الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عام تعميق الفجوة بين العلمانيين والإسلاميين فى مصر




نشر المعهد الأمريكى للسلام تقريرا لمستقبل الشرق خلال عامه الجديد جاء تحت عنوان «الشرق الأوسط فى عام 2013 وعود وكثير من المخاطر أعده كل من روبن رايت باحثة بارزة فى معهد ومركز وودرو ويلسون الدولى للدارسين، وجاريت ندى، مدرس مساعد فى مركز إدارة النزاع التابع للمعهد الأمريكى للسلام
 
شهدت منطقة الشرق الأوسط الكثير من الاضطرابات خلال عامى 2011 و2012، مما سيكون لها الأثر الكبير خلال العام الجديد؛ ما دفع عددًا من المفكرين والمحللين إلى استشراف صورة المنطقة فى العام الجديد، والقضايا الأكثر إلحاحًا التى ستفرض نفسها خاصة فى دول الربيع العربى
 

ويرى الكاتبان أن الشرق الأوسط سيواجه فى عام 2013 تحديات أكبر من التى واجهها على مدى العامين المنصرمين (2011 و2012)؛ فالثورات العربية مهدت الطريق لانقسام سياسى أعمق، ومشاكل اقتصادية أكبر، وانعدام أمنى خطير. وما يزيد من تأزم وضع المنطقة هو عدم ظهور حلول وشيكة فى الأفق، على حد قول الباحثين اللذين يريان أن الربيع العربى أصاب معظم العرب على ما يبدو بخيبة أمل.
 ويشير ندى ورايت إلى أنه رغم نجاح الثورات العربية فى مصر وتونس وليبيا واليمن فى الإطاحة بأربعة من القادة العرب الذين بلغت مدة حكمهم لبلدانهم 29 عامًا، لم يشهد سكان العالم العربى البالغ تعدادهم 350 مليون نسمة أى تغيير حقيقى على الإطلاق، مشددين على أن تأسيس أنظمة جديدة فى بلاد الربيع العربى أصعب من إسقاط الأنظمة القديمة.
وكانت تونس هى المحرك الرئيسى للثورات العربية؛ فبعد إضرام أحد المواطنين النار بنفسه يوم 17 ديسمبر 2010 احتجاجًا على الفساد الحكومي، ونجاح الثورة التونسية انتفضت الدول المجاورة هى الأخرى للتعبير عن غضبها من فساد حكامها. وتواجه كل دولة عربية مارة عقبات سياسية واقتصادية وأمنية تختلف من دولة لأخرى.
فيما تعانى مصر -حاليًّا- من أزمة سياسية حول الدستور الجديد، ومن فجوة عميقة بين الإسلاميين والعلمانيين، بينما يواجه التونسيون معدلات بطالة مرتفعة، وتجاهد ليبيا لكبح جماح الميليشيات، وتهدئة التوترات القائمة بين المناطق الشرقية والغربية. أما اليمن فيعمل على تنسيق حوار مصالحة قبل صياغة دستور جديد أو انتخابات برلمانية.
ولم تسلم الدول العربية الأخرى من الاضطرابات كذلك. ففى سوريا يُقتل المواطنون الذين يطالبون بتنحى رئيسهم بشار الأسد، وستستمر الانتفاضة الدموية هناك على الأرجح بعد سقوط الأسد، يمكن أن تعرقل النزاعات الطائفية الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة فى دمشق.
وقد عرض رايت وندى ملخص للتحولات السياسية والتحديات المتوقع أن تشهدها بلدان مثل مصر وتونس وليبيا واليمن فى2013:
 
 
 

أولا: مصر
يتوقع الباحثان أن تواجه مصر فى العام المقبل أكثر انتخابات مثيرة للجدل منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع حسنى مبارك؛ إذ ستدور الانتخابات القادمة بشكل أساسى حول انتخاب برلمان جديد (مجلس النواب)، لتعمّق الفجوة السياسية بين الإسلاميين والقوى العلمانية والشباب المهمشين من السلطة، من وجهة نظر رايت وندى.
واتخذت الحكومة المصرية الجديدة خطوات جريئة على المستويين المحلى والخارجي؛ إذ أعاد الرئيس محمد مرسى الجيش إلى ثكناته بإقالته اثنين من كبار قادته فى أغسطس 2012، وأظهر أيضًا ولاءه لاتفاقية كامب ديفيد، باحثًا مع الولايات المتحدة عن سبل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس فى نوفمبر الماضى. كما تجاهل اعتراض السلفيين على قرض صندوق النقد الدولي.
وأصبحت مصر -على حد قول الباحثين- أقل استقرارا فى عام 2012 لمحاولة مرسى صياغة نظام جديد فى دستور ما بعد الثورة، ليعمّق الفجوة بين الإسلاميين والنشطاء العلمانيين. ورغم أن المشكلة كلها كانت تتعلق بدور الإسلام فى النظام السياسى الجديد، فإن عملية كتابة الدستور باتت جزءًا من الجدل.
فبعد أن حلت المحاكم المصرية البرلمان المنتخب منح مرسى لنفسه صلاحيات مطلقة، وحصن جميع قراراته، ليمنع المحاكم من حل الجمعية الثانية المكلفة بكتابة الدستور.
وعندما أثار ذلك موجة غضب عارمة، دعا مرسى جميع القوى السياسية إلى التحاور، ورفضت المعارضة الاستجابة لدعوته وشجعت المصريين على التصويت برفض الدستور الجديد.
ومن المتوقع مبدئيًّا أن يجرى التصويت لاختيار برلمان جديد عليه مواجهة التحديات الاقتصادية التى تمر بها البلد فى مناخ سياسى من عدم الثقة بين كافة القوى السياسية الفعالة على المسرح السياسى المصري

 
 
 
ثانيًا: تونس
كان التحول الديمقراطى فى تونس سلسًا نسبيًّا مقارنةً بالدول الأخرى التى تمر بمرحلة انتقالية، من وجهة نظر رايت وندى اللذين يتوقعان أن تواجه البلد ثلاثة تحديات رئيسية وهي: الاقتصاد الهش، والاستفتاء على الدستور، وانتخاب حكومة دائمة فى جو من التوتر بين الإسلاميين والعلمانيين.
وعلى حد قول الباحثيْن، يشكّل الشباب تحديًا لتونس، حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب التونسى حوالى 40% فى ديسمبر الماضى، نصفهم شهادات جامعية. ويُذكر أن مشاعر الإحباط تجلت فى نوفمبر عندما خرجت مظاهرات فى محافظة سليانة احتجاجًا على تردى الأحوال المعيشية والبطالة. وباتت الاحتجاجات والإضرابات التى قام بها الاتحاد العمالى العام التونسى تمثل تحديًا متكررًا.
بينما شكل عنف السلفيين توتًرا سياسيًّا وجلب مشاكل أمنية للبلاد؛ إذ هدموا العام الماضى أضرحة صوفية، وهاجموا السفارة الأمريكية، وتعرّضوا لبائعى الكحوليات، وقاموا بأعمال شغب على خلفية ظهور صور مسيئة للإسلام. ولا يزال العديد من التونسيين العلمانيين -على حد قول الباحثيْن- غير راضين عن وعود الحكومة الإسلامية بشأن الانقلاب على السلفيين.
ويبقى النقاش محتدمًا أيضًا حول حقوق المرأة، وتنظيم وسائل الإعلام، وقوانين التجديف (وهى قوانين تعاقب من لا يوقّر شخصيات مقدسة أو رموز دينية أو عادات ومعتقدات دينية). ومن المتوقع، أن تصوّت الجمعية التأسيسية على المسودة النهائية للدستور فى ربيع 2013 قبل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى شهر يونيو
.
ثالثًا: ليبيا
يتوقع الباحثان أن تواجه ليبيا مشكلتين رئيسيتين، هما: الأمن، وبناء دولة من الصفر. حيث تعجز الحكومة الجديدة عن ممارسة سلطتها بدون قوات أمن محترفة تساعدها فى إرساء الاستقرار وضمان سيادة القانون.
يُذكر أن ليبيا كانت تسعى لمواجهة 300 ميليشيا ظهرت إبان الثورة التى دامت ثمانية أشهر فى العام الماضى؛ إذ جنّدت أكثر من 240 ألف مسلح فى عام 2012 من أجل تلك المهمة. وقد تعاونت بعض الميليشيات مع الحكومة المركزية، فيما كوّنت أخرى عصابات وارتكبت انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان.
وبحسب رايت وندى، تورّطت ميليشيا متطرفة فى الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى فى شهر سبتمبر، مما أسفر عن مقتل السفير الأمريكى وثلاثة أمريكيين آخرين.
ولعل المعضلة السياسية الكبرى التى ستواجهها ليبيا فى العام الجارى -على حد توقع الباحثين- هى «تقاسم السلطة»؛ فإما أن تُنشأ دولة مركزية قوية تعمل من طرابلس، أو دولة لا مركزية توزع السلطات بين حكومة مركزية فى العاصمة وبين هيئات أخرى.
ولكن على عكس دول عربية أخرى تمر بمرحلة انتقالية، لدى ليبيا بالفعل موارد طبيعية وفيرة تساعدها فى إعادة بناء نفسها فى عام 2013، فضلا عن امتلاكها احتياطيات نفطية. ومن المتوقع أن يصل الإنتاج النفطى فى ليبيا إلى مستويات عالية قريبًا.
رابعًا: اليمن
يرى الباحثان أن اليمن سيكون أكثر بلدان الربيع العربى عرضة للخطر فى 2013؛ فنقص الغذاء، والصراع الطائفي، والتوترات القبلية، والحركات الانفصالية، وانقسام الجيش،  والبطالة المتفشية، ومتطرفى القاعدة، هددوا بتمزيق البلد على مدى العامين المنصرمين.
ويتوقع ندى ورايت أن تكابد القبائل اليمنية فى عام 2013 من أجل الحصول على الغذاء والمياه؛ حيث يعانى ما يقرب من نصف مليون نسمة من سكان اليمن من انعدام الأمن الغذائي، حيث أثار انهيار الخدمات العامة وارتفاع أسعار المواد الغذائية أزمة إنسانية سبتمبر المنصرم.
ويرجح الانتقال السياسى فى اليمن على إجراء مؤتمر للحوار الوطنى بين الانفصاليين فى الجنوب، و«المتمردين الشيعة»، والإسلاميين من السنة، والقبائل المتناحرة، والشباب، وأعضاء الحزب الحاكم السابق. لكن يتوقع ندى ورايت أن تواجه تلك الأطراف قضايا خلافية مع بداية صياغة دستور جديد.