيو بثورة، فسألت من وضع هذا الترتيب فى المنهج هل هذا يعنى أن الفريق عبدالفتاح السيسى قام بالثورة على المجلس العسكري؟ فأجاب «لا طبعا على إخواننا البعدا» قلت له «وإخونا البعدا دول فين فى التاريخ؟!»..»قالى ونحط مرسى فى كتاب التاريخ»، «والطالب اللى عمره عشر سنين هيفهم إيه غير إن عبدالفتاح السيسى عمل ثورة على المجلس العسكرى، لماذا قام بثورة مادام المجلس العسكرى هو من يدير البلاد؟» لابد من وضع كلا النموذجين السيئ والجيد طبيعى نذكر «إخوانا البعدا» كسبب لقيام الثورة ضدهم، يجب أن تكون هناك منطقية الأحداث فى السرد لإقناع الطالب والقارئ بها، ونضع أفعال كل الشخصيات والحكم للقارئ.
■ بعيداً عن الإخوان وهم «بيت الداء».. كيف ترى تشويه شخصيات تاريخية بعينها من قبل شخصيات ذات ثقافة موسوعية؟
- لى وجهة نظر مختلفة بعيداً عن الدفاع عن الشخصيات، لا ننكر على يوسف زيدان ثقافته الموسوعية، لكن فى حالة إذا ما كان ينتقى بعض المواقف والأحداث لإدانة شخصية بعينها لابد من أن يتواجد بديل يرد، لماذا لا يرد د.عماد أبوغازى وهو أستاذ للتاريخ، الباحث التاريخى لا ينتقى مواقف أو أحداثًا لإثبات وجهة نظر، لكنه موضوعى محايد فى عرض جوانب الشخصية، لابد من صوت آخر له نفس الصوت والثقل والمصداقية يرد، فيؤكد أو ينفى بما أوتى من علم، من ناحية أخرى يجب على الصحافة الثقافية أن تفرد مجالا لكلا الصوتين وتعرض المراجع التاريخية.