الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. شوقى علام مفتى الجمهورية لـ«روزاليوسف»: الصوم درجات لا يصل لأعلاها إلا من تحلى بالأخلاق

د. شوقى علام مفتى الجمهورية  لـ«روزاليوسف»:  الصوم درجات لا يصل لأعلاها إلا من تحلى بالأخلاق
د. شوقى علام مفتى الجمهورية لـ«روزاليوسف»: الصوم درجات لا يصل لأعلاها إلا من تحلى بالأخلاق




حوار - صبحى مجاهد

أكد الدكتور شوقى علام  مفتى الجمهورية  ان الصوم درجات اعلاها ما كان  ينقى القلب ويبعد صاحبه عن المعاصى، وانه لابد ألا يتخذ الصوم والعبادة ذريعة للتكسل عن العمل، فلا يفرط المسلم فى طاعات السنن بالليل ثم يتكاسل عن العمل صباحا.
وشدد المفتى على ضرورة اتباع التدين الحقيقى لا المغوش باتباع نهج العلماء فى تطبيق تعاليم الدين الصحيحة، وعدم أخذ الفهم من جماعات التطرف والتشدد، حيث لابد من اخذ المنهج الشرعى الصحيح من العلماء، مؤكدا ان منهج الزهر لا يخرج متطرفين، وان منهجية هؤلاء المتطرفين مختلفة تمام عن منهجية الأزهر الشريف.

 ■ بداية هل هناك درجات للصوم؟
ـــ للصوم  درجات، منها صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص وهذا أعلاها منزلة، لايصل إليها إلا كل من سما بنفسه وروحه وطهر قلبه ونفسه من رذائل الأخلاق.
والصوم عبادة سرية لا يطَّلع عليها أحد غيرالله تعالى، ولا يستطيع أحد الاطلاع عليها؛ لذلك قسَّمه العلماءعلى مراتب، منها الظاهر: وهو الأكل والشرب وسائر الشهوات،وهذا صوم العوام. ومنها الباطن: وهو أعلاها، حيث يتعهد القلب وينقيه من أدرانه؛ لأن الإنسان كلما ارتقى عن المباحات وعن كلما حرم الله يرتقى شيئًا فشيئًا إلى صوم الخواص، وهو أعلى درجات الصوم وفيه تخلص النفس الإنسانية إلى أعلى درجاتها.
وفريضة الصوم جاءت مرتكزًا للعام كله، فيجب أن يستعد لها المسلم قبل أن يؤديها، والصحابة  رضوان الله عليهم كانوا يستعدون قبل دخول الشهرالفضيل ويدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان، وبعد أن ينقضى الشهر يدعون اللهَ تعالى أن يتقبل منهم.
■ وماذا عن التكاسل فى العمل فى شهر رمضان وعدم تحقيق التوازن بين العبادة والعمل؟
ـــ يجب علينا ترتيب أولوياتنا فى رمضان، فلا يجوز تقديم السنَّة على الواجب، ولايجوز أن نسرف فى السنَّة ونضيِّع الواجب، فعلى المسلم أن يوازن بين العبادة والعمل، فلا يسرف فى صلاة التراويح ليلًا وقراءة القرآن ثم يذهب إلى العمل صباحًا مجهدًاولا يؤدى عمله على الوجه الأكمل فيضيع بذلك مصالح الناس.
■ وما فضل شهر رمضان؟
ـــ لشهر رمضان خصوصية عن شهورالعام، فهو موسم للطاعة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعجل قدوم رمضان ويدعو الله بقوله: اللهم بلغنا رمضان لأجل استعجال الطاعة، ولم يحرص على استعجال الزمن حرصه على رمضان؛ لما للشهر الكريم من فضائل وخصوصية.
وشهر رمضان مرحلة إيمانية يجب أن يتزود المسلم فيها بالأخلاق التى تعينه على الصوم وتحقيق الغاية الكبرى من هذه العبادة المباركة.
ومن توفيق الله تعالى للعبد الاستمرارعلى الطاعة والتوفيق لها وأداؤها كما ينبغي، فشهررمضان يحدث التوازن لدى المسلم؛ لأن الصوم جاء لغذاء الروح حيث تنتفع به الروح كما ينتفع الجسد بالطعام، فبعد الرحلة الإيمانية التى مررنا بها فى رجب وشعبان نقبل على رمضان بدفعة إيمانية كبيرة.
■ وما النصائح  التى تود توجيهها مع بداية شهر رمضان؟
ــ على المسلم أن يذكِّر نفسه دائمًا بأنه صائم حتى لايضيع صيامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِ امْرُؤٌشَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ إِنِّى صَائِمٌ»؛ وذلك ليذكر نفسه بالصيام لأجل ألا يقع فى المعاصي، كما أن فى ذلك تذكرة للآخربأنه هو أيضًا صائم
■ وكيف يحقق المسلم التدين الحقيقي؟
ــ  التدين الحقيقى هو ما يكون فيه  المظهر  معبرا عن الجوهر،  وألا يكون هناك فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ونحن إنما ننطلق من الداخل، حيث لا يكون السلوك الخارجى إلا ترجمة حقيقية لما فى الداخل، وهذا أساس الإيمان الذى هو قول واعتقاد يصدقه العمل، ثم تأتى مرحلة الإحسان، وهى مرتبة خاصة تختبر فيها الرجال، حيث الرقيب هو الله وحده. والفصل بين الظاهر والباطن إنما هو من النفاق، وقد كان رسول الله يعرف المنافقين حوله، ولكنه كان يحكم بالظاهر وهو ما نعتد به فى المعاملة. وقد حسم المصطفى المسألة حسمًا تامًّا حين قال صلى الله عليه وسلم: « … ألا وِإنَّ فى الجسدِ مُضْغَةً؛ إِذا صلَحتْ صلَحَ الجسَدُ كلُّهُ، وِإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كلُّهُ، ألا وهْيَ الْقَلْبُ» (رواه البخاري).
هذا القلب الذى يحوى جملةً من المعانى الخفية، ليست ظاهرة أمام الناس، هى أساس المعاملة القائمة على الأخلاق، وقد ركز الإسلام على أهمية الأخلاق، وهى مرتبة الإحسان التى ذكرها المصطفى فى الحديث الأول، والإحسان من حيث استقراره فى القلب هو ما ينظم مسألة الأخلاق ويراقبها ليرقيها.
ولم يتم التركيز كثيرًا على الأعمال فى التشريع القرآنى كما ركز على الأخلاق؛ جانب التدين الحقيقي، التى تنعكس على العمل فى النهاية، وقد ظل طوال العهد المكى 13 عامًا لم ينزل فيها تشريعات تنظم المجتمع إلا بعض ما يرتبط بجانب الأخلاق.
أما المنظومة الإسلامية كلها فتركز على الجوهر وليس لها ارتباط كبير بالشكل، وكان الدكتور محمد عبد الله دراز، وهو ابن الشيخ عبد الله دراز محقق كتاب الموافقات للشاطبي، كان قد كتب رسالة بالفرنسية عن دستور الأخلاق فى القرآن الكريم، يقول فيها: إن منظومة الأخلاق فى القرآن منظومة متكاملة تمثل دستورًا، لو تمثله الإنسان لوصل إلى بر الأمان.
■ وهل هناك فرق بين الدين والتدين؟
ـــ الدين علم له قواعده وأصوله المأخوذة من القرآن والسنة وعليها عمل العلماء لترسيخ هذه القواعد وبيان حقيقتها، والتدين يثمر ثقافة حقيقية عملية، واتباع القواعد والأصول العلمية تصب فى صالح التدين الصحيح، أما إذا انبتت الصلة بين التدين والقواعد العلمية المستنبطة؛ ينتج التدين المغلوط، وهو ما نراه فى الجماعات الإرهابية -مثل داعش- التى هى امتداد لفكر الخوارج، وهو فكر يموت ويبعث فى أشكال مختلفة عبر العصور، ونحن نعيش اليوم فترة إحياء لهذه الأفكار، وقد ناقشهم فيما مضى الصحابى الجليل عبد الله بن عباس وفند شبههم، حتى أسكتهم، لكن عمى البصيرة هو أشد من عمى البصر، كما قال الله سبحانه وتعال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}.
فالحقيقة أنهم لم ينتبهوا لهذا الدرس الكبير من الصحابى الجليل، وقد ذكر لهم قبل أن يناقشهم جملة فى غاية الأهمية، تؤصل لمسألة التدين الحقيقي، قال: جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أنهم إنما خرجوا من عباءة الدولة والجماعة بخروجهم على الإمام الممثل للدولة، وعن منهج الصحابة الذين ينضوون تحت الدولة، وتلك إشارة إلى أن صحابة الرسول قد ورثوا المنهج النبوي، وأن الخوارج يخالفون القواعد والأصول والعلم الحقيقى المثمر للتدين الحقيقى … وهذا يثبت أن هناك فارقًا بين الدين كمنهج واحد والتدين كسلوك مختلف.
■ وما خطورة اللعب بالعواطف الدينية كما تفعل بعض الجماعات والتيارات؟
ــ  مسألة اللعب على أوتار العواطف الدينية بالشعارات، هى سياسة رُسمت من قديم، سياسة تريد أن تصل إلى أهداف لها محددة، لكنها وجدت أن طبيعة المصريين المحبة للتدين تثق فى الشكل والمظهر، فاشتغلت هذه الجماعات على الشكل وأنشأت كيانات موازية للدولة؛ لزعزعة العلاقة بين الدولة والمواطن، حتى وصلوا إلى مرحلة تضليل الناس وإيهامهم بأن الحق محصور عندهم، وأنهم مُلَّاك الحقيقة المطلقة، وبناء عليه استخدموا هذه الشعارات، مستغلين بُعد الناس عن العلم الشرعي، موهمين أن الانتماء للوطن يتعارض مع الانتماء للدين، وهو زعم باطل، ونحن نريد أن نعيد منظومة الأخلاق والتدين الحقيقى إلى منابعه وأصوله الشرعية.
■ وكيف يكون الإنسان متدينا بصورة صحيحة؟
ــ المسلم المتدين الحقيقى شخصيته واحدة فى العلن والخفاء، فلا يستغل جانبا لتحقيق مصلحة ما، ولذلك كان الإنسان المستغل لحاجة الناس عن طريق الدين، غاشًّا للناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»؛ نظرًا لعدم الوضوح فى تعامله، والوضوح هذا لا يكون إلا فى ثقافة أخلاقية حقيقية، أما الاستخدام السياسى للدين فمن التدين الشكلى المستغل من قِبل هؤلاء لإيقاع الناس فى شَرَكهم.
والتدين الحقيقى هو ذلك المتبع للمنهج الشرعى الصحيح، المأخوذ عن العلماء، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس، كما ذكرنا، حين أخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبى الكريم، وورَّثوه للتابعين وتابعيهم حتى وصل إلى الأزهر الشريف. ذلك المنهج الصحيح الذى يربط بين الشكل والمضمون بوضح تام، ولا يفصل بحال بينهما، ونحن ننصح السائلين أن يلجأوا إلى المتخصصين فى العلوم الشرعية الذين تشربوا المنهج الصحيح، عبر سنوات درس طويلة، وهو ما يفتقده جماعات الإرهاب النابتة المفتقدون للعلم الصحيح الطويل والدرس المتأنى على أيدى المشايخ، فتجد أحدهم يتصدر للفتوى بغير منهج، وقد أنكر الشيخ الغزالى على أمثال هؤلاء الشباب حماستهم وإرادتهم للتصدر والدرس بغير تعلم حقيقى على أيدى العلماء، فقال فى سخرية مُرَّة: الشاب من هؤلاء يشترى كتابًا يوم السبت ويقرؤه الأحد ويفتى به الاثنين!
كما أن طريقة الوجبات السريعة هذه لا تصلح فى العلم، وإنما لا بد من الدرس الطويل والصبر عليه حتى يتأهل المتعلم ويكون جديرًا بنقل علمه، وقد صاحب ابن القاسم الإمام مالكًا عشرين سنة يتعلم عليه ولم يتصدر للدرس، ثم عندما تصدر للدرس والتدريس وسأله سحنون أجاب ابن القاسم بمنهجية واحدة نابعة من الصبر على العلم على يد الإمام مالك، هذا هو العلم المراد تربية النشأ عليه، لا هذه الوجبات السريعة المفسدة. وهذا هو منهج الأزهر منذ أكثر من ألف سنة، وما زال على هذا النهج، وأى معهد علمى لا يلتزم بهذا المنهج لا يؤهله للحضور العلمى كل هذا الزمن.
■ وما رد فضيلتكم على ان هناك متطرفين تخرجوا من الأزهر؟
ـــ منهج الأزهر ممتد لما يزيد عن ألف سنة لم يخرج فكرًا متطرفًا، فلا تكاد تجد صاحب فكر متطرف قبل القرن العشرين، أما من أتى بعد ذلك وانتسب للأزهر فهم من القلة بمكان حيث يمكن حصرهم على الأصابع، وهؤلاء لم يتبنوا فى يوم منهجية الأزهر، وإلا فإننا نحتكم للدليل الواقعي، كما رد صوفى أبو طالب على من يقول إن الفقه الإسلامى مأخوذ من فقه الرومان، فطالبه بالأدلة، وأظهر أن هناك استقلالًا للفكر الإسلامى عن نظيره الروماني، وعليه نقول لأصحاب هذه الشبهة: هاتوا منهجية هؤلاء وقيسوها على منهجية الأزهر تجدوا اختلافًا كبيرًا بين منهج الأزهر الوسطى المعتدل ومنهج هؤلاء.