الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سلوى محمد أم الشهيد مجند مصطفى خضر تفتح قلبها: لـ«روزاليوسف» : ابنى مات عريسًا ولبست الأبيض فى جنازته

سلوى محمد أم الشهيد مجند مصطفى خضر تفتح قلبها: لـ«روزاليوسف» : ابنى مات عريسًا  ولبست الأبيض فى جنازته
سلوى محمد أم الشهيد مجند مصطفى خضر تفتح قلبها: لـ«روزاليوسف» : ابنى مات عريسًا ولبست الأبيض فى جنازته




حوار ـ سلوى عثمان

 

نماذج تستحق التقدير والاحترام، قدمت الكثير من التضحيات، وكما نقول وراء كل رجل عظيم امرأة، كذلك وراء كل بطل شهيد أم أنجبته ليكون حارسًا لتراب الوطن، لم يبخلن بفلذات أكبادهن ليكونوا فداء لمصر ليسود الأمن والأمان بتصديهم لكل الجبهات التى تريد النيل من الوطن، ومحاربة الإرهاب داخليًا وخارجيًا.
«روزاليوسف» التقت أمهات وزوجات الشهداء ليسردن لنا بطولات وحياة ذويهم الشخصية ليقتدى بهم الشباب، ويتعلم سيرتهم الحميدة وعزمهم على مواجهة الصعوبات وتحقيق المستحيل حتى نيلهم الشهادة.

«ابنى الشهيد كان ضهرنا وسندنا بعد مرض أبوه. وكان نفسى يعيش لحد ما يفرح بعد سنين الشقى» تلك هى الكلمات التى بدأت بها سلوى محمد أحمد على حديثها معنا عن ابنها الشهيد مصطفى خضر سليم، كانت تتكلم وهى تبكى بحرقة، قالت: «ابنى مات عريسا، ولبست فى جنازته هدوما بيضاء، كنت وعدته بلبسها يوم فرحه».
«مصطفى» لم يكن مجرد شاب عادى اتجه لأداء واجبه الوطنى، بل كان مكافحًا، ساعد أسرته وعانها على تخطى الأوقات العصيبة ـ بحسب حكايات والدته لـ «روزليوسف» إلى أن وصل بها إلى بر الأمان.
حكاية الشهيد «مصطفى» ترويها أم البطل فى الحوار التالية.

■ قرّبينا أكثر من الشهيد «مصطفى»؟
- مصطفى ابنى هو أول فرحتى، اتولد ٢ مارس ١٩٩٣، لم أر فى جماله منذ ولادته، كنت أخاف عليه من الحسد، واهتم به اهتمامًا كبيرًا، فقد أدخلته مدارس خاصة، كان يحلم أن يصبح «صيدلى»، فقد حصل على المراكز الأولى فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ما يؤهله للالتحاق بالثانوية العامة، أسوة بأبناء أعمامه وعماته والذين يحتلون مناصب عليا. حينها حدث ما لم يخطر على البال، إذ مرض أبوه، العائل الوحيد للأسرة، وقرر الأطباء خضوعه لعملية «قلب مفتوح».
وفى هذه الأثناء كان الشهيد يقف بمفرده اثناء العملية بالقاهرة ولم يبلغ أحدًا من عائلته بمحافظة بورسعيد، واحضر سيارة الإسعاف لكى يسافر والده الى محافظته وكان عمره فى ذلك الوقت ١٥ سنة، وفرح والده به وقال له نصا: «انا خلفت راجل ضهر وسند ليا» وراح يحتضنه ويبكي.
لم يتمكن «مصطفى» من تحقيق حلمه بالالتحاق بالثانوية العامة، وصمم أن يلتحق بالتعليم الفنى الصناعى قسم «تبريد وتكييف»، ليستكمل طريق الكفاح معى بعد مرض والده، الذى كان يعمل مهن حرة لا توفر موردا ماليا ثابتا.
ولكى اتدارك الأزمة، حوّلت إحدى غرف شقتى المتواضعة إلى محل، استطيع أن أكسب منه لقمة شريفة، كان ابنى فى هذه الأثناء يرعى اخوته طوال فترة عملي، وكان الجميع يحسدوننا عليه نظره لأدبه وأخلاقه الرفيعة.
 ثم بدأت رحلة الكفاح الحقيقية للشهيد، فمصطفى لم يستمتع بطفولته مثل باقى الأطفال، كان أمرا مُرهِقا جداً ـ لطفل فى سنه ـ أن يتحمل العمل بثلاث وظائف فى وقت واحد، نهاراً فى الاستثمار، وبعد الظهر كان يعمل فى محل شنط، وفى المساء عمل فى تصوير الحفلات، وساعدنى كثيراً على سداد مصاريف عملية والده. ثم اشترينا محلنا الخاص، وساعدنى فى تهيئته وتجهيزه لدرجة انه قام باقتراض مبلغ لعمل افتتاح كبير لكى يدخل السرور على قلبى.
وعندما أتم «مصطفى» عامه التاسع عشر، وبالتزامن مع تفشى أعمال العنف والتخريب التى كان ينفذها أعداء الحياة من التكفيريين والمخربين، قدم ابنى أوراقه للجيش لأداء واجبه الوطني، وفِى هذا الْيَوْمَ التقى بجميع أصدقائه، فقال لهم أنا بحب مصر ونفسى أموت شهيد، فظلوا يمزحون انت بتتمنى الشهادة وأنت لسه أول يوم، ويبدو أن الله يومها استجاب له.
■ كيف كانت علاقة الشهيد بعائلته ومن حوله؟
- كان مرتبطا بأسرته وعماته وخالاته لدرجة أنه أيام الانفلات الأمنى كانت عمته تعيش بمفردها نظرا لسفر زوجها، أصر أن يكون بديلا عنه ويقوم بحماية بيتها وأولادها وكانت عمته فخورة به.
أما عن علاقته بأصدقائه فقد كان ابنى كما يقال بالمصرى «صاحب صاحبه»، فقد تعرضت زميلته فى العمل لازمة مالية اثناء تجهيزها للزواج فما كان منه إلا ان قام بجمع أموال من جميع الزملاء لمساعدتها وهى حتى الان تحفظ له الجميل حيث لا تتركنى بمفردى وتشاركنى جميع المناسبات الخاصة بالشهيد، سواء الذكرى الثانوية أو احتفالات عيد ميلاده وتقول لى «انتى أمى».
■ هل توقعت فى يوم ما أنكِ قد تصبحين أم شهيد؟
- كان قلبى منقبضا قبل استشهاده بأسبوعين، لقد شاهدت رؤية، حيث قالت لى جارتى بان ابنى نور تاه فقلت لها لا ابنى «مصطفى» مات، فظللت اصرخ فى الحلم لدرجة اننى عندما استيقظت كانت اثار الصراخ سلبية على احبائى الصوتية، وكأنه حقيقة فقمت مسرعة فاتصلت بوالده فى المحل لأعرف منه هل اتصل به «مصطفي» الْيَوْمَ، فاسرعت أنا بالاتصال به، ولاحظ أن صوتى متأثر وكلماتى متلعثمة، فقال ابني: «مالك يا سوسو حلمتى بايه؟ أنا كويس ما تخافيش عليه ابنك راجل».
■ ماذا عن آخر إجازة؟
- الإجازة الاخيرة (قبل استشهاده بأسبوع) كانت غريبة للغاية، حيث اصر على تجهيز وليمة كبيرة وان يتم دعوة جميع الاقارب خالاته وعماته وعمل جميع الأصناف التى يحبها من بينها ديك رومى ومكرونة بشاميل وفى هذا الْيَوْمَ قام بتوزيع كروت خاصة به مقرونة بصورته تحمل اسم ديلفرى كار (التاكسى السريع). فظللنا نضحك وقلنا له «محسسنا انك وزير» فقال: «انا احسن من الوزير الناس ماتقدرشى تستغنى عن سواق التاكسى».
فقد كانت احلامه كبيرة بعد حصوله على الدبلوم ان يقوم بفتح محل للموبايلات والكمبيوتر بجانب عمله كسائق للتاكسي، ابنى كان يعشق العمل فقد كان لآخر لحظة يستثمر إجازته، فلم يترك عمله كسائق للتاكسى أو تصوير الحفلات.
ومن المفارقات التى حدثت فى الإجازة الاخيرة قام بزيارة احد أصدقائه بالمقابر والذى استشهد قبله بعام وكانت المصادفة ان الفتاة التى تعمل معى بالمحل هناك فقابلت ابنى وقال لها «ما تنسيش قبرى هنا، وها اندفن فيه قريب، اوعى تنسى تقرا الفاتحة» فقالت له: «بعد الشر عليك انت لسه شباب، وإن شاء الله نشوفك عريس».
كانت هذه الواقعة يوم الجمعة واستشهد ابنى بعدها بيومين يوم الاثنين وفِى نهاية اجازته كنت انتوى ان أخطِب له، واخترت له العروسة بالفعل لكى يراها، ولكنه لم يلتق بها ولا مرّة، وقال لى مازحاً كعادته: «الإجازة الجايه هجيلك بعروسة زى القمر، احلى من اللى اخترتيها لي» وكأنه يقصد الحور العين فى الجنة.
وكان آخر ما قاله لشقيقه الأصغر «نور»: «احنا عايزين نشوفك دكتور كبير، اتعب واعمل اللى أنا ما عرفتش اعمله». شعرت فى كلامه بمرارة أحزنتنى جداً. فحاولت أن أُهوّن عليه وقلت له: «يا مصطفى أنا اتحايلت عليك تكمل دراستك عشان تبقى دكتور كبير»، فأجابني: «ما كانش ينفع أسيبك تِمَشّى المركب لوحدك يا أمي».
حتى عندما أردت تعويضه قليلاً عن طفولته التى لم يحياها كأقرانه من أبناء جيله، اشتريت له سيارة حديثة، لكنه رفض ركوبها تماماً مُعللاً موقفه بأنها رفاهية لم يأت أوانها.
وحانت اللحظات الاخيرة من الإجازة فقد قمت بتجهيز جميع الماكولات التى يعشقها وأثناء توديعه عرضت عليه أموالا فقال لى :يا سوسو أنا معايا ١٠٠ جنيه» وأضاف: «راضيه عنى انا ماشى بدعواتك يا امى» وكانت عيناه مليئة بالدموع فقلت له «قلبى وربى راضين عليك يا بن بطني» فضمنى وكأنه يكسر ضلوعى ويقبلنى من جبهتى فارتعش قلبى وشعرت بان هذا هو اللقاء الأخير.
■ ما الموقف الذى لن تنسيه مع الشهيد؟
عندما مَنّ عليّ الله باداء عمرة، كان وقتها فى الجيش، تمنيت من الله ان يكون بجوارى يومها ليصطحبنى إلى المطار، كانت كل الشواهد تقول انه مستحيل ان يكون بيننا، لكن فجأة وجدته امامى وقال لي: «ما ينفعشى تسافرى من غير ما اوصلك» وكنت أرتدى ملابس الإحرام فصمم ان نلبس جميعا ملابس بيضاء وقال لى «ان شاء الله ربنا هايكرمنى وأطلعك حج انتى ووالدي» فقلت له «يارب». ومازحته «انا يوم فرحك هالبس أبيض زى عروستك» فقال لى هاتلاقى مقاسك يا سوسو. (وهى تبكى بحرقة) عشان كده انا لبست ابيض يوم استشهاده لأنى وعدت ابنى انى هالبس ابيض وظللت ازغرد لازفه للحور العين.
■ هل تتذكرين الساعات الأخيرة للشهيد؟
اتصل بى قبل المأمورية وأوصانى على نفسى ووالده وإخوته وكان قد مر 9 أشهر على مصطفى فى الخدمة العسكرية، كان خلالها مثالًا للالتزام والخُلُق الحسن بين زملائه.
لم يكن مُرتباً لمصطفى أن يخرج هو فى المأمورية التى استُشهد فيها، حيث كان مكلفاً بها مجندٌ آخر من زملائه، لكن الاخير مرِض، فكلف ابنى فذهب برفقة ظابط وأربعة من زملائه المجندين لإحضار وجبات الطعام للكتيبة، كان مصطفى هو السائق، وفى طريق أبو صوير بالاسماعيلية، هجمت عليهم عِدة سيارات خاصة بالجماعات التكفيرية، وارتقوا جميعا إلى خالقهم بعد مناورة الإرهابيين ومواجهاتهم. ليسشهد مصطفى، ابن محافظة بورسعيد الباسلة، يوم 7 اكتوبر 2013.