تلوث «البحر الفرعونى» يهدد الثروة السمكية بـ«المنوفية»
منال حسين
المنوفية - منال حسين
فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة بكامل قوتها إلى إنشاء المزارع السمكية بملايين الجنيهات، لسد الفجوة الغذائية، نجد أن هناك أناسًا تعمدوا تدمير الثروات الطبيعية إما بسبب الجهل أو الإهمال أو الفساد.. ففى محافظة المنوفية هناك أزمة حقيقية يعانيها أهالى مراكز «أشمون ـ الباجور ـ منوف» بعد تعمد اغتيال الثروة السمكية بالبحر الفرعونى الرابط بين الثلاثة مراكز، وتشريد أكثر من 25 ألف أسرة تعمل فى مجال الصيد.
«البحر الفرعونى».. هو أحد فروع نهر النيل القديمة، التى كانت تربط بين فرع دمياط عند نقطة التقائه بقرية بير شمس التابعة لمركز الباجور، وفرع رشيد عند نقطة التقابل بقرية طملاى التابعة لمركز منوف، بطول 73 كم، وعرض يتراوح ما بين 200 و 350 مترًا، واستخدمه أهالى المراكز الثلاثة التى يمر عليها فى صيد الأسماك، ورى الأراضى الزراعية، حتى تم بناء السد العالى، وأغلقت فتحة بير شمس التى كانت تمد البحر بالمياه المتجددة، وأصبح يعتمد على مياه الصرف الزراعى، وبعض عيون المياه الجوفية فى الأماكن العميقة بها.
وفى فترة مابعد 25 يناير 2011 تم صرف 20 مليون جنيه لشراء 12 ماكينة مياه رفع، تم توزيعها على طول البحر الفرعونى، 3 بقرية كفر الخضرة بمركز الباجور، و3 بشنشور مركز أشمون، و6 بقريتى فيشا الكبرى وفيشا الصغير التابعتين لمركز منوف، وهى عبارة عن غرفة بها مولد كهرباء وماكينة رفع مياه تقوم بسحب المياه الجوفية على عمق 130م، وكانت تعمل 8 ساعات يوميًا لرفع منسوب مياه البحر، وتقليل نسبة الملوحة به، وبعد أزمة الكهرباء تم تخفيض ساعات العمل إلى 4 ساعات يوميًا.
وبات الوضع على ما هو عليه حتى قامت شركة مياه الشرب والصرف الصحى بإنشاء محطة صرف صحى بقرية كفر الخضرة، ومحطة معالجة على مساحة 14.5 فدان، وبها 3 خزانات سعة الخزان الواحد 7000 م3، ويعتمد على تصريف محتوياته داخل البحر الفرعونى، بعد أن تم رفع تقرير للشركة يفيد بأن البحر الفرعونى ليس ترعة إنما مصرف، ويعتبر هذا التقرير كارثة بعد أن اعتمدت عليه الشركة، حيث تسبب فى تدمير الثروة السمكية به وتشريد الصيادين.
يقول عبدالقادر عبدالعال شاهين، شيخ الصيادين بقرية كفر الخضرة بمركز الباجور: إن الحرفة الرئيسية لهم بكفر الخضرة هى الصيد، مشيرًا إلى أن الكارثة عمل محطة صرف صحى كفر الخضرة، التى تصب فى ترعة البحر الفرعوني، ما أدى إلى تدمير الثروة السمكية، لافتًا إلى أنه قام بتقديم أكثر من شكوى منذ سنوات للجهات التنفيذية، لتغيير مسار محطة الصرف وتحويلها الى أقرب مصرف بقرية سنجلف، إلا أنه حتى الآن لم يتحرك ساكنا.
ويضيف محمد عبدالقادر عبدالعال، أحد صيادين القرية: قديمًا كان يصل إنتاج البحر الفرعونى إلى 2000 طن أسماك، مشيرًا إلى أنه الآن يشاهد يوميًا الأسماك نافقة وتطفو على سطح المياه المختلطة بالصرف الصحى، فى الوقت الذى تجد فيه أن أهالى القرية ليست لهم أى مهنة أخرى بخلاف الصيد.
ويشير أسامة محمد محروس، أحد سكان القرية، إلى أن موظفًا كان يعمل بالوحدة المحلية بقرية كفر الخضرة، قام بتغيير صفة البحر الفرعونى على الخرائط من ترعة إلى مصرف، بتقديمه معلومات غير حقيقية عن المصرف، بوصفه أن عرضه لا يزيد على 15م وغير عميق ولا يوجد به أسماك، مضيفًا أن الموظف بعد خروجه على المعاش قام بردم أجزاء من البحر أمام منزله لتوسيع المساحة.
أحد الموظفين بمجلس مدينة الباجور اتهم محطة تنقية المياه الموجودة بقرى مركز منوف بقتل الأسماك، نافيًا أن يكون سبب تدمير الثروة السمكية هو محطة صرف كفر الخضرة، معللًا ذلك بسبب استخدامها الكلور فى تطهير الخزانات الخاصة بها لتقوم بعد ذلك بصرفه فى مياه البحر.
ومن كفر الخضرة بمركز الباجور إلى كفر العشرى التابعة لمركز منوف، نفس الأزمة أثرت على الأهالى نظرًا لمرور البحر الفرعونى بمركز منوف، ما أدى إلى تشريد الآلاف من العاملين بمهنة الصيد هناك، بعد أن دمر الصرف الصحى الثروة السمكية.
يقول محمد حجازى، شيخ الصيادين بقرية كفر العشرى: إنه منذ عام 1989 تم افتتاح مشروع الصرف الصحى بقرى منوف، وإنشاء محطة معالجة الصرف الصحى بقرية كفر السنابسة، وقاموا بتوجيه صرفها بالبحر الفرعونى، ما كان له الأثر السلبى بعد قتل الأسماك بنسبة قليلة، موضحا أن الكارثة الكبرى تعطل المحطة عن المعالجة فى عام 2000 وأصبحت تصرف داخل البحر صرف خام دون معالجة، حتى قضت على الأسماك نهائيًا. وتابع شيخ الصيادين: إنه منذ ذلك التاريخ تشرد آلاف الأسر، بعد أن تحول البحر الفرعونى من ترعة نظيفة عذبة إلى بركة للصرف الصحى تحمل الكثير من الأوبئة والأمراض، مشيرًا إلى أنه عندما يتم التخلص من مياه الصرف الصحى دون معالجة فى الأنهار أو البحيرات فإن المواد الصلبة التى تكون فى المياه الملوثة تترسب فى القاع وتتحول إلى مواد عضوية عن طريق التحلل فتؤثر على المياه البحرية، مع زيادة تركيز النيتروجين والفسفور.
وأضاف: عندما يزيد تركيز النيتروجين والفسفور فى المياه فإن ذلك يعمل على تكاثر بعض من النباتات والطحالب البحرية التى تعمل على خفض نسبة الأكسجين الذائب فى الماء، ما يؤدى إلى خلل فى التوازن البيئى، بجانب تغير نسب بعض العناصر، لافتا إلى أنه عندما يحدث تغيير فى نسب العناصر والغازات فى مياه البحر فإن ذلك يؤدى إلى نمو أنواع من الطحالب الضارة وبعض المركبات السامة التى تعمل على القضاء على الكائنات البحرية، خاصة الأسماك وبذلك فإن تلوث البيئة البحرية لا يؤثر على الماء فقط إنما يؤثر على الكائنات الحية.
وأشار إلى أنه وأهالى القرية من الصيادين توجهوا إلى الدكتور سامى عمارة، محافظ المنوفية الأسبق، بعد تفاقم الأزمة، لافتًا إلى قيام عمارة بإصدار توجيهاته بتطهير المجرى المائى والحفاظ على الثروة السمكية، مشيرًا إلى أنه كان أكثر تعاونًا معهم، مطالبا الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى بضرورة تغيير مسار الصرف إلى أقرب مصرف على بعد 1كم فقط، لإنهاء معاناة الصيادين والحفاظ على الثروة السمكية.
إلى ذلك أكد المهندس مصطفى حمادة، مسئول هيئة الثروة السمكية بالمنوفية، قيامه بإحضار لجان من الوحدات المحلية وشرطة المسطحات واصطحب الصيادين، لتحرير محضر بشرطة المسطحات، مضيفًا أن المشكلة تكمن فى عدم تصنيف المجرى المائى حتى الآن من حيث التبعية لهيئة صرف غرب الدلتا، أم مجرى مائى وأحد أفرع نهر النيل، ليكون تابعًا لوزارة الموارد المائية.