الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد إقبال.. فيلسوف الذاتية صاحب دعوة التجديد

محمد إقبال.. فيلسوف الذاتية صاحب دعوة التجديد
محمد إقبال.. فيلسوف الذاتية صاحب دعوة التجديد




كتب – خالد بيومى

 

يعد محمد إقبال (1877- 1938) من فلاسفة وشعراء الإسلام المعاصرين  الذين حملوا هموم الأمة، وحاول إعادة بناء الفرد والجماعة، وهو فيلسوف الذاتية، حوّل التصوف من نظرية فى الفناء إلى نظرية فى البقاء، وبين التمايز بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ونقد المقلدين للقدماء والمقلدين للغرب، ودعا إلى الاجتهاد.
ويعتبر «إقبال» هو المؤسس الحقيقى لدولة باكستان نظريًا والتى حققها محمد على جناح عمليًا، خرج منه تياران : الأول محافظ يدعو إلى الحفاظ على الهوية الإسلامية، والثانى تجديدى يدعو إلى تحديثها طبقًا لحاجات العصر.
فى كتابه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت عنوان» محمد إقبال .. فيلسوف الذاتية» قدم د.حسن حنفى أستاذ الفلسفة فى جامعة القاهرة دراسة فلسفية لمؤلفات إقبال الشعرية والنثرية تكشف عن ماهية الذاتية عندما تساءل إقبال فى مقدمته لديوان أسرار خودى «الذات»، وما هو هذا الشيء الذى نسميه «أنا» أو «خودي» أو»مين» باللغة الأردية الذى يتجلى فى أعماله ويختفى فى حقيقته ؟ يخلق كل المشاهدات ولكنه لا يُرى هى حقيقة فى الحياة وليست خداعاً أو وهماً، تتجلى بمقاصدها، وتبدو بأهدافها، وهى أساس وجود الفرد والجماعة بالرغم من ميل أمم الشرق إلى اعتبارها مجرد خداع خيال، تريد التخلص منها ،فى حين تميل أمم الغرب لإثباتها ؛ لذلك تكاسل الشرق ونشط الغرب ؛لأن الذات هى مصدر العمل، ينشط الأفراد والجماعات بإثباتها، وتخمل بنفيها.
وطرح إقبال فى «رسالة الخلود» سؤالًا عن مبدأ الحركة فى الإسلام هل هو التصوف أم الأصول، الكشف أم الاجتهاد؟ فالذات هى الإنسان الكامل عند الصوفية.
 ويرى حنفى أن الظروف مشابهة لظروف المسلمين فى الهند، الخمول والكسل واللامبالاة ؛ لذلك صاغ لهم إقبال فلسفته الذاتي، وظروف الأمة بعد ذلك بستين عامًا لم تتغير بالرغم من الثورات العربية فى منتصف الخمسينيات، فبالرغم من استمرار العدوان الصهيونى على الأمة فى فلسطين والأمريكى فى العراق وأفغانستان ،والروس فى الشيشان ،والهندى فى كشمير، والإسبانى فى سبتة ومليليه فى المغرب، وبالرغم من قيام حركات التحرر الوطنى بواجبها فى الخمسينيات والستينيات إلا أن المسلمين ما زالوا مصابين باللامبالاة والفتور، لذلك أتى محمد إقبال فيلسوف الذاتية تلبية لعهد قديم وفى وقته وزمانه.
والعشق ليس تقليدًا، بل إبداعًا، وهنا يبدو جانب التقليد والمحافظة فى فكر إقبال، فالتقليد ليس من أسماء العشق، بل العشق إبداع، ذلك كان كبار الشعراء والأدباء من العاشقين، ولا يكون العشق بتقليد الحبيب، بل بإبداعه كل يوم فى ثوب جديد.
ويرى «إقبال» أن حرية الفكر أمر إلهي، وليست من مكتسبات الحضارة الغربية، واستنبط الأحرار الحرية من القرآن فسادوا، ورضى القدريون بما يكرهونه استسلامًا لها.
كما يرى أن العالم ينبثق من الذاتية، ويرتبط بنسقها، فالعالم ينشأ فى الذات، حين الشعور به، والعالم الأكبر انبثاق من العالم الأصغر، ولا يتطابق معه كما هو الحال عند إخوان الصفا ،فالذات تأمر العالم فهو جزء منها، كما أن الأمة دون شريعة القرآن مثل كثيب من الرمال لا قوام لها، وتنهار بسرعة لذلك وضعت الشريعة للحفاظ على وجود الأمة وشريعتها القرآن، والشريعة الحقة تنبع من الفطرة، من القلب والضمير ،إذ يشرق الدين بالهداية والرشد كما يشرق الضحى بالنور، فلو تبدل الحلال حرامًا، والحرام حلالًا لغاب الضمير.
ويرى «إقبال» أن التقليد فى زمن الانحطاط أولى من الاجتهاد ، حفاظًا على التقاليد ،وتمسكًا بالسنن مثل عصره المملوء بالفتن والشرور، فاللجوء إلى الماضى خير سبيل لمقاومة الحاضر، والتقليد هو سبيل النجاة وجمع الأمة.
ويرفض إقبال التصوف من أساسه، ونقد التصوف موضع شائع فى كل الدواوين وخاصة « رموز نفى الذات» والكتابات النثرية لإقبال، فقد دفع التصوف المسلمين إلى الرضوخ والخنوع والاستكانة ثم العبودية، ويسأل إقبال: ماذا يأمل الإسلام من سلوك الصوفى ،الرضا بالفقر أم أن طيش الملوك أفضل؟ ويجيب الرومى بأن جنة الإسلام فى ظل السيف، وأن الجهاد سنامه ،وليس ما يطلبه الرهبان والصوفية من أمن الكهوف.
ويرى إقبال أن العودة إلى الماضى : شعر الرومي، ووحى جبريل هى الحل لمشكلات الأمة، فلا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها ، فالحنين إلى الماضى ثورة على الحاضر، فالحياة دون ثورة موت، والفكر دون غلبة انهزام .
ويتساءل: كيف يستعمر الغرب الشرق، وحضارة الغرب وافدة من الشرق؟، ويجيب: من الشرق فاض العشق والحسن على الكون، ومنه امتدت الفطرة فى العالم كله، منه تعلمت نهضة الأمم، وعرفت العلوم والفنون، رفع الشرق الحجاب عن الكائنات، ومنه أشرقت شمس الحضارة، فإذا كان الشرق أصل الغرب، فالشرق قادر على النهوض من جديد دون الذوبان فى الغرب .
وقد وجه إقبال اللوم إلى الأمة العربية الذين حملوا الرسالة، وبلغوا الأمانة، ولكنهم نسوا أداء الواجب والاستمرار فيه، فكيف يخاطب الهندوسى أمراء العرب، وهو يعلم أنهم تخلوا عن واجباتهم،وغابوا عن الساحة بعد أن كانوا من أوائل الأمم التى تهب لنجدة الغير.
لقد ماتت الأمة أربع مرات بسبب المرابي، والوالي، وشيخ الطريق، والشيخ، وهى السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية والسلطة الدينية بنوعيها الفقهية والصوفية لقد بيع العلماء فى سوق التجارة الرائجة بأرخص الأسعار، وتدخل المرابون، وتقامروا على الأديان.
ويدعو «إقبال» المسلمين إلى النهوض مادامت الدنيا قائمة وعوامل النهوض كما يرى: الفن والتربية والعلم والمرأة، ويشمل الفن التمييز بين الجلال والجمال، والفن والحياة، وأنواع الفنون: الشعر والغناء والموسيقى والتصوير والسينما، وتضم التربية روح العلم والإبداع وحرية الفكر. ويحتوى العلم على التمييز بين العلم المنقول والعلم الحي، بين علم العقل وعلم القلب، وتتجسد فى المرأة كل هذه المعانى من الجمال والفن والعلم والفكر والتربية.