الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«روزاليوسف» تنفرد بكشف كواليس صب تمثال «على ضفاف النيل» لـ«مختار»

«روزاليوسف» تنفرد بكشف كواليس  صب تمثال «على ضفاف النيل» لـ«مختار»
«روزاليوسف» تنفرد بكشف كواليس صب تمثال «على ضفاف النيل» لـ«مختار»




كتبت : سوزى شكرى - ابتهال مخلوف

 

استكمالاً لمن نشرناه فى صفحة الثقافة بجريدة “روزاليوسف” اليومية فى 9 أغسطس 2017 حول اقتناء الشيخ «سلطان سعود القاسمى» مؤسس «بارجيل للفنون بالشارقة» لتمثال «على ضفاف النيل» لرائد النحت المصرى المثال «محمود مختار» (1891- 1934) بقيمة 725 ألف جنيه إسترلينى وهو ما يعادل حاليا 18 مليون جنيه مصرى وذلك بمزاد «سوثبي» بتاريخ (20 ابريل 2016)، هو تمثال من البرونز ارتفاعه 119 سم- يعبر عن امرأة تحمل جرة ماء على رأسها.
 أقام محامو «القاسمى» دعوى قضائية ضد قاعة «سوثبى - لندن» طالب بعد اقتنائه التمثال التأكيد من تاريخ صب التمثال من مسبك Susse Freres باريس وهو أقدم ورشة لصب التماثيل فى فرنسا وسبق للمثال محمود مختار صب منحوتاته بباريس، وكشفت تقارير المسبك التى حصلت “روزاليوسف” على نسخة كاملة منها أن تاريخ صب التمثال تم عام 1939 أى بعد موت الفنان، أن العلامات على التمثال تدل على أنه النسخة السادسة، وكان لها أمر تشغيل بالصب فى المسبك بتاريخ 17 /1/1938، وتم الصب بتاريخ 20 /1/1939، دخل مخزن المبيعات بالمسبك بتاريخ 14/3/1939، وبهذا التقرير حسم جزء من القضية أن ما ذكرته «سوثبى» بالكتالوج عن التمثال يتعارض ومخالف تماما للحقيقة، بالإضافة إلى اختلاف القيمة المالية حول تمثال تم صبه فى حياته الفنان وتمثال تم صبه بعد وفاة الفنان، وبحسب ما طالب به محامو «القاسمى» أنه من المفترض أن تصل قيمة التمثال إلى 70 ألف جنيه استرلينى فقط، أى عشر المبلغ الذى دفعه المقتنى، وزعمت دار مزادات «سوثبى» أنه كان هناك بعض الغموض فى المراسلات مع ورشة مسبك التمثال بشأن التاريخ المدون عليه، خاصة مع غياب السجلات بشأن تاريخ التمثال.
وبعد مرور عام من الجدل حول القضية طالبت  المحكمة من قاعة مزاد «سوثبى»  ضرورة الكشف عن هوية صاحب التمثال، ومن الذى قدمه وطرحه للبيع فى المزاد.
الكشف عن هوية صاحب نسخة التمثال
ومن المفاجآت الجديدة فى القضية نشرت صحيفة «الديلى تليجراف» البريطانية عبر موقعها الإلكترونى مؤخراً تقريرًا عن أزمة تمثال للفنان محمود مختار تم بيعه فى مزاد لدار «سوثبى» عام 2016. تقدم «القاسمى» بشكوى قضائية ضد «سوثبى» متهمًا إياها بتضليله بالنسبة لتاريخ عمل التمثال، الذى أعلنته الدار فى كتالوج المزاد، ما يجعل قيمته تقل عشرة مرات عن المبلغ الذى رسا عليه المزاد.
وظهرت معلومات جديدة فى القضية المعروضة أمام المحكمة العليا ببريطانيا، مفادها أن وسيط عملية بيع التمثال هى وكيلة بيع الفن والتحف «نسرين فراج» وهى تاجرة تتخذ من نيويورك وماربيا مقرًا لنشاطها، وهى فى ذات الوقت والدة «مى الديب» التى تعمل كمستشارة فى فريق مبيعات دار «سوثبى».
وقد دفع الفريق القانونى الخاص بسعود القاسمى أن صلة القرابة تتناقض مع ميثاق العمل فى دار «سوثبى» لما يمثله من تضارب فى المصالح علما بان بعض بنود ميثاق العمل بمؤسسة «سوثبى» تنص على أنه يمكن للعاملين فى «سوثبى» للتقدم بعرض للمزايدة إذا كانوا لا يعلمون السعر الأدنى للعمل المتفق عليه الذى يقبله البائع، وإذا كان هناك شخص لديه علاقة  قرابة أو صلة مع مالك العمل الفنى أو سوف يستفيد من نتيجة المزاد أو ينوى المزايدة فى المزاد، فيجب عليه إصدار إعلان عام بهذا المعنى قبل البيع . وفى حالة تمثال «على ضفاف النيل» لم تصدر «مى الديب» هذا الإعلان.
وقد توجهت صحفية «الديلى تليجراف» بسؤال لمى الديب للحصول على تعليقها على ما كشفت عنه وثائق المحاكمة إلا أنها رفضت التعليق .
وفيما يتعلق بالتهمة الأصلية ضد «سوثبى» المتعلقة بالتضليل فى تاريخ التمثال،  المتعلقة بتأريخ النحت وقيمته، قال متحدث باسم الدار لصحيفة التلجراف: «سندافع بقوة عن موقفنا ونثق فى أن المحكمة ستصل إلى أن  الادعاءات ضدنا باطلة».

اشكالية قانونية وتعارض مصالح
الباحث والمحامى فـى مجالى الملكية الفكرية وقانون سوق الفن «ياسر عمر أمين» علق على مستجدات ذلك النزاع القانونى قائلاً: المحكمة قد طلبت الكشف عن هوية مودع التمثال محل البيع لدى دار سوثبى، باعتبار أن هذا الأمر قد يكون له تأثير حيوى فى مجريات القضية. وبالكشف عن هوية مودع التمثال اتضح أنها السيدة نسرين فرج (تاجرة لوحات وتحف فنية)، وهى فى ذات الوقت والدة السيدة مى الديب التى تعمل كـ «استشارية» بدار سوثبي. وعليه، فإن الإشكالية القانونية المطروحة أمام المحكمة باتت لا تتعلق ببعد واحد فقط، وهو معرفة مدى إخلال دار سوثبى بالتزاماتها، من خلال الإشارة فى كتالوج البيع إلى تاريخ غير دقيق لعملية صب التمثال، مما أدى بدوره إلى تضليل المشترى بل تجاوزت التظليل إلى أبعاد أخرى، تتمثل فى طبيعة التعارض بين المصالح والناتج عن علاقة البنوة، وما مدى تأثير صفة الابنة مى الديب المهنية على إتمام عملية البيع؟ وهل يوجد ما يدل على أن هناك تدخلًا مباشرًا أو غير مباشر فى عملية المزايدة على التمثال من عدمه، وإن كان، فما مدى توافق ذلك مع قواعد سوثبى الداخلية التى تحكم مزايدة الموظفين؟
وبالرجوع إلى تقنين أو مدونة السلوكيات المهنية (قواعد السلوك وأخلاق المهنة) الخاصة بدار سوثبى، نجد أن المدونة قد أوجبت على منتسبيها ضرورة تجنب حدوث أدنى تضارب أو تعارض بين المصالح بعضها البعض، والذى قد ينشأ بدوره من قِبل موظف نتيجة لوجود مصلحة شخصية له، قد تتعارض أو تتداخل بشكل أو بآخر مع مصالح دار سوثبى من جهة، ومقتضيات الوظيفة من جهة أخرى. ويتجلى الأمر جليًا – على سبيل المثال – حينما يَشرع أحد موظفى الدار أو أحد أفراد أسرته المباشرين فى بيع أو شراء أى عمل فنى قد يكون من شأنه خلق نوع من التعارض أو التضارب بين المصالح، سواء كان هذا الأمر حاليًا أو مستقبليًا.
وكون السيدة مى الديب تعمل كـ «استشارية» بدار سوثبي، فهو أمر يستوجب بالضرورة خضوعها لذلك التقنين، الذى يسرى على جميع موظفى الدار فى كافة أنحاء العالم، وكذا أعضاء مجلس الإدارة، والاستشاريين، والأطراف الثالثة الأخرى تلك التى تمثل دار سوثبى كما ورد صراحة فى التقنين، ومن هنا، كان لابد من أن نطرح سؤالًا مفداه: كيف وافقت دار سوثبى على بيع تمثال مملوك لوالدة الاستشارية/ مى الديب دون ضمانة حيادية بما يتعارض مع تقنين الدار وأخلاق وسلوكيات المهنة؟ ومن ثم، فإنه يتبادر لنا القول بأن خرق وانتهاك مثل هذا التقنين من شأنه أن يرتب مسئولية قانونية على عاتق الدار، بل مساءلة الموظف عن سلوكه غير المهني.
وترتيبًا على ذلك، فإنه يمكن تقرير المسئولية القانونية لدار سوثبى - من وجهة نظرنا - نتيجة لإخلالها بالتزاماتها، وذلك على مستويين:
أولهما: من حيث الإشارات الواردة فى كتالوج البيع: فإنه يقع على عاتق دار سوثبى – كما هو متعارف عليه فى قانون سوق الفن – «التزامًا ببذل العناية» المنوط بها عناية ودقة الرجل المعتاد، باعتبارها من مهنى سوق الفن. والمعنى أنه يقع على الدار عبء إثبات اليقظة والتبصر من خلال حرصها التام على استخدام كافة الوسائل المتاحة واللازمة للتأكد من صحة التمثال (كالفحص الدقيق للتمثال، أو اللجوء إلى الدراسات العلمية والفنية...). وعليه، فإن الواقعة الماثلة أمامنا تؤكد أن دار سوثبى قد ارتكبت خطأً مهنيًا تمثل فى إهمالها، ذلك حين نست أو تناست أن تقوم بعمل فحص علمى للتمثال من خلال العودة إلى مَسبك سوس Susse Fondeur فى تاريخ سابق على عرض التمثال للبيع بالمزاد فى 20 أبريل 2016.
ومما يؤكد ما سبق، أن محكمة النقض الفرنسية فى حكم لها بتاريخ 25 فبراير 1992 اعتبرت أن خبيرًا - كونه مهنى حذر - قد أخطأ حينما عرض تمثالًا برونزيًا للنحات رودان Rodin كعمل أصلى صُبَّ فى أتيليه رودييه Rudier دون أن يبذل أدنى جهد أو بحث لتحديد مصدر التمثال أو صحته. وبمضاهاة ما حدث من دار سوثبى مع هذا الحكم السالف، يتأكد لنا أن الدار قد وقعت فى ذلك الخطأ، حينما تجاوزت تقنينها السلوكى الذى ينص صراحة على أنه يجب أن تكون الدار على يقين تام من أنها قامت ببذل أقصى مستوى من العناية الواجبة Due Diligence قبل عرض الشيء المبيع بالمزاد، وذلك لإثبات الصحة، والتأكد فى ذات الوقت من أنه لا توجد أدنى عقبات قانونية معروفة قد تحول دون بيع الشيء أو انتقال ملكيته.
ثانيهما: من حيث الإخلال بالتقنين السلوكى لدار سوثبى: انطلاقًا من التقنين الذى يحكم الأصول المَرعية فى المعاملات والتعاملات فى سوق الفن، كان ينبغى أن تعمل دار سوثبى على تجنب وجود تعارض بين المصالح، حتى يتمكن الموظف من أداء واجباته بشكل موضوعى وفعال وحيادي، دون الإخلال بمقتضيات وظيفته. لذلك فإن الواقعة الماثلة أمامنا قد تشكل بوضوح خروجًا عن نطاق السلوك القويم، الذى كان يتعين على الدار ومنتسبيها توخيه حال ثبوت المخالفة. ومن هنا يجب أن نلحظ أن الخطأ الموجب للمسئولية المدنية يمكن أن يؤسس على اعتبارين: الأول هو وجود رابطة عقدية بين دار سوثبى والمشتري، يمكن أن نستخلص منها إخلال الدار بشروط البيع التى تحكم المزاد.
الثانى حول المسئولية التقصيرية التى تنصرف – فى هذه الحالة – إلى وجود «خطأ» كركن لها، تمثل فى الإهمال من قِبل دار المزادات، ووجود «ضرر» أصاب المشترى.