السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد نوار: الرسم أبو الفنون

أحمد نوار: الرسم أبو الفنون
أحمد نوار: الرسم أبو الفنون




حوار: سوزى شكرى

حمل الفنان التشكيلي الدكتور أحمد نوار على عاتقه البحث عن هموم وقضايا الحركة الفنية، فهو قامة فنية كبيرة وأستاذ جامعى  معلم لأجيال سابقة ولاحقة، المقاتل والمحارب والقناص الذي شارك كمقاتل في حروب يونيو1967 وخلال حرب الاستنزاف، يزعجه التهميش والتجاهل الإعلامى للفن التشكيلى ويعتبرها جريمة قومية وقع فيها وزراء الثقافة بعد ثورة يناير، تقلد العديد من المناصب القيادية بوزارة الثقافة وحقق فيها انجازات فنية وثقافية يصعب حصرها، يتمسك دائما بمطالبات تخص مستقبل الحركة الفنية والفنانين مثل أهمية فن الرسم كفن مستقل، وطرح العديد من الحلول للقضايا المعلقة بالفن والفنانين من واقع تواجده كرئيس لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الاعلى للثقافة مثل أهمية عدم إغلاق المتاحف بلا مبرر واضح، توقف الفعاليات الدولية الهامة مثل البيناليات والترينالات.. التقينا بالفنان د.أحمد نوار وتحاورنا حول العديد من القضايا بدأناها معه حول معرضه الأخير بجاليرى العاصمة الذي كان بعنوان «رسوم الحجاز والصين»، تحدثنا أيضا عن أزمة فن الرسم، وانخفاض مستوى طلاب كلية الفنون الجميلة فى فن الرسم، قاعات العرض الخاصة وما سببته من تهميش للرسم وغيرها من القضايا.

■ معرضك الأخير كان بعنوان «رسوم الحجاز والصين «.. حدثنا عنه؟
المعرض مكون من مجموعتين (رسوم الحجاز والصين) وهما 38 لوحة، يربطهما تقنية الرسم بالأبيض والأسود ومنفذة بأقلام فلوماستر على ورق، رسوم «الصين» رسمها أثناء رحلتى للصين عام ٢٠١٣ بدعوة من الحكومة الصينية لمجموعة من الفنانين العرب، وقمنا هناك بالعديد من الزيارات الميدانية لبعض المناطق والآثار القديمة بالصين، ورسمت هذه المجموعة المعروضة من الطبيعة الصينية، كما قدمت ورشة عمل أنجزت فيها عملا رسم خصيصاً ليعبر عن نهضة الصين، وأطلقت عليه عنوان «نهضة الصين» وبعد الانتهاء من عرض الأعمال مع مجموعة الفنانين أهديت لوحة «نهضة الصين « إلى وزارة الثقافة الصينية، وتم عرضها بأحد المتاحف،وتجولت عروض الأعمال فى بعض مقاطعات الصين، كما جولات عروض خارج الصين.
أما المجموعة الثانية رسوم «الحجاز» رسمتها ما بين ٢٠١٥- ٢٠١٦ وذلك بعد رحلة سفارى بقلب صحراء المملكة، ارض الحجاز منحتنى إحساسا بالتصوف والروحانية والجبال بارتفاعاتها وتداخلاتها يبعث منها طاقة نور تحاكى المشاعر، اللوحات مشاهد من الطبيعة لأرض الحجاز ومنطقة «منا « ومشاهد من مناسك الحج، منطقة جبل عرفات فيها سحرغامض، ومضات من الضوء تحتضن الجبال، انسيابية المشهد ملهمة حتى أغصان الأشجار بالمكان تلقى ظلالا خاضعا لروحانية المكان، وأيضا رسوما عن مجموعة «قلاع» الحجاز القديمة متواجدة فى صحراء جدة منطقة ثرية جبال عمارة قديمة تقترب من عمارة القاهرة الفاطمية.
الرسوم تكوينات مركبة جمعت ما بين الذاكرة البصرية بالإضافة إلى معايشتى ورؤيتى وقراءتي البصرية الخاصة التكوينات حالة تحرر المكان من كل الإضافات المعاصرة فأصبحت الرسوم تمثل واقعى الذاتى الوجدانى للمكان.
■ منذ فترة وأنت تعود للرسم فى معارضك الخاصة وفى مشروعاتك مثل «مسابقة نوار للرسم»، ثم أطلقت «صالون القاهرة للرسم».. ما هى أهدافك؟
لم اترك الرسم منذ بداية مشوارى الفني إلى هذه اللحظة، منذ الستينيات وعرضت الرسم فى محافل دولية 1965 – 1966 رسمت بالحبر الشينى وعلى الخشب بالأحبار، وأنا فى سنة ثالثة عام 1966رسمت لوحة « إرادة إنسان» عن السد العالى وحصلت على الجائزة الأولى فى معرض الطلائع، وفى مرحلة البكالوريوس 1967 رسمت لوحة 30 مترا بالقلم الرصاص،  1967-1968 رسمت لوحة عن المقاتل المصرى بعنوان» استعداد وترقب» وشاركت بها فى بينالى فى اسبانيا وحصلت على جائزة الأولى فى البينالى بعملى الفنى رسم.  
لابد أن نعيد للرسم دوره الجوهرى فى نضج وإبداع العمل الفنى، الرسم هو أساس كل الفنون، العمود الفقرى الذي يبنى عليه الفنان إبداعه بثقة واتزان، وللرسم أهمية فى مجالات الفنون  نحت – خزف – جرافيك – عمارة – تخطيط عمرانى-  طباعة وغيرها، حتى علماء الفلك والأطباء أيضا يرسمون ويحددون مكان الجراحة.
■ ما رأيك فى مستوى طلاب كليات الفنون فى فن الرسم؟
مع الأسف طلاب كليات الفنون الجميلة على مستوى محافظات مصر ضعاف فى الرسم وهذا يرجع إلى أنهم يخوضون اختبار القدرات للفنون بسبب مجموعهم فى الثانوية العامة، مستواهم الفنى والثقافى لا يرتقى لقبولهم بكليات الفنون نهائياً، نسبة الموهوبين لا تتعدى 2% تقريبا.
المشكلة الأساسية فى نوعية الطالب نفسه، الأستاذ يبذل مجهودا فى التدريس والطالب مجهودا اقل، الطالب يكتفى بأن يقدم عملا للنجاح، وقليل جدا من الطالب ما يقدم عملاً فنياً حقق ذاتيا وله شخصية، ومن واقع إيمانى بأهمية الرسم قدمت ورش عمل حضرها 100 طالب وشرحت تقنية الرسم بأقلام الفوماستر، ولكن مع الآسف الشباب فاقد الحماس رغم تشجيعنا الدائم لهم ولا نبخل على الشباب بالخبرات. تهميش تعليم الرسم فى المراحل التعليمية الثلاثة بدءا من الابتدائي إلى الثانوى أحد الأسباب المباشرة فى ضعف مستوى الطالب.
■ قدمت «مسابقة نوار للرسم» فى دورتها الأولى والثانية، هل حققت أهدافها؟
تقدمت بمبادرة مسابقة الرسم بهدف تأسيس أجيال جديدة تثمن على مسيرة الحركة الفنية المصرية والتأسيس على مرجعية علمية صحيحة فنية فلا سبيل لذلك إلا أن يكون فن الرسم هو أهم الخطوات الداعمة.
كشفت الدورة الأولى فى  كلية فنون جميلة بالمنصورة عن مواهب مبشرة لوحاتهم قوية التعبير والأداء والصياغة جمعت لوحاتهم بين اتقانهم للرسم مع تحقيق ذاتهم وشخصيتهم وتميزيهم وسوف نكمل الدورة الثانية فى كلية فنون جميلة الأقصر وسوف نكمل جولات مبادرة الرسم فى أسيوط المنيا إسكندرية والقاهرة وغيرها.
والدورة القادمة بالأقصر سوف يحضر الفائزون من دورة المنصورة بالإضافة إلى ضيوف شرف من الفنانين الذين شاركوا فى صالون القاهرة للرسم للتواصل الأجيال والدعم والتشجيع، والتمرس على مزاولة فن الرسم كفن مستقل، ومعرض الطلائع الدورة القادمة سوف تخصص للرسم.
■ هل كان لقاعات العرض الخاصة دور فى تهميش الرسم كفن مستقل؟
بالتأكيد لها دور فى تهميش الرسم والحفر( الجرافيك الأعمال الفنية المطبوعة)، فى أمريكا واوربا تسويق أعمال الرسم والجرافيك تحقق مكاسب ويسر فى عملية التسويق ويبحثون عن الرسامين والجرافيكيين وأعمالهم المطبوعة كأنهم يبحثوا عن مناجم معادن ثرى القيمة، فى القاهرة بعض القاعات الخاصة تلزم بعض الشباب بنوعية محدودة من الأعمال واتجاهات محدودة والعمل الفنى إذا تم بناء على تعليمات فقد مصداقيته.
■ هل يكفى طرح مسابقة الرسم ومعارض الرسم للتصدى لتهميش القاعات الخاصة له؟
الأزمة تكمن فى أن القاعات الخاصة تدعى ان هذه النوعيات من الاتجاهات رائجة فى التسويق وليس لديهم بانوراما فكرية فى التسويق افسدوا بعض الشباب واضعفوا مستواهم  إلى ما نراه الآن، ومع ذلك وعلى النقيض تماما فى قاعات خاصة تطلق للفنانين حرية الاختيار وتدعمه وتسانده ولا تفرض عليهم الفكرة أو الأسلوب الفنى  قاعات جادة تقدم فنانين لهم مستقبل مميز.
 المسئولية تقع على المؤسسات الرسمية المعينة قطاع الفنون التشكيلية وكليات الفنون الجميلة أعضاء هيئة التدريس لابد ان يوضع لفن الرسم برامج خاصة وفعاليات مستمرة وخطط.
■ انت صاحب اختيار فن الرسم لصالون القاهرة فى الدورة 58 فما سبب اختيارك له؟
طرحت فكرتى للصالون فى تخصص هذه الدورة لفن الرسم. فكرتى لها أسباب كثيرة السبب الأول أن ظهرت فى الحركة الفنية التشكيلية نوعيات كثيرة من الأعمال واللوحات اختلط فيها الفن الجيد مع الغير جيد وظهر هواه ليس لهم علاقة بالفن، هذا الخلط أحدث ارتباك  في رؤية المشهد العام للحركة الفنية المعاصرة ويحتاج هذا منا إلى تنقية المشهد من الشوائب، باللغة العامية البسيطة البليغة توجد أعمال ليست إلا «سمك لبن تمر هندى» قدرا كبيراً من المغالطات والادعاءات والترويج إن ما يقدمونه فناً جيدا.
 والسبب الثانى لكى نعيد إلى أذهان الشباب وطلاب كليات الفنون الجميلة والفنانين أهمية فن الرسم فى البناء التشكيلى، وهذا البناء يدعم الفنان فى اتجاهاته الفنية التجريد أو الاختزال فى العنصر لا يتم إلا بدون دراسة التفاصيل حتى يصبح التجريد مبنى على جماليات وليس مجرد  حذف واختزال بدون مضمون، رواد الفن فى كتب تاريخ الفن أمثال موندريان ومراحل رسوماته بدءا من الكلاسكيات إلى التجريد، سلفادور دالى بيكاسو وغيرهم أوصلهم اتقانهم لفن الرسم إلى الإبداع الذى لا يمحو بل يدرس للأجيال.
■ اعتذر عدد من الفنانين المرشحين عن المشاركة فى صالون القاهرة للرسم.. ما السبب من وجهة نظرك؟
هناك فنانون معروفون فى الحركة الفنية غير مؤمنين أن فن الرسم فن قائم بذاته ومستقل ومستمر، رغم أنهم يعلمون انه البداية الصحيحة لكل مجالات الفنون وإتقانه ييسر الإبداع ويجعل الفنان يستطيع ان يحور ويختزل ويضيف ويتفاعل مع كل مراحل تطور الصياغة والمعالجة على مسطح اللوحة، وعدم إتقان الفنان للرسم يجعل المنتج الفنى عمل مشوه البنية وفقير المحتوى.
ابتعاد الفنانين عن الرسم  قصور فى أدوات الفنان، ورفع شعارات بعدم أهمية الرسم من قبل بعض أساتذة الفن بالكليات الفنية اعتبر هذا التصرف من الأساتذة انحراف عن تعليم أصول الرسم.
■ بعض المشاركين فى صالون القاهرة للرسم قدموا رسوما ملونة وبالتالى لم تعد رسما.. ما تعليقك؟
 هذا سؤال مهم وأجيب بكل صراحة وبدون مجاملة هذه الإعمال الملونة تجاوز واضح وخطأ فى ضوء فكرة صالون القاهرة للرسم والمتفق عليها،  لذا تم عرضه منفصلة عن باقى الأعمال المشاركة، عرضت هذه الأعمال منفصلة عن باقى العرض ليس تقليلا من شأن أحد بل لأنهم جميعا تجمعهم أفكار أخرى مخالفة لفكرة الصالون، لذا كان يجب أن يشارك بالصالون من اقتنع بفكرة الصالون فقط  ومن لا يعجبه الفكرة يعتذر ويعلن رفضه، فالفنان حر فيما يقدمه من أعمال فى معرضه الخاص ولكن فى المشاركات الجماعية تلتزم بشروط ومعاير استمارة المشاركة.
■ وهل حقق صالون القاهرة للرسم نتائجه؟
 النتائج كثيرة منها تأثر الفنانين لصالون القاهرة للرسم ومنهم الآن من يعد معرضا خاصا للرسم، الفنانون قدموا أعمالا خاصة للصالون وليست أعمالا معدة سابقا مثلما يقدمونها للمعرض العام،الصالون فجر قضية الرسم بعد أن أغلق عليها سنوات وفخور بالفعالية بكل ما فيها، ووصلنى ردود فعل من دول عربية أشادوا بالاهتمام الرسم.
 اكثر من 70 %  تقريبا من أعمال الصالون حققت الهدف من الصالون، فيما عدا ذلك توجد أعمال بها تداخلات وتجاوزات كانت تدخل فى قناعة الفنان لمفهوم الرسم، ولو كنت أنا القوميسيير لهذه الفعالية كنت رفضت الأعمال التى لا تناسب مع فكرة الصالون، ولكن اعلم مدى ما عاناه قوميسيير الصالون الفنان سامح إسماعيل مع بعض الفنان من مناقشات حادة وتعامل بهدوء مع الجميع من أجل إتمام العرض والفعالية وأيضا عرض مشرف جهود تنظيمه وتنسيقيه من كل الأطراف يستحقون الشكر والتقدير.
 ■ بعض المشاركين فى صالون القاهرة اعترضوا على مكان عرض أعمالهم بقصر الفنون، وان مكان العرض غير لائق.. ما ردك؟
ولماذا أساسا يوجد قاعدة ثابتة  للعروض بقصر الفنون بالتأكيد كل فعالية لها مضمون خاص،والعرض بالقصر بالدور الأراضى موروث قديم، فى عرض صالون القاهرة أرسينا شيء جديد فى التنظيم وجعلنا كل قاعات القصر مميزة، أنا بشكل شخصي كصاحب فكرة الصالون ورئيس الصالون طلبت من القوميسيير ان يكون عملى فى الصالون في قاعات العرض العليا وليس في القاعة الرئيسية.
 كسر منظومة العرض أضافت جماليات للعرض واعطى مصداقية وثقة للفنان فى قيمة عمله، وأتذكر فى احدى دورات صالون الشباب اثناء تواجدى على رأس قطاع الفنون التشكيلية قدمنا فنانين تلقائيين وعرضنا أعمالهم فى مدخل قصر الفنون، وهذا ما يجب أن يفعله الفنانون الكبار ان يحتضن الشباب ويضعهم فى المقدمة ويقفون خلفهم وهذا فعل سام، وكانت مفاجأة ان نجد أعمال فنانين نحاتين فى مدخل القصر، وان جائزة نوار فى الرسم اختارت النحات «عصام دروريش» كضيف شرف للمسابقة فى الأقصر وأيضا النحات «نجيب معين» الذى عرض عمله فى صالون القاهرة فى الدور الأخير بقصر الفنون، وهذا يؤكد أن قيمة العمل ليس علاقة بمكان العرض، بل العمل منح المكان قيمة مضافة.