الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأزهر.. تاريخ من المفارقات والتسامح

الأزهر.. تاريخ من المفارقات والتسامح
الأزهر.. تاريخ من المفارقات والتسامح




كتب ـ صبحى مجاهد

 

احتفل الأزهر الشريف  منذ أيام  بمرور 1078 عامًا هجريًا على تأسيس الجامع الأزهر  السابع من شهر رمضان المبارك من كل عام. حيث  تمَّ إنشاؤها فى مدينة القاهرة (361هـ، 972م)، ليكون جامعًا وجامعة تدرس فيه مختلف العلوم والمعارف، وقد بلغ عدد العلماء الذين تولَّوا إمامته منذُ تأسيسه حتى الآن 48 شيخًا

ومع أن الأزهر نشئ  فى عهد الفاطميين عام 972م، إلا أن منصب «شيخ الأزهر» يعتبر حديثاً؛ حيث تم تعيين أول شيخ للأزهر عام 1690م، بعدما يقرب من 741 عاماً منذ إنشاء الجامع، ورغم افتخار المصريين به كمؤسسة مصرية عريقة، إلا أننا لا يمكن أن نعتبره ملكاً للمصريين وحدهم، فقانون مجمع البحوث الإسلامية، وهو أعلى جهة بحثية إسلامية فى الأزهر، يتكون من 50 عضواً، يمثلون جميع المذاهب الإسلامية، من بينها عدد لا يزيد على 20 شخصاً من خارج مصر، بحسب قانون الأزهر، رقم 103 لسنة 1961.
ومنذ بداية نظام «المشيخة» تولى هذا المنصب 48 عالماً أولهم الشيخ محمد بن عبد الله الخراشى الذى تولى المشيخة من 1679 حتى 1690، ثم الشيخ إبراهيم البرماوى من 1690 حتى 1695، ومحمد النشرتى من 1694 حتى 1709، وعبد الباقى القلينى من 1709 حتى 1709.
ومنذ نشأته ظل منصب شيخ الأزهر يُنتخب من جانب كبار المشايخ فيما بينهم ودون تدخل الدولة، إلا أنه فى عام 1911 صدر قانون الأزهر المؤسس الذى أسس «هيئة كبار العلماء» وتتكون من 30 عالمًا من كبار علماء الأزهر، واشترط هذا القانون أن يكون شيخ الأزهر عضًوا بهذه الهيئة. وكان التجاوز الوحيد عن هذا القانون قد جاء من جانب الملك فاروق عام 1945، حينما عين الشيخ مصطفى عبد الرازق، رغم أنه لم يكن حينئذ عضوًا فى هيئة كبار العلماء.
وصدر القانون رقم 103، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1961، والذى ألغى «هيئة كبار العلماء» وحولها إلى «مجمع البحوث الإسلامية» الذى تكون من 50 عضوا على الأكثر. ومنذ ذلك الحين صار شيخ الأزهر يعيَّن قانونًا من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بقرار من رئيس جمهورية مصر العربية.
ولقد شهد اختيار مشايخ الأزهر الـ 48  الكثير من المفارقات والمواقف الخالدة، كان من بينها، أن جميع من تولى مشيخة الأزهر كانوا مصريين ما عدا الشيخ حسن العطار الذى تولى المشيخة عام 1830 وهو من أصل مغربي، وقد وُلد ونشأ فى مصر، وكذلك الشيخ محمد الخضر حسين المتوفى عام 1958، فهو تونسى الأصل حيث تعلم محمد الخضر حسين  فى جامع الزيتونة بتونس، وظل يتنقل بين تونس والجزائر ودمشق ومصر وتركيا من أجل طلب العلم والتدريس والبحث. وفى عام 1950 أصبح عضواً بهيئة كبار العلماء بالأزهر، وفى سبتمبر 1952 أصبح شيخاً للأزهر، وقدم استقالته عام 1954 احتجاجاً على دمج القضاء الشرعى بالقضاء المدنى.. وتولى الشيخ حسن القويسنى المشيخة وهو كفيف البصر. فى حين كان جد الشيخ محمد العباس المهدى نصرانيا وأسلم. أما الموقف الأبرز فقد تولى هذا المنصب الرفيع ثلاثة مشايخ من أسرة واحدة، فى سابقة لم تحدث من قبل، وهم الشيخ أحمد العروسى (1778 - 1793)، وابنه الشيخ محمد أحمد العروسى (1818 - 1829)، والشيخ مصطفى محمد أحمد العروسى (1864 - 1870).
وكان أصغر شيخ تولى مشيخة الأزهر هو محمد مصطفى المراغى الذى تولى المنصب وهو ابن 47 عامًا. ولعراقة وقيمة هذا المنصب ارتبط تعيين شيخ الأزهر منذ العهد العثمانى بإقامة حفل كبير بهذه المناسبة يرتدى فيها شيخ الأزهر الرداء الرسمى الذى يسمى «فرو سمور» المميز لعلماء الأزهر ورجاله.
وعلى مدار تاريخه، استقبل الأزهر علماء (غير مصريين) ممن أثروا فى الأزهر وفى الحياة الفكرية فى عصرهم،  اهمه ابن خلدون ،ويوضح أحمد الزعبى فى تقديمه لكتاب «مقدمة بن خلدون»، أن بن خلدون، أصبح شيخاً فى الجامع الأزهر، بعد قدومه إلى القاهرة، وكثر مريدوه وتلاميذه، وكان من أشهرهم، المؤرخ تقى الدين المقريزى، والعلامة ابن حجر العسقلانى.
ويعد موسى بن ميمون الفيلسوف والطبيب احد من قدموا للأزهر من قرطبة فى بلاد الأندلس، حيث ولد فيها عام 1135م، لأسرة يهودية، وارتحل إلى المغرب ثمّ إلى مصر، خلال أواخر العهد الفاطمى، بحسب كتاب «موسى بن ميمون» لولفنسون، والذى قدمه الأزهرى الشهير الشيخ مصطفى عبدالرازق، واعتبر خلاله أن ابن ميمون وإن كان يهودياً إلا أنه يعتبره فيلسوفاً إسلامياً؛ لتأثيره القوى فى الفلسفة الإسلامية، كما أن بعد مجيئه إلى مصر كان يدرس فى الجامع الأزهر..
ويلقب بن ميمون بالرئيس، وكان رئيساً للطائفة اليهودية فى مصر، وحضر دخول الأيوبيين مصر، وكان طبيباً خاصاً لصلاح الدين، وترك مؤلفات عدة فى الطب والفلسفة، أشهرها «دلالة الحائرين»، وهناك معبد يهودى باسمه فى القاهرة مازال قائماً إلى الآن.