الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

العداء السياسى ينفجر على الأراضى الروسية

العداء السياسى ينفجر على الأراضى الروسية
العداء السياسى ينفجر على الأراضى الروسية




كتب - وليد العدوى

 

كما كان متوقعًا، وكعادة كل مونديال، اخترقت السياسة حواجز الساحرة المستديرة مجددا، وظهرت أول ملامح الاختراق فى روسيا بمباراة سويسرا وصربيا ضمن المجموعة الخامسة، وكأن الدور الأول بات لأصحاب الأغراض غير التنافسية فى كرة القدم، وإلا ما تفرغ لاعبا سويسرا جرانيت تشاكا وزميله شيردان شاكيرى صاحبا هدفا فوز سويسرا المثير على صربيا (2-1) لإشارات سياسية، كونهما ضمن مجموعة لاعبين فى تشكيلة سويسرا لهم أصول من كوسوفو التى عانت وعاشت سنوات من الحرب وعدم الاعتراف بالاستقلال من قبل صربيا، إلا أن إقليم كوسوفو انفصل قبل عشر سنوات.

الثنائى تشاكا وشاكيرى احتفلا سياسيا بهدفهما بعمل شعار النسر وهو يرمز إلى الشعار الذى يحمله علم دولة ألبانيا، خاصة أن شاكيرى وتشاكا من أصول ألبانية اضطرت عائلاتهم إلى الهروب من العدوان الصربى إلى سويسرا، ويكن الثنائى تشيكا وشاكيرى حالة من العداء السياسى لصربيا، حيث سبق أن تعرض والد الأول للسجن ثلاث سنوات فى السجون الصربية، كما أن زميله شاكيرى احتفل بتسجيل هدفه الثانى أيضا بنفس الطريقة، بل أيضا ظهر وهو يرتدى حذاء عليه علم سويسرا وآخر ألبانيا، نظرًا للأهمية السياسية للمباراة التى شهدت تفوق سويسرا صاحبة النقاط الأربع مع البرازيل فى المجموعة.
سبق وشهد مونديال 1998 بفرنسا وقوع المنتخبين الإيرانى والأمريكى فى مجموعة واحدة، وأطلق رئيس الاتحاد الأمريكى لكرة القدم عليها لقب «أم المباريات»؛ بسبب الوضع السياسى المتوتر بين الدولتين منذ الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 وإلى يومنا هذا، مباراتهما بكأس العالم 98 كانت محط أنظار وترقب، رغم أن المنتخبين لم يكونا من القوى الكبرى بالبطولة، لكنها كانت مباراة سياسية أكثر منها رياضية.
المنتخبان لعبا بالجولة الثانية فى مدينة ليون، وكانت إيران قادمة من خسارة أمام يوغوسلافيا، وأمريكا قادمة من خسارة أمام ألمانيا، إحدى أولى الأمور التى كان على الفيفا التعامل معها هو أى المنتخبين سيسير للسلام على الآخر بعد النشيد الوطني، لأنه وقتها كان المنتخب الأمريكى مسجلا كالمنتخب (أ) والإيرانى المنتخب (ب)، ومن المفترض أن لاعبى إيران يسيرون للسلام على منافسهم، لكن المسئولين الإيرانيين رفضوا، وكان على الفيفا إقناع أمريكا بتبديل الأدوار، وهو ما حدث، لكن هذا لم يكن كل شيء، حيث كانت هناك مجموعة إيرانية تسمى «مجاهدى خلق»، وهى حركة معارضة للنظام الإيرانى قد حجزت 7000 تذكرة استعدادًا للتظاهر داخل الملعب، وكان من الصعب على الفيفا السيطرة عليهم تماما وسط ما يقارب الـ40 ألف متفرج، لذلك عمل المنظمون على تحديد أماكن جلوسهم وتجنب إظهار لافتاتهم أو شعاراتهم على شاشات التلفزيون، المنتخبان على أى حال لم يكن لديهما أى نية لإدخال الأمور السياسية بالمباراة فتبادلا السلام وأخذا صورة تذكارية معا قبل اللقاء ومن ثم خاضا 90 دقيقة بمنافسة شريفة، لكن بمزيد من الحماس الوطنى بكل تأكيد، المنتخب الإيرانى تقدم بالشوط الأول برأسية حميد إستيلي، وأضاف مهدى مهدافيكيا الهدف الثانى بالدقيقة 84 وقلص برايان مكبرايد النتيجة لأمريكا بآخر الدقائق، لتسجل إيران أول فوز لها بكأس العالم وتنطلق الاحتفالات بالشوارع الإيرانية، فيما اعتبروه نصرًا معنويًا على أمريكا وليس فقط على منتخبها.
أيضا اختلط الأعداء التاريخيون وأصدقاء الحاضر، الفرنسيون والألمان، بحرية وصداقة على طول الحدود بين البلدين، فى وقت تطلع فيه كل جانب إلى مباراة الفريقين فى الرابع من يوليو2014 بدور الثمانية لمونديال البرازيل الأخير، حيث شاهد المشجعون فى ألمانيا وفرنسا مباريات كأس العالم سويا على الحدود بين البلدين، حيث رفرفت أعلام البلدين جنبا إلى جنب، لكن مباراة «المانشافت» مع «الديوك الفرنسية» وضعت هذه الصداقة موضع اختبار، ففى المنطقة الحدودية من حوض نهر الراين العلوى جنوب ولاية بادن فورتمبرغ الألمانية، تمكن المشجعين من كلا الجانبين من مشاهدة المباراة سويا، وبذلك انضمت كرة القدم إلى لائحة الأنشطة العابرة للحدود التى تتضمن التسوق والعمل والحفلات، كما علق العديد من المشجعين الفرنسيين فى المنطقة الحدودية أعلام البلدين على سياراتهم، فيما رفع البعض أيضاً علم البلدين على منزله.
القدر بات رحيما إلى أبعد الحدود، بعد أن وضعت القرعة المنتخبات المتناحرة سياسيا بعيدة عن بعضها البعض فى دور المجموعات، ففى المجموعة الأولى يتواجد منتخبات قريبة سياسيا وفكريا بين قادتها ويطلق عليها أحيانا دول التحالف فى المنطقة وهى السعودية ومصر تارة ومصر وروسيا تارة أخرى بجانب أوروجواي، لتبتعد إيران عدو السعودية ومصر عن المجموعة، حيث ترتبط إيران بخلافات قوية مع الدولتين لدعم إيران الإرهاب فى الشرق الأوسط، حيث أنها تأوى جماعة الحوثى فى اليمن ضد الحكومة الشرعية مما أدى إلى دمار اليمن، كما ارتبطت ايران بمنظمة حزب الله اللبنانى المدرج على قوائم الإرهاب فى مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن علاقة إيران بقطر مستضيف مونديال 2022 والغائب عن مونديال روسيا، ليتواجد الشيطان الأعظم إيران فى المجموعة الثانية المجاورة بجانب دول لا تجمعها بها صدامات مثل إسبانيا والبرتغال وحتى الدولة العربية المغرب لا يتوافر معها أى حوار سياسي.
مصر والسعودية خرجا من الدور الأول وبات لقاؤهما المنتظر فى الجولة الثالثة تحصيل حاصل، بينما لم تخرج إيران عن المجموعة الثانية لما لها من رصيد ثلاث نقاط ولها حظوظ وفرص ، رغم وجود العملاقين إسبانيا والبرتغال، ولو تأهلت إيران وكان لمصر أو السعودية فرص التأهل لحدث صدام كروى مغلف بالأجواء السياسية فى دور الـ16، لكن نتائج الأشقاء فى المجموعة الأولى وفرت الجهد المهدر نحو مواجهة غير مرغوبة، وتعد المجموعة الثالثة هادئة وتضم استراليا وفرنسا والدانمارك وبيرو، أما مصدر توتر المجموعة الرابعة التى تضم الأرجنتين ونيجيريا وأيسلندا وكرواتيا فمتمثل فى الأخير الذى ابتعد عن صربيا دون أن يتناسى العالم الحرب التى دارت رحاها فى عام 1991 واستمرت 4 أعوام لتنتهى فى عام 1995، والتى سميت بحرب الاستقلال الكرواتية، حيث بدأت الحرب بين قوات الشرطة الكرواتية والصرب القاطنين فى جمهورية كرواتيا، ومع قيام الجيش الشعبى اليوغوسلافى بزيادة التأثير الصربى فى بلجراد دفعوا الصرب داخل كرواتيا إلى القتال، بينما تواجدت صربيا فى المجموعة المجاورة الخامسة بجانب البرازيل وكوستاريكا وسويسرا.
وتشمل المجموعة السادسة كوريا الجنوبية وألمانيا والسويد والمكسيك، وهنا تبتعد كوريا تماما عن اليابان، رغم العلاقات الدبلوماسية الجيدة التى تجمع البلدين حاليا على خلفية وجود عدو أخر متمثل فى كوريا الشمالية، إلا أنها علاقات محفوفة بالتوتر الدائم منذ الحرب العالمية، أما المجموعة السابعة فتضم تونس وبلجيكا وإنجلترا وبنما، وأخيرا فى الثامنة السنغال واليابان وكولومبيا وبولندا، لتبقى أثاره مرهونة بتأهل وصعود أى دولة متنازعة سياسيا أمام أخرى فى الأدوار الإقصائية، وهو الأمر المستبعد حدوثة؛ بسبب تواضع مستوى المنتخبات المتناحرة سياسيا، حيث لا تتوافر فيها مقاومات المنافسة بقوة بما فى ذلك البلد المنظم روسيا.