الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«طوفان اللوتس» رحلة ما بين الواقع والخيال للكاتبة وفاء شهاب الدين

«طوفان اللوتس» رحلة ما بين الواقع والخيال للكاتبة وفاء شهاب الدين
«طوفان اللوتس» رحلة ما بين الواقع والخيال للكاتبة وفاء شهاب الدين




عن مجموعة النيل العربية صدرت مؤخرًا رواية «طوفان اللوتس» للكاتبة وفاء شهاب الدين، وتدور فكرة الرواية حول أسطورة فرعونية تدعى أن الروح البشرية بعد الموت تدور فى الكون متخذة صورًا عدة وبعد مرور ثلاثة آلاف عام يتخذ الجسد البشرى نفس الملامح ونفس الصفات والطبائع مرة ثانية. فى «طوفان اللوتس» عالم يتشكل من خلال لغة روائية تعتمد على البوح المحمل بقدر كبير من الشاعرية، ومشاعر الأنثى (البطلة) التى قاست لوعة الحرمان والوحدة وقسوة الواقع وتجبُّره، لتنساب اللغة الروائية متدفقة نحو رسم ملامح الشخصية وعالمها النفسي، ومعاناتها، تمنياتها، تذكاراتها، أحلامها، رؤاها التى تجسد مشاعرها.
البطلة (الساردة) معنية منذ البداية برسم ملكوتها الخاص ووصف مشاعرها، مستسلمة لتداعياتها خلف عالم الرجال، تتداعى الشخصية عبر بوحها بين الممكن والمستحيل بين الأمل والرجاء فى مقابل اليأس، بين الحياة/الواقع والحياة /الحلم، لتبدأ الشخصية لحظتها الروائية المحاصرة بالوحدة واليأس والحرمان لتنفتح مشاعرها وتذكاراتها رويدًا نحو ملامسة عالمها الممكن الذى تجسده عبر تداعياتها الحلمية المتأرجحة على أعتاب الحياة، إلا أنها تضطر لخوض تجربة أخرى موازية وفاضحة لواقعها الذى يقف خلف معاناتها، ومن ثم تفر إلى الماضى البعيد لتنقل ملامح الواقع البليد الغبى اللاإنسانى بغرض كشف وفضحه. تدور الرواية بين عالمين مختلفين عالم الواقع وعالم آخر تحت الأرض حيث يعود الفرعون مرة ثانية ليستعيد زوجته مرة أخرى فيصطدم بواقع آخر غير الذى يعرفه، فالملكة «نبت حت» زوجته قد تحولت بعد الثلاثة آلاف عام إلى سندس الفتاة العصرية، والتى ترتبط بقصة حب عاصفة مع جارها المهندس يسن، وما بين إصرار الملك على استعادة حبيبته وزوجته وبين مقاومة سندس ودفاعها عن حياتها وعمن تحب تحدث الكثير من المفارقات والصراعات، إلى أن تنتهى الرواية بسلسلة من المفاجآت والتى تدفع القارئ لإعادة قراءة الرواية من جديد. وصيغت الرواية بأسلوب شعرى حالم يتناسب مع أسطورية الرواية، وضعت بها عدد من النصوص الفرعونية والتى تتناسب بصورة منسجمة مع التسلسل المنطقى للأحداث، ورسمت الشخصيات ببراعة حتى أن القارى يشعر أنه يقرأ نصًا مصورًا يعيش كل تفاصيله فى مشاركة وجدانية نجحت الكاتبة فى خلقها حتى النهاية.
إذا كانت الرواية مغلقة على عالم المرأة الداخلى إلا أنها منفتحة على واقعها، وإن كانت آملة فى لحظة مثلى من الحياة المستقبل إلا أنها متجهة إلى الخلف فى ذات الوقت لتمارس فضح هذا الماضى الذى يشكل حاضر الشخصية ومعاناتها.
ثمة وثيقة إدانة كبيرة لواقع منهار إنسانيًا، تبدأ واقعات السرد من أقصى لحظة تذكُّرية بعيدة فى حياة البطلة ليستمر السرد متجها إلى الأمام مقتربا من اللحظة الحاضرة فى حياة الشخصية، وما بين الماضى والحاضر، والقريب والبعيد، والعام والخاص، والظاهر والمخفى أو الداخل والخارج، والوصف والبوح، والذاتى والجماعي، والنفسى والواقعي، الريف والمدينة يتشكل العالم السردى من تفاعلات حية بين هذه الثنائيات، ويترسم أمامنا عالم متجنٍ، نفعي، حسي، استغلالي، ذكورى مقابل عالم حالم مثالى نقى تبتغيه الشخصية وتتمناه وتحلم به وتفر إليه بمشاعرها، ومن دون أن تنسى أن تجلد الواقع أمامنا.