الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رئيس الوزراء والسيول
كتب

رئيس الوزراء والسيول




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 22 - 01 - 2010



متي نهاجم الحكومة ومتي ندافع عنها ومتي نصمت؟


1


كنت موجوداً بالصدفة أثناء زيارة رئيس الوزراء للعريش، واستغربت بشدة من تغطية الصحف الخاصة للزيارة، التي أظهرت الأمر وكأن الدكتور نظيف هرب من المدينة بعد 5 دقائق بسبب ثورة منكوبي السيول.


الحقيقة غير ذلك تماماً، فقد وصل الدكتور نظيف للعريش في العاشرة صباحاً، وذهب مباشرة إلي مبني المحافظة وعقد اجتماعاً مع اللواء مراد موافي محافظ شمال سيناء.
صاحب رئيس الوزراء، وزراء الصحة والاتصالات والتعاون الدولي والمواصلات، واستغرق الاجتماع في مبني المحافظة قرابة ساعتين، وتم اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لمواجهة الكارثة.
2
ذهب رئيس الوزراء بعد ذلك إلي منطقة "سقل" حيث أطاحت السيول بكل شيء، المباني والنخيل والأشجار والطريق الدولي الساحلي، قبل أن تصب في البحر المتوسط.
تفقد رئيس الوزراء والوفد المرافق له المنطقة سيراً علي الأقدام وشاهد آثار الدمار، وأعطي تعليماته بعمل كوبري يربط شطري المدينة بعد أن شقتها المياه المندفعة شطرين.
استغرقت جولة رئيس الوزراء في هذا المكان قرابة نصف الساعة، وبعدها قام بتفقد مدرسة "عباس صالح" التي تم تخصيصها لإيواء ضحايا السيول.
3
في المدرسة التف المتضررون حول رئيس الوزراء بشكل عشوائي، وتزاحموا بشكل يمكن أن يؤدي إلي وقوع بعضهم تحت الأقدام، والكل يصرخ ويقدم طلباته، دون أن تكون هناك فرصة للاستماع إلي أحد.
من الطبيعي، في مثل هذه الأحوال، أن يحول الحرس الخاص برئيس الوزراء بينه وبين الحشود العشوائية تحسباً لأي موقف ينجم عن التزاحم والتدافع واستقل رئيس الوزراء سيارته إلي المطار.
غادرت طائرة رئيس الوزراء والوفد المرافق له مطار العريش قرابة الساعة الثالثة والنصف عصراً، أي أن الزيارة استمرت أكثر من خمس ساعات وليس 30 دقيقة.
4
علمت من محافظ شمال سيناء أنه لم يكن مقرراً أن يبقي رئيس الوزراء في العريش أكثر من ذلك، وأنه عرض عليه خطة متكاملة للتنمية في سيناء، وأن الدكتور نظيف أبدي ترحيبه بها.
الزيارة لم تكن احتفالية ولكن إجرائية للوقوف علي الترتيبات الضرورية لمساعدة المنكوبين وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وتقدير حجم الخسائر الناجمة عن السيول.
المشكلة الحقيقية هي أن البعض حاول أن يلقي باللوم علي الحكومة واتهامها بالتقصير، مع أنها كارثة طبيعية لاتستطيع أقوي الحكومات في العالم حتي في الولايات المتحدة أن تمنع حدوثها.
5
المشكلة الأهم التي تحتاج دراسة مستفيضة هي الروح العدائية التي خلقتها الفضائيات في الناس، فبمجرد أن يشاهدوا كاميرات يبدأون في الاحتشاد حولها والصراخ والشكوي والمبالغة في المشاكل.
علي سبيل المثال صرخ أحد أبناء العريش "السيل أخذ 11 غنمة" ولما قلنا له "ياراجل دول خمسة فقط".. قال بغضب "تعالوا ننزل الميه ونعد".
كثير من الناس ينتهزون مثل هذه الأزمات لجني بعض المكاسب، والدليل علي ذلك أن المدرسة التي زارها رئيس الوزراء، امتلأت بالمتسولين الذين زاحموا المنكوبين الحقيقيين ووصل عددهم إلي أكثر من ألفين.
6
أعود لزيارة رئيس الوزراء لمدرسة "عباس صالح" وأؤكد أنه كان مستحيلاً أن يبقي رئيس الوزراء أكثر من خمس دقائق، لأن الذعر الذي أحدثته السيول، شحن الناس بكل أنواع الغضب والانفعال.
حدث الذعر المفاجئ مع صياح ميكروفونات المساجد بعد صلاة الفجر تحذر الناس من أن السيول قادمة "اهربوا من منازلكم"، فاستيقظ الناس وحملوا أطفالهم هروبا من الخطر القادم.
سبحان الله.. المياه التي هي سر الحياة.. منظرها يثير الرعب في القلوب، عندما تقتحم علي الآمنين بيوتهم في صلاة الفجر وتحطم كل شيء، ولها صوت مزعج وهي تصطدم بالبيوت والأشجار.
7
تصوروا معي قسوة مياه السيول وهي تحفر أنفاقا تحت الطرق المرصوفة والأشجار والنخيل والبيوت، وتقتلعها من جذورها وتحملها مثل الريشة ثم تلقي بها بعيداً.
تصوروا منظر الشاليهات الفخمة علي البحر، وعندما مرت مياه السيول تحتها أدت إلي ميل شديد في الأجزاء الخلفية فتشققت، بينما ظلت بقية الشاليهات كما هي.
الطريق الدولي العملاق أصبح مثل قطعة البسكويت الطرية في أفواه السيول، مضغت الأسفلت ثم بصقته يميناً وشمالاً.. مثل أفلام الديناصورات.
8
محافظ شمال سيناء كان علي حق وهو يقول: إن أحداً لايستطيع الوقوف في وجه الطبيعة وكل ما يستطيع أن يفعله الإنسان هو أن يخفف من آثارها وحدتها.
ضرب مثلاً بما يحدث في الولايات المتحدة من زلازل وأعاصير وسيول، وهي أقوي دولة في العالم، لكنها تعجز عن أن تواجه الطبيعة رغم إمكانياتها المادية والبشرية والعلمية المذهلة.
بالمناسبة.. المحافظ اللواء موافي من الشخصيات المحترمة المتعمقة في دراسة الأمن القومي المصري بأبعاده التاريخية والعسكرية والاستراتيجية، وكان يشغل من قبل منصب مدير المخابرات الحربية.
9
أريد أن أقول من كل ذلك: إن الحكومة إذا أخطأت فيجب أن ننتقدها ونجلدها، ولكن إذا تحركت بسرعة وأحسنت التصرف فيجب الإشادة بها.. أو الصمت.
رئيس الوزراء في حوادث السيول لم يقصر، ولكن لا تستطيع أمريكا نفسها إذا واجهت مثل هذا الموقف أن تمنع وقوع الكارثة، أو أن تقف في وجهها.
الرئيس كان في ذلك الوقت في أسوان، ويتابع بنفسه الموقف لحظة بلحظة في كل أنحاء الجمهورية.. واتسم أداء الدولة كلها باليقظة والفاعلية وسرعة التحرك.. لكنها الطبيعة المتوحشة.


E-Mail : [email protected]