الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

محمد العشرى : نعيش حالة غير مسبوقة ومن الصعب التنبؤ بالمستقبل




محمد العشري، جيولوجى جذبه الأدب فلم يستطع مقاومة شيطانه، فحمل جوار لقبه العلمى وصف «كاتب وروائي»، تخصص عمله فرض عليه معاشرة الصحراء فكتب عنها مؤكدا أنه وصل إلى كنز خاص، وأنها بحاجة إلى جيش كامل من الروائيين لاستكشافها وقراءة تاريخ الحياة المدفونة تحت رمالها، عن الأسطورة ودورها فى كتاباته، والوضع السياسى الذى تمر به مصر وتحدث إلينا فى هذا الحوار :
■ لو أردت تسجيل ما يحدث فى مصر الآن فى أحد أعمالك .. فماذا تقول؟
- مصر تعيش حالة فريدة لم تشهدها فى تاريخها السياسى رغم ما مرت به على مدى تاريخها الطويل، ومن الصعب التنبؤ بما ستئول إليه الأمور فى القريب، لكن المشهد الضبابى الذى تعيشه مصر الآن يحتاج إلى وقت حتى يمكن تأمله، وتحليله من كل جوانبه بشكل صحيح، دون انحياز أو تعصب، الصراع السياسى الدائر فى مصر يحتاج أن يهدأ وأن يضع مصر وأهلها فى أولوية الاهتمام بعيداً عن المصالح الشخصية والجماعية، ما يمكن رصده الآن بشكل روائى أننا على الحافة إن لم ننتبه ونتماسك ونجنب الأهواء والتعصب الدينى فسنسقط حتماً فى هاوية نحن فى غنى عنها.
■ ما سر الولع بالأسطورة الحاضرة بقوة فى أعمالك؟
- اهتمامى بالأسطورة يأتى من منطلق انتمائى إلى تراثى الشرقي، وما أنتجته تلك الأساطير وتركته فى المخيلة العربية والعالمية ممتداً لعقود وسنوات طويلة، وأطلق الخيال وحرره من أثر الواقع، كما قرأنا فى كتابات ألف ليلة وليلة، وغيرها من الأعمال السردية التى عبرت الزمن، واستفدنا منها، كما استفادنا من كتاب وروائيين على مستوى العالم، منهم باولو كويهلو على المستوى الشعبي، وماركيز على المستوى الشعبى والنخبوي.
■ ألا تخشى أن تصبح الأسطورة عبئا على العمل الأدبي؟
- على العكس تماماً، الأسطورة تمنح العمل الأدبى طبقات متعددة، ومستويات مختلفة للتلقي، كما أنها تُعلى من قيمته، خاصة إن كانت تلك الأسطورة منسوجة بشكل مبتكر، يتناسب وروح العصر، ويستفيد من آليات التواصل الحديثة، وأساليب وتقنيات الكتابة الجديدة، وذلك ما أسعى إليه وأحاول تحقيقه فى رواياتى من خلال نسج أساطير جديدة، متسفيداً من البناء الأسطورى الذى قرأناه وترسخ فى الوجدان.
■ تستوحى مفردات التراث فى أعمالك.. هل هناك موقف ثقافى من ذلك؟
- نعم، أنا مهتم بالتراث خاصة التراث الشرقي، لأننى ابن ذلك التراث، ولا يمكننى أن أنسلخ عنه، والتواصل معه يثرى الكتابة، ويقوى جذورها وانتماءها، القطيعة مع التراث تحت دعاوى الحداثة وغيرها يجعل الإبداع هشاً، بلا أساس يستند عليه، ذلك ما يجعلنى أكثر التصاقاً بتراثي، وهو مسعى وهدف أضعه دائماً فى الاعتبار، ولا أنفك عنه، لأنه يعنينى التواصل والتلاحم مع تاريخى وتراثى بصوره وأشكاله المتعددة.
■ الصحراء تيمة مركزية فى أعمالك.. ما الذى جذبك إلى هذا العالم الساحر؟
- فى الصحراء الحيوانات موجودة بحضورها الإنسانى فى مجابهة الحضور الوحشى للإنسان، اكتشفت ذلك عندما أغوتنى الصحراء وسرت فى أكبر حقل ألغام فى الصحراء الغربية، لا أبالغ لو قلت إن الصحراء تحتاج إلى جيش من الروائيين لاستكشافها وقراءة تاريخ الحياة المدفونة تحت رمالها، والطائرة فى سماواتها، والمختبئة وراء تلالها وتحت سرابها.. العمل فى الصحراء أكسبنى عيناً ثالثة، وأضاء لى الكثير من المسارات، هذا ليس كلاماً مرسلاً لكنه الحقيقة، فحين تعرفت على الصحراء للمرة الأولى وشاهدت الصيادين وهم يصطادون الصقور بالصقور، وأدركت قيمة نقطة الماء، وأهمية الظلال، واستمعت إلى موسيقى الصحراء الطبيعية، وهى تتخل الخلايا وتتوغل فى الروح، حين رأيت كل ذلك أدركت أننى قد وصلت إلى كنزى الخاص، فصرت مغامراً أسعى لاكتشاف الصحراء ونبش الحيوات النائمة تحت رمالها بالبحث والدراسة والتأمل، هذا فضلاً عن كنوز الصحراء من البترول.
■ ما الفرق بين «صحراء» العشرى و«صحراء» إبراهيم الكونى وعبدالرحمن منيف؟
- ما يشغلنى فى صحرائى أن ألمس ذلك الذهب التاريخى المخبأ فى باطنها، بأصابع العصر الحديث، وأن أنبش فى الأسطورى والتراثى بروح جديدة، تتناسب مع ما نعيشه الآن من تكنولوجيا، وثورات علمية خارقة فاقت كل التوقعات، وتأثير كل ذلك على الحياة البدائية فى الصحراء، ونظرة البدو إلى المجتمعات الصناعية الوافدة إليها، تلك الوفود المتعددة الانتماء، التى تتعامل مع البيئة الصحراوية باعتبارها الكنز، الذى يجب الاستحواذ عليه ونقله إلى مجتمعاتها المدنية أو بلادها، الأحق فى الانتفاء به، لأنها ابتكرت من العلم ما سهل لها العثور على تلك الكنوز المخبوءة، وسحبها من تحت أقدام لا تعرف كيف تهتدى إليها، ربما تكون النظرة العلمية مسيطرة على توجهى فى رؤية الصحراء، لكنها الباب السحرى لاكتشاف ذلك المجهول، الذى يطمر آلاف من الروايات والأساطير، التى تحتاج إلى جيش من الروائيين لكشف طبقة واحدة من طبقات لا حصر لها.
 ■ ماذا أفادك تخصصك فى التنقيب عن البترول فى عالم الكتابة؟
- كتابة الرواية هى طريقى إلى الاكتشاف، والتوصل إلى أساليب ومخترعات تخدم وتحقق إنسانية الإنسان فى رحلته القصيرة فى الحياة، اكتشاف الصحراء روائياً، الصحراء المصرية، من خلال خبرتى الحياتية فيها، ورحلاتى المستمرة إليها، وما يصيبنى من دهشة فى كل مرة أدخل فى فتنتها، كما أوظف خلفيتى العلمية فى الجيولوجيا فى بناء أعمدة أتكيء عليها فى مسيرتى الإبداعية، فى روايتى الأولى «غادة الأساطير الحالمة» اتجهت إلى كتابة الأسطورة بالاتكاء على مخزون الذات الحياتي، الحب ودوره فى تخليص الروح من أثر الواقع الجامد، وفى الروايات الثلاث اللاحقة، شردت وغبّت فى الصحراء، لأعود ببعض الاكتشافات، اصطدت الصقور الجارحة فى رواية «نبع الذهب»، رسمت مسالك الطرق الملغّمة بتفاحات الصحراء القاتلة.
فى منطقة العلمين بالصحراء الغربية، التقطت بعض المهن الجديدة، التى خلفتها الحرب العالمية الثانية، وأثرت فى حياة البدو مثل مهنة «جامعى الجثث» من الصحراء لدفنها فى مقابر «الكومنولث» الشهيرة فى رواية «تفاحة الصحراء»، اكتشفت كوكباً جديداً، يسعى سكانه إلى نقل رمال الصحراء إليه، لأنه المصدر الجديد للطاقة بعد انتهاء زمن البترول، من خلال تفاعلها البسيط مع نيتروجين الهواء الجوي، وهى نظرية جديدة فى العلم، لا ننتبه إليها وذلك فى رواية «هالة النور»، وفى روايتى الأخيرة «خيال ساخن»، بعد عشر سنوات من صدور روايتى الأولى، عدت إلى كتابة الأسطورة، بالسباحة فى نهر النيل، رحلة فى مركب صغير، تدخل بأبطال الرواية إلى الحياة الفرعونية البعيدة، والصحراء المتاخمة لضفتى النيل وأثره فى تشكيل حياة المصريين، ومنطقة الفيوم، وتنتهى بهم الرحلة فى الزمن الحاضر، بحثاً عما يفتقده الإنسان الآن من دفء وحب وأمان، ذلك ما يمثل تجربتى وقناعاتى فى كتابة الرواية.
■ هل الضبعة مكان مناسب لتدشين محطة نووية؟
الضبعة حاضرة فى روايتى «تفاحة الصحراء» كمكان وكأسطورة تشكلت فى وجدان البدو، وكانت محوراً أساسياً فى الحرب العالمية الثانية حين امتدت فى الصحراء الغربية ووصلت إلى منطقة العلمين، لا يمكن فصل منطقة الضبعة عن الصحراء الغربية المصرية والتى تبلغ مساحتها 660 ألف كيلومتر مربع، خالية من الناس والبشر إلا فى بقع قليلة للغاية يمكن حصرها فى أرقام زهيدة من الملايين التى تشكلت تعداد سكان مصر، تمتاز الصحراء الغربية بما فيها منطقة الضبعة بأنها صحراء منبسطة تخلو من الجبال، وبها بعض التلال، ربما يكون ذلك محفزاً لتدشين محطة نووية من الناحية الشكلية السطحية، لكنها غير مناسبة من الناحية الجيولوجية لطبيعة التربة والطبقات الرملية، والمياة الجوفية القريب من سطح الأرض، وكذلك نوعية الطبقات غير الصلدة، والتى يمكن اختراقها بسهولة. وعند إنشاء محطة نووية يجب مراعاة الأمان النووي، ومدى تأثير الزلازل واتجاه الرياح والمياه الجوفية وطبيعة التربة وكذلك أماكن التخلص من النفايات النووية، ولا أعتقد أن الضبعة تتوفر فيها كل عوامل الأمان النووي.
■ كيف تنظر إلى مستقبل حرية الإبداع فى ظل حكم تيار الإسلام السياسى؟
مستقبل الثقافة والإبداع والحريات الإبداعية والإنسانية فى ظل المتغيرات التى نعيشها اليوم لا يبشر كثيراً، خاصة إذا ما سيطرت السياسة الإسلامية، أو الإخوانية بمعنى أدق على مقاليد الحكم والبلاد، أظن أن الثقافة ستتراجع وتردد إلى مناطق مخيفة، خاصة وأن تلك الحركات السياسة تبرز معها من يدعمها من الكتاب ويلبى مطالبها وإحتياجاتها لتدعيم وتوطين سيطرتها السياسية والدينية على الناس، بعيداً عن مقتضيات ومتطلبات العصر الذى نعيشه.