الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مصطفى الرزاز يحتفى بمصابى الثورة ويعدهم بـ«عودة العصفور الأخضر»




ربما يكون التعبير عن الثورة بشكل تسجيلى أبسط من التعبير عن لحظة انفعالية، مثل العلاقة بين الأم وابنها الشهيد، أو لحظة احتضان مؤثرة ومؤلمة تحتاج للتعبير بمعالجات فنية مختلفة، هكذا فعل الدكتور مصطفى الرزاز فى الأعمال التصويرية التى قدمها فى معرضه، مستخدما الاتجاه التعبيرى والرمزى الدرامى فى الشكل واللون والتكوين واللقطة والتقنية الخطية والإيقاعية اللونية والملمس، مظهرا من خلال جميع ما سبق آثار طلقات الخرطوش على الوجوه والأجساد المصابة، كما اختزل من التفاصيل ليبقى تجسيد المضمون هو القيمة الإنسانية التى تشارك القيمة الجمالية والتشكيلية للعمل، بالإضافة لتماسك وترابط العنصر الإنسانى فى الأعمال، ليؤكد أن الأم وابنها كتلة نحتية درامية لا ينفصلان حتى بعد استشهاده.
 
اقتصر الفنان فى ألوانه على مجموعة لونيةدرامية محملة بالشجن والحزن، لم يلجأ فيها للتدريج اللوني، مفضلا استخدام الألوان بكامل وضوحها رغم قتامتها ومنها (الأسود – الأحمر – الأبيض) هى الألوان التى تمثل مصر رمزيا، واللون الأخضر تواجد فقط فى العصفور الأخضر، كما تصدرت التعبيرية فى (وجوه من التحرير) التى جسدت روح الملامح المصرية لشباب الثورة، وكلما اقتربت من هذه الوجوه تجد أنها تحاورك، ورغم الدرامية فى الشكل واللون فإن فى كل لوحة نجد زهرة بسيطة معبرة عن الأمل فى القادم، أما الأعمال النحتية فهى تجربة جديدة يقدمها الرزاز من خلال أعمال نحتية ثلاثية الأبعاد.
 
الحضور بالمعرض كان له طابع خاص لم نره من قبل فى معرض فنى تشكيلي، ليس فقط حضور المسئولين أو النقاد أو الفنانين التشكيليين، بل حضور مجموعة من شباب الثورة يتصدرهم الدكتور أحمد حرارة، الذى فقد عينيه فى أحداث الثورة، والذى رحب به الجميع وأسعدهم حضوره.
 
وعند وصول الدكتور أحمد حرارة، أحد رموز الثورة، أبلغه الدكتور الرزاز أن المعرض يضم مجموعة تماثيل برونزية، أحدها بورتريه شخصى له، تحية وتكريما له وشكرا لدوره فى الثورة، فطلب حرارة منه أن يأخذ يده ليتلمس ملامح التمثال، وما أن بدأ الرزاز يصف له عن التمثال ويحرك يده على كل جزء فى التمثال، بدت على ملامح حرارة ابتسامة محيرة أقرب إلى البكاء، يصعب وصفها فى كلمات.
 
وفى حوار قصير مع الدكتور أحمد حرارة قال: «علاقتى بالفنان الرزاز بدأت من قبل الثورة بفترة، والتقينا فى العيادة التى كنت أعمل فيها، الفن التشكيلى شارك معنا من أول لحظة فى الثورة، وأنا أعلم بمعارض الفنانين عن الثورة، ولكنى لم أكن أتوقع أن يكون لى تمثال أو لوحة، أنا لست إلا واحدًا من ملايين الشباب المصابين، مصر تستحق التضحية وهى ليست تضحية هى عطاء للوطن، أنا رغم كل الخلافات السياسية الموجودة على الساحة متفائل بالقادم، لذلك حين ألتقى بالناس أبتسم لثقتى الكبيرة فى زملائى الشباب أنهم سوف يكملون الثورة، حتى تحقق مطالبنا الأساسية، وسوف تحقق فى القريب وليس بعيدا.
 
وعن عودة العصفور الأخضر قال الرزاز: فى معرضى الفردى الأول مارس 1966 عرضت لوحة بعنوان «أسطورة العصفور الأخضر»، وقد كتب عن هذه اللوحة الفنان حسين بيكار مقالا بعنوان «فنان أسطورة يعيش بين الأساطير»، وكان لهذا المقال تأثير جوهرى فى توجيه مسيرتى الفنية وارتباطها بالبعد الأسطورى.
وأكمل: أثناء مشاركتى لسنوات فى حرب الاستنزاف، كنت أرسم وأنا على الجبهة الجنود ومركبات العسكرية، وفجأة وجدت نفسى أرسم عصفوراً أخضر عملاقا يهيمن على الأفق الصحراوي، وبعد ما رسمته اجتاح الجنود المصريون خط بارليف، بدأت أشعر أن وجود هذا الطائر يعنى استشراف حدث عظيم، ولا حظت تكرار هذا المعنى، رسمت هذا العصفور أربع مرات عام 1966- 1997، ثم قبل الثورة 2010ثم عدت ورسمته اليوم 2013 وهذا يجعلنى أشعر بأن عودته بين لوحاتى مؤشر ورسالة لحدوث شيء مهم، فأنا أعتبر العصفور تميمة الأمل الأسطورية.
 
وعن اختياره للناشط أحمد حرارة ليقدمه فنيا قال: أعرف دكتور أحمد حرارة من خلال تواجدى فى عيادة طبيب أسنان، كان يعمل معه أحمد، وفى إحدى الزيارات قالى لى الدكتور «أحمد حرارة أصيب فى الثورة، وتأملت الاشاعة وكم رصاص الخرطوش الذى أصابه، ولم أكن أعرف أن أحمد حرارة الثورى المصاب، هو نفسه أحمد الذى كنت أقابله فى العيادة، شخص هادئ ورائع الخلق، وعندما عرفت شكرته على عطائه لمصر وتضحيته من أجلنا، ومن وقتها لم يفارقنى هذا الشاب، وبدأت أتابع بدقة كل التفاصيل.

 
وعن الأعمال الفنية التصويرية والنحتية بالمعرض قال الرزاز: انفعلت جدا بثورة يناير، بالشباب النقى المتحرر الذين دفعوا حياتهم ثمن للحرية وللمصر، ولا أحد ينكر أن لولا الشباب لما حدث تغيير فى مصر، هؤلاء الشباب قدموا لمصر ملحمة ليس لها سابقه فى التاريخ، وأنا مؤمن بأن التغيير قادم وسوف يحدث مهما طال الوقت، والشباب قادر على تخطى كل العثرات، ورغم أن الأحوال فى مصر لا تسير حسب ما تمناه الشهداء والمصابين، إلا أننا عندنا ثقة متناهية أن الثورة ستحقق أهدافها وتعود إلى أصحابها وهم الشباب، لأن الشباب الذين قاموا بالثورة ليس لهم مصالح خاصة أو طموحات بالكرسى ولا للمناصب، هم فقط يريدون العيش والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحرية، وإذا نظرنا الى كل هذه المطالب نجدها فى دول أخرى قد لا تحتاج أن يموت أحد أو يصاب من أجلها أحد، لأنها حقوق مشروعة ومسموح بها ويحصل عليها المواطن بشكل طبيعى، إنما فى مصر وغيرها من الدول العربية سلبت منه حقه فى الحياة، فعاد وطالب بعودة حريته بالثورة ودفع ثمناً غالباً وإصابات تترك آثارها مع نهاية العمر، الشباب هم من فتح صدورهم للرصاص والخرطوش، الذى افقدهم بصرهم، وأصابهم التعذيب بأبشع الوسائل المهينة لحقوق الإنسان والإنسانية، لا أحد كان قوته على التآمر يستطيع إجهاض أهداف الثورة.
 
وأكمل: تألمت وحزنت على أسر الشهداء وأمهاتهم، أمهات الشهداء هم من تحملوا عبء الصدمة ويعيشون فيها ليلاً ونهاراً ولم تجف دموعهم، وأيضا أمهات مصابى الثورة، تأثرت بمشاهد الثورة الدامية الصعبة، فالتعبير عن روح الثورة ليس سهلا، أصبح بوجدانى الكثير من المشاعر، وقابلت شباب الثورة بنفسى قبل أن أبدأ، ووضعت فى التكوين وردة وزهرة أمل تؤكد أن لا أحد يمكنه سرقه دم الشهيد مهما قال ومهما فعل.
وأضاف الرزاز: أهم من أسلوب الرسم والتكوين أن طاقة المشاعر الدرامية التى انتباتنى أثناء الرسم كانت صعبة، أحيانا كنت أشعر أن يدى عليها دم وليس لون أحمر، وأشعر أننى أتنفس بصعوبة وأتوقف عن الرسم، أما المجموعة اللونية المحدودة الأسود والأحمر فهم بمثابة ألوان درامية تعبر عن إيقاع لموسيقى جنائزية طقسية تستنفر الروح والمشاعر الدفينة، كل لوحة هى نصب تذكارى للحظه فارقة فى الحياة.