السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بحر العطاء

بحر العطاء
بحر العطاء




كتبت: نادية عرفة

 رأيته لأول مرة منذ سبع سنوات فى أول محاضرة له معنا فى مادة (الأدب والفكر المعاصر) التى درسها لنا بالفصل الدراسى الثانى فى الفرقة الأولى فى مدرج (203) فى مبنى الملحق الجديد بكلية الآداب (مارس 2012)، ورأيته بالأمس لآخر مرة فى جنازته.. أستحضر الآن ذكريات أول محاضرة له معنا فى الفرقة الأولى فى مادة (الأدب والفكر المعاصر)، وذكريات آخر محاضرة فى الفرقة الرابعة فى مادة (القص العربى الحديث) فى مدرج (406). أربع سنوات مرت سريعا بين المحاضرة الأولى والأخيرة، لكنها كانت مليئة بمواقفه النبيلة الإنسانية معنا جميعا. كانت أول محاضرة يدخل لنا فيها عبارة عن تعارف بيننا، يومها رأيناه يجلس بشموخ وثقة على مقعده وبدأ حديثه معنا بأنه لديه أمل كبير فى دفعتنا لأننا كنا أول دفعة بعد ثورة يناير.. السؤال الأول الذى طرحه علينا لنناقشه فيه كان يدور حول تصورنا عن الجامعة وأساتذتها وطبيعة الدراسة فيها، طلب منا أن نتحدث بمنتهى الحرية، كانت المرة الأولى التى يبدأ فيها أستاذ المحاضرة بسؤال نناقشه، كأنه أراد منذ اللحظة الأولى أن يعلمنا درسا مهما وهو أنه علينا أن نتحاور ونتناقش ما دمنا جئنا للجامعة.. تشجع بعض الزملاء وقاموا وتكلموا بمنتهى الحرية عن انطباعهم عن الجامعة، كان ينصت إليهم وهو يدون الأسماء وبعض الملاحظات، تحدثوا كلهم فى الميكروفون كى يسمع الآخرون، وعندما قمت أنا أخبرته أننى لا أحب الحديث فى الميكروفون وأن صوتى عال سيسمعه الجميع، وعندما بدأت الكلام رأيته ينظر إلى نظرة إعجاب شديد. بعد أن انتهيت ابتسم لى قائلا: «إنتى فيه ميكروفون فى صوتك!» المحاضرة الأخيرة جلس أمامنا وقد بدا عليه الإجهاد والتعب، كنا قد فاجأناه فى هذه المحاضرة باحتفال صغير أقمناه من أجله قدمنا له فيه شهادة تقدير وقلم حبر، سلمته الشهادة بنفسى وشكرته نيابة عن زملائى، لمحت عينيه غارقة بدموع الفرحة والافتخار، بعد أن جلس قال لنا وهو يبكى: «بتشكرونى على إيه! إمتا هتعرفوا حقوقكم علينا وإن أنا وكل الدكاترة مقصرين معاكم؟».. حينها قمت وقلت له إن ما فعله معنا وما علمه لنا على المستوى الإنسانى والعلمى لا يمكن أن توفيه أى كلمات شكر، فنظر إلى نظرة الإعجاب نفسها التى نظرها لى فى أول محاضرة وابتسم ابتسامة يملؤها الرضا والصفاء.. أشعر الآن أنه أكثر حضورا وأكثر قربا، وأنه ما زال وسيظل هنا، فمن هم مثله لا يرحلون أبدا.