الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يسرى عبدالله: الإبداع أحد وسائل مقاومة السلطة الأبوية





ناقد مشغول بالإبداع، يدرك أسراره جيدا، ويعى حجم الدور النقدى الذى يجب أن ينهض به، إنه الناقد يسرى عبدالله، الذى يرى تخبطا واضحا فى مثار الثورة بين البحث عن المستقبل والتكريس للماضى، ومحاولة بعض التيارات إطفاء الوهج الثورى، لعدم اتفاق طبيعتها للتحولات الجذرية، كما تحدث عن الإبداع فى فترات القمع والكبت السياسي، مؤكدا أنه يكون عفيا فى لحظات الظلم، غير أنه يبدو أكثر فتوة فى أوقات الحرية، عن هذه الموضوعات وغيرها وعن كتابه الصادر حديثا بعنوان: «الرواية المصرية: سؤال الحرية ومساءلة الاستبداد»، كان لنا معه هذا الحوار:
 
■ كيف تقيم بعين الناقد ما يجرى فى بر مصر الآن؟
- تبدواللحظة الراهنة بتنويعاتها السياسية، والثقافية، دالة وفارقة فى عمر الأمة المصرية، وبما يستدعى نظرا عميقا للعالم والأشياء، ففى حين بدت الثورة المصرية بحثا عن المستقبل، أرادت قوى الإسلام السياسى أن تصبح تكريسا للماضي، وبما يعنى أن الغايات الكبرى للثورة المصرية المجيدة (كرامة/ حرية/ عدالة اجتماعية) تتعرض لتهديد حقيقى الآن، بفعل الالتفاف على الفعل الثورى، عبر محاولة خلط المعتقد السياسى بالمعتقد الديني، وتوظيف الدين لخدمة أغراض سياسية، فضلا عن محاولات فلول الدولة البوليسية إطفاء الوهج الثورى، لنصبح وباختصار أمام تحالف ما بين امتداد نظام مبارك، وجماعات الإسلام السياسى، حيث يرفض كلاهما أى تحول جذرى فى بنية المجتمع، لأنهما أبناء لعالم سكونى، وثابت، ومستقر، وبالتالى يقفان على طرفى نقيض مع كل ما هو متحول، وجذرى، وقائم على التغير المستمر، لكن اللافت -وهذا ما يدفعنا إلى الأمل– أن قطار الثورة المصرية يصل دائما، وذلك على الرغم من تعثره أحيانا، وبطئه كثيرا، وبما يعنى أن ما يسمى بـ»الوعى الممكن»، القادر على الاستشراف والتخطى، قد حازته بالفعل قوى ثورية، ومدنية عديدة، تسعى لخلق من يمثلها، شريطة أن تملك بوصلتها الخاصة المبتعدة عن الأهواء، والصفقات، والنظر الضيق للعالم، والأشياء.
 
■ هل تعتقد ان ثورة يناير إحدى ثمار وتجليات مقاومة الإبداع الروائى للاستبداد؟
- الرواية هى محاولة لتحرير الوعى الإنسانى، ولعبة جمالية لصياغة عالم مختلف، ومغاير ينتصر لإنسانية الإنسان، وينحاز للجمال، وينشد الحرية، ويقف ضد الاستبداد، والقبح. ولذا تنشأ علاقة جدلية بين الثورة والإبداع الروائى، فالأدب هو خلخلة للمستقر من الأبنية، وتقويض الثابت منها، والثورة تسعى لخلق عالم جديد أكثر عدلا وإنسانية، وكلاهما فعلان مستمران، ينتصران للمحاولة الإنسانية الدائمة فى سعيها إلى إنتاج كل ما هوحر، ونبيل، وتقدمي. إن النصوص التى اخترتها فى الكتاب إنما تعبر عن تمثيلات واعية ومنتخبة لواقع الرواية الآن، وجميعها تقف فى خندق الحرية، وترفض الاستبداد. لقد أصبحت الرواية فى الآونة الأخيرة أداة للمقاومة، ومحاولة لصنع عالم مختلف، وجديد يؤمن بالنظر المتعدد للعالم والأشياء، ولذلك ستجد مثلا النصوص الواردة فى الكتاب وعددها 24 رواية، تتخذ من المنطق الديمقراطى للسرد وجهة وغاية لها.
إن النقد انتخاب جمالى، يبدأ دوما من اختيار فنى دال، وهنا تتشارك النصوص الروائية المختارة جميعها فى كونها تنتصر للفنى بالأساس، إنها تعبير عن أن الكتابة لا تعرف السقوف، أوالمتاريس؛ لذا فثمة تماسات قائمة فيما بينها، تجعلها أيضا تعبيرا عن أفق مغاير للسرد العربى فى لحظة مأزومة، وفارقة، على المسارين التاريخى، والسياسى.
 
■ ما تفسيرك لازدهار الإبداع الفردى فى مناخ القمع والاستبداد؟
- كان الإبداع الأدبى وسيظل محاولة فردية خالصة تلجأ إلى الكناية لا التصريح، فقد ترمز أوتحيل، لكنها تبتعد عن الخطاب التقريرى المباشر، وإلا أصبحنا أمام مقالات سياسية، ولذا يبدو الإبداع عفيا فى لحظات الاستبداد، غير أنه يبدو أكثر فتوة فى أوقات الحرية، فالحرية شرط لازم للإبداع، إنها فضاؤه الأثير، وبراحه الذى لا يفارقه.
 
■ برأيك.. العلاقة بين الحرية والابداع : شرط أم ضرورة؟
- لا يعرف الإبداع السقوف، ولا المتاريس، إنه وسيع، ومتحول، شأنه شأن الحياة ذاتها، ولذا فهو يحتاج إلى الحرية بوصفها مهادا أساسيا له، وأرضا خصبة ينمو فيها، ومع الحرية يصبح الإبداع أكثر ألقا، ومع الإبداع يصبح للحرية معنى جديدا ومختلفا، لا يعرف التابوهات، ولا يقدس الحكام أوالسلاطين. ربما بدت الكتابة الإبداعية صوغا جماليا للواقع، وكشفا عن الجوهر الثرى للأشياء، وانحيازا للجدارة الإنسانية فى أشد تمثلاتها خلقا وابتكارا؛ ولذا فالإبداع يقف على طرف نقيض مع الرقابة، فالإبداع تحليق، والرقابة قيد، الإبداع انحياز للاستنارة، والرقابة مكوث فى الظلام، الإبداع سؤاله الحرية، والرقابة غايتها القمع، الإبداع أداته الخلق والتخييل، والرقابة أداتها المصادرة.
 
■ برأيك هل الابداع يؤدى إلى تفكيك المجتمع الأبوى؟
- يفكك الأبداع أى سلطة، يحيلها إلى عناصرها الخام، ويتعامل معها بوصفها مادة للحكي، والمساءلة. والسلطة البطريركية، بتنويعاتها المختلفة، والمشكلة فى مجملها لفكرة المجتمع الأبوى تسعى الكتابة دوما لخلخلتها، بل والتندر عليها، فالسخرية أحيانا قد تصبح وسيلة من وسائل المقاومة، مثلما أن الاستبصار بالعالم، والانطلاق من أن «المعرفة قوة» يمثل وسيلة أخرى للمقاومة، وربما كان هذا ما يسعى إليه الإبداع فى رفضه لكل الصيغ الأبوية الحاكمة لمجتمعاتنا.


 

 
■ الإسلام دين التفكر والتأمل والإبداع .. كيف تفسر ظهور «الناقد الداعية» كما أشرت فى الكتاب؟
- «الناقد الداعية» هو نتاج مجتمع مشوه، يخلط ما بين المعتقد الدينى الثابت، والممارسة الجمالية الحرة المتغيرة،. ولذلك فإن علينا ألا ننس الأجواء المشكلة للمناخ العام، والتى يبرز فيها ما أسميته بـ(تديين الممارسة النقدية). إننا الآن نلحظ ظهوراً لما يعرف بـ(الناقد/ الداعية)، ذلك الذى لا يرى اختلافاً بين إلقاء خطبة وعظية الطابع فى دور العبادة ، وأن يطرح خطاباً نقدياً (وعظى وحكمى الطابع، ويفتقد إلى العلمية والمنهجية النقدية) فى المحافل العلمية، والندوات النقدية ،وما بين هذا، وذاك تتبدى ملامح الأزمة الراهنة، لقد بات تديين الممارسة النقدية واقعاً، لا يمكن أن نغض الطرف عنه، حيث رأينا بعض هذه الأصوات المحسوبة على النقد زورا وبهتانا، يكفرون المفكر نصر حامد أبوزيد، أحد الممثلين الحقيقيين للاجتهاد العقلى فى تأويل النص الديني، مثلما هاجموا أيضاً قصيدة الشاعر حلمى سالم «شرفة ليلى مراد»، وكفروه، مستندين إلى أيديولوجية دينية محضة، صانعين خلطاً ما بين المعتقد الديني، وجماليات الكتابة الأدبية.
 
لقد أضحت الممارسة النقدية عند هؤلاء المتطرفين الجدد ضرباً من الأيديولوجيا الدينية المفتقدة للخلق الجمالى للممارسة النقدية، وأضحى النقد عندهم مسكوناً بالتكريس للنصوص الباهتة، ذات الحس الأخلاقى لا الجمالي، المعتدة بالمعنى الدينى أكثر من اعتدادها بآليات الكتابة وجمالياتها المختلفة، ويدعم هذا الأمر تحالف بعض أنصاف المثقفين مع هؤلاء الجهلاء، فى إقصاء عمدى لقيمة العقل، وتغييب أشد قسوة لمنحى الاستنارة، وخيانة للقيم الإنسانية، والثقافية العامة، وتعبير عن ذلك التحالف المشبوه، والقذر ما بين الفساد، والرجعية. إن هؤلاء يخلطون بين ما هوثابت/سكوني، وما هومتحول/متغير. إن الناقد/ الواعظ هومرآة لعالم متخلف، ومستبد، يتزاوج فيه الفساد مع الرجعية لينتجا لنا خلقا مشوها، يخاصم العلم، ويتاجر بالخرافة، نهاز للفرص، يحاول تقييد الإبداع وحصاره تحت مظلة رجعية، وتصورات ماضوية ساذجة عن العالم والأشياء.
 
■ اخترت فى كتابك نماذج من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة.. فهل تعتقد بوجود تواصل بين هذه الأجيال؟
- يسعى كتابى إلى رصد تحولات الرواية المصرية، بدءا من العقد الأول من الألفية الثالثة، وبما يعنى أنه مشغول بالراهن المعيش، ومسكون بذلك «الآن/ وهنا»، فى تماس نقدى مع المنجز الروائى المصرى فى صيغته الآنية، وعبر إطار أشمل أهدف من ورائه إلى الكشف عن جدارية السرد المصرى بتنويعاته المختلفة، ومراحله المتلاحقة؛ ولذا فثمة تنويعات سردية نجدها فى كتابى تنبيء عن أن الكتابة كانت وستظل بنتا للتنوع، والاختلاف، وليست بنتا لأحادية الرأي، وواحدية الاتجاه، ومن ثم تتجاور أجيال مختلفة من الكتابة الروائية فى هذا العمل النقدي، تشى جميعها بثراء المشهد السردي، وتنوعه.
 
وبما يؤكد أن الرواية بنت للاستمرار، والتراكم المعرفي، والجمالي، فى الآن نفسه، فأعمال البساطى ربما تجد لها صدى فى نصوص عبد النبى فرج، وخالد اسماعيل يعد امتدادا مغايرا لجيل السبعينيات فى السرد المصرى (فتحى إمبابى ومحمود الورداني) مثلا، حتى الكتاب الجدد ليسوا منقطعى الصلة عن مسار السردية المصرية والعربية، بل نجد امتدادا مختلفا لدى محمد الفخراني، والطاهر شرقاوي، ونهى محمود، وغيرهم، كما نجد كتابا خارج حيز فكرة الجيل مثل: إبراهيم عبدالمجيد، وجار النبى الحلو، وسعد القرش، وحمدى الجزار.