الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عزة عثمان والدة البطل مصطفى محمود لـ «روزاليوسف»: ابنى عاش راجل وارتقى شهيًدا.. وآخر كلماته «مش هنسيب سيناء إلا لما نطهرها من الإرهاب»

عزة عثمان والدة البطل مصطفى محمود لـ «روزاليوسف»: ابنى عاش راجل وارتقى شهيًدا.. وآخر كلماته «مش هنسيب سيناء إلا لما نطهرها من الإرهاب»
عزة عثمان والدة البطل مصطفى محمود لـ «روزاليوسف»: ابنى عاش راجل وارتقى شهيًدا.. وآخر كلماته «مش هنسيب سيناء إلا لما نطهرها من الإرهاب»




حوار ـ سلوى عثمان

 

هناك نماذج تستحق التقدير والاحترام لأمهات قدمن كثيرا من التضحيات، فمثلما نردد دائما «وراء كل رجل عظيم امرأة» يمكننا كذلك القول أنه «وراء كل شهيد أم عظيمة أنجبته وربته على الفداء، ليكون حارسًا لتراب الوطن» فهن لم يبخلن بفلذات أكبادهن ليكونوا فداءً لمصر، من أجل أن يسود الأمن والأمان ودحر ومحاربة الاٍرهاب الذى يريد النيل من مصر.
«روزاليوسف» احتضنت أمهات وزوجات الشهداء، فهن كريمات يستحققن التكريم، ذهبنا إليهن ليسردن لنا بطولات رجال مصر الشهداء، ويحكين لنا عن حياة شهدائنا الشخصية، ليكونوا قدوة حسنة يقتدى بها الشباب الوطن.

«أنا قدمت ابنى فداء للوطن، فقد أعطانى الله إياه وديعة ثم استردها بعد أن حافظت عليها» بتلك الروح الصابرة، المثابرة، المؤمنة، افتتحت عزة محمد عثمان، والدة الشهيد النقيبب بحرى مصطفى محمود، حديثها إلى «روزاليوسف»، حكت أن ابنها كان يتمنى الشهادة وأن الله استجاب لدعائه.
وأكدت خلال حوارها معنا أن الشهيد ظل مرابطًا فى أرض سيناء طيلة ثلاثة أشهر كاملة دون إجازات، بعد أن أقسم على محاربة الإرهاب بكل ما أوتى من عزيمة، قائلا: «احنا مش هانمشى من هنا غير لما نطهر كل شبر فى سيناء، مهما الاٍرهاب هايطول عمرهم قصير».
تلك الحكايات وغيرها الكثير ذكرتها «أم البطل» فى نص الحوار التالى.

■ قربينا أكثر من حياة الشهيد؟
- ولد الشهيد مصطفى عام ١٩٩٠، ليكون ثالث اخوته، كرست كل حياتى فى خدمة أولادى، فبالرغم من حصولى على بكالوريوس هندسة، إلا أننى رفضت العمل لكى اصنع رجالا، فكنت اذاكر لهم فلا مكان للدروس الخصوصية وأزرع فى قلوبهم حب الوطن والانتماء.
كان «مصطفى» هادئ الطباع، وجهه بشوشا، وروحه جميلة، سريع البديهة والذكاء منذ صغره، مرتبا ويخطط لمستقبله، ويحسب خطواته حيث كان يتمنى ان يصبح ضابطا فأعد نفسه إعدادا جيدا لذا كان بارعا رياضيا وبدنيا، وكنت دائما أتنبأ له بمستقبل باهر، التحق بمدرسة سموحة الخاصة للغات بالإسكندرية، فكان متفوقا فى المرحلة الابتدائية والإعدادية، وحصل على أعلى الدراجات ثم التحق فى المرحلة الثانوية بمدرسة العباسية، ونجح أيضا بتفوق وقدّم فى كليتى البحرية والشرطة واجتاز الاختبارات بنجاح ولكنه فضل أن يكون فى البحرية بالرغم من أن كل أحلامه تركزت فى كلية الشرطة والتحق بالكلية إبان أحداث ٢٥ يناير.
■ احكى لما عن علاقته بأسرته؟
- كان ودودا يعشق اخوته وشملهم بالترابط والتماسك والحب، تلك الصفات جمعتهم، فلدىَّ أربعة من الأبناء الرجال الاوفياء لوطنهم.
كما أن علاقته بأجداده وأعمامه كانت قوية، وأثر ذلك على شخصيته، فقد كان مرتبطا بجده وكان يعتبره مثلا اعلى له فى البحرية، وكذا أعمامه بالحربية، كان الجو العسكرى وحب وعشق مصر هو الجو السائد فى العائلة.  كما أن والدى كان فخورا بأولادى، ويقول دائما «اولادك هايشرفونا ويرفعوا راسنا، فهم خير اجناد الرض» وكان يعطوهم بالروائح الذكية. والوازع الدينى والأخلاقى هو الذى كان يحكمه، أما علاقته بجيرانه فقد كانت قوية، متعاونا، سيرته طيبة، ولهذا حزن عليه الجميع بعد استشهاده.
■ كيف كانت حياته بعد التخرج؟
- تخرج فى الكلية البحرية بتفوق شهد له الجميع، بالاخلاق الرفيعة وحب العمل، فقد كان عاشقا لمهنته فحصل على أكثر من ١٣ فرقة وسافر الأردن، وحصل على فرقة تدريبية، واحتل المركز الثامن عالميا من بين ١٨ دولة، كان ابنى لا يحكى لى أى تفاصيل عن عمله، فعندما كان يجلس مع أخيه محمد ـ وهو ضابط أيضا ـ يتحدثون عن عملهم وعندما كنت أدخل كانا يصمتان لأنهما يعتبران ذلك اسرارا.
وكان دائما يتحدث عن الشهادة وأقول له «بعد الشر عليك» كان يقول «هو فيه حد يطولها يا أمي، بس ربنا لو بيحبنى يمنحنى الشهادة، هو أنا دخلت الجيش ليه؟ علشان أحارب وأدافع عن بلدى وعنك وعن كل الامهات».
كان ابنى يتمنى الالتحاق ببعثة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لاكتساب مهارات جديدة فى عمله، وبالفعل تم التصديق عليها وكان من المقرر أن يسافر، ولكنه فضل البقاء على الجبهة فى سيناء بين قواتنا فى العملية الشاملة، لتطهير أرضنا من الاٍرهاب، وقال: «احنا مش هانمشى من هنا غير لما نطهر كل شبر فى سيناء، مهما الاٍرهاب هايطول عمره قصير».
وكنت عقب نهاية كل إجازة أقوم بإعداد أشهى الأطعمة له ولزملائه، بكميات كبيرة، إذ كان ودودا للجميع الصغير قبل الكبير.
■ حدثينا عن آخر إجازة للشهيد؟
- المعتاد من ابنى ان يظل اغلب الإجازة نائما، وعندما كنت أعاتبه يقول: «يا أمى احنا مش بنام» ففى هذه الإجازة كان دائم الجلوس معي، وحدثنى فى أشياء كثيرة عن مستقبله، وفِى مرة كنا نجلس أمام التليفزيون وقلت له: «يا ابنى أنا قلبى وجعنى من كثرة الشهداء» فقال لى: «يا ريت أكون شهيد».
ابنى كان وطنيا لأقصى حد، وكنت سعيدة وفخورة به، وعندما اسمع الناس تقول عليهم خير آجناد الارض كنت بحس أن الصفة الجميلة تشمل «مصطفي» واصدقائه، إلى أن فاجأنى بذهابه لسيناء، قبّلت جبينه وقلت له: «انتم فى معية الله، لو رجعت يا مصطفى حترجع راجل، ولو استشهدت حتموت بطل، لأنى ربيتك انت واخواتك على الرجوله، تعيشوا رجالة وتموتوا رجالة»
ظل يقبلنى كثيرا وقالى: «ادعيلنا يا أمى نروح نمحى الفيران دول من على وش الدنيا، وننظف البلد من آمثالهم، دى مصر يا أمي، والله يا ماما احنا بنعشق تراب بلدنا ولو ماعملناش كدة حيدخلوا بيوتنا، وأحنا حنفرمهم باذن الله».
وعند انتهاء الإجازة حدث شيء غريب لأول مرة يودعنى ثلاث مرات، ويقبلنى فقلت له مازحة «كل قبلة بـ ١٠٠ جنيه» وظللت أداعبه، وبالفعل أخذ منى ٣٠٠ جنيه، وقال لى أنتى حكمتى على نفسك وظل يضحك من قلبه، وهذه آخر مرة أرى فيها ابتسامته ووجهه البشوش، فقمت لأول مرة لأودعه من شرفة المنزل، وسلم علينا وذهب فى أمان الله، وانقطع الاتصال، فظل فى خدمته ٣ أشهر متواصلة لم ينزل إجازة واحدة.
■ هل كنت تتوقعى أنكِ ستحملين يومًا ما لقب «أم شهيد»؟
- قبل استشهاده بشهر لم يتركنى هذا الإحساس لحظة، وكأن هاتفا فى أذنى يؤكد لى أننى لن أراه مرة أخري، وكنت ادعو لابنى كثيرا وقبل استشهاده بثلاثة ايام ظللت ادعو الله ان يرضى عني، وان يستقبلنى قبولا حسنا، انا واولادى، وقلت «يا رب أعطنى إشارة انك راضى عنى» بعدها وصل خبر استشهاد «مصطفى» فعلمت أن الله راضى عنى بأن جعل ابنى فلذة كبدى فى مكانة عالية فى الجنة.
وقبل استشهاده ظللت «أصبّح» عليه كل يوم ومايردش عليَّ، لمدة شهرين، إلى أن رد علىَّ قبل الاستشهاد بيومين، قالى «صباح الجمال عليكى يا امى، ربنا يخليكى لينا، معلش الشبكة وحشة، لما انزل مش هااخليكى عاوزة حاجه يا ست الكل، ادعى لي». وطلب منى أن أشحن له الموبايل فأرسلت له صورة الدفع وضحكت معه «انت مديون بالفاتورة» فقال لى: «يا أمى أنا كلى ملكك».
وفوجئت بخبر استشهاده بعدها بيومين ـ يوم ١٤ مارس ٢٠١٨ ـ وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يحقق له ما تمناه، واختصه بها وأكرمه بالشهادة وأكرمنى معه، واصبحت ام البطل وام الشهيد، وربط الله على قلبى بالصبر ولم ابكي، وحمدت الله كثيرا واحتسبته شهيد عند الله، وكان عزائى أنه حى يرزق.
ومن الأمور الغريبة أننى ارتديت ملابس سوداء قبل معرفتى بخبر استشهاده بساعة، ووجدت قلبى ينزع من صدري، وكأنه أصيب برصاصة، وعلمت بعد ذلك أن هذا الشعور كان متزامنا مع استشهاد ابني، وعندما سألنى زوجى «لماذا ارتديتى هذه الملابس! انتى رايحة تعزى؟» فلم أجبه بكلمة، وبعدها فوجئت بوفود لإبلاغنا الخبر.
وكذلك كان اخوه يشعر بالخوف عليه، فحدثه قبل استشهاده بأيام وقال له كفايا عليك كده قاله ماتخافشى عليه واختتم المكالمة بقوله: «هاتوحشنى يا معلم» وأخبرنى اخوه بانه كان يشعر باستشهاده، وكان ذلك أمام الكعبة وكم أنه تمنى ان تصيبه الطلقة بدلا من أخيه «مصطفي».
وعلم اخوه باستشهاده، وتحدث مع القيادات واستقل طائرة، وحضر جنازة الشهيد.
وعلمت بعد استشهاده أنه قتل 4 واصاب ٣ من الإرهابيين، وانه كان مقداما شجاعا، رفض أن يترك مكانه لكى يحمى ١٦ ضابطا، وطلب من قائده أن يسمح له بالبقاء فى الخدمة ولا يصرح له بإجازات قائلا له: «أنا جاى هنا احمى تراب بلادي، ومش راجع تاني» وكان له فيديو شهير بملابسه البحرية قال فيه: «أحب اطمن الشعب المصرى اننا نقوم بأشجع وانبل مهمة لتطهير ارض سيناء، وان عمليات الصاعقة البحرية بتشترك لتأمين السواحل، والمشاركة فى المداهمات مع أفراد القوات المسلحة للقضاء على البؤر الإرهابية» موجها رسالة أن الاٍرهاب عمره قصير ولن نترك سيناء قبل أن نطهر كل شبر فى ارضها.
كنت أتمنى أن افرح بابني، ولكنه أحب لقاء الله فاحب الله لقائه، وخرج فى جنازة عسكرية مهيبة لم آشهدها من قبل وزف عريس الجنة.
■ ماذا قالوا عنه بعد وفاته؟
- قال عنه قائد مجموعة الوحدات الخاصة البحرية بالعريش خلال رسالة: «اشهد الله ان الشهيد امتلك قدرا كبيرا من الشجاعة والعزيمة والاصرار، فقد كان بطلا من نوع فريد منذ إشرافى على حصوله على فرقة الصاعقة البحرية، فرأيت فيه المقاتل الذى أتشرف بتدريبه، واتمنى ان أقاتل معه جنبا الى جنب، حتى كتب الله لى ان أتشرف مرة اخرى ان أكون قائد مجموعة قتالية ويكون الشهيد البطل نعم العون والسند، ومن افضل المقاتلين بها، حيث اصطفاه الله من بينها ليكرمه بتعلى مكانة وهى مرتبة الشهداء، بعد ملحمة بطولية، حيث كان الشهيد البطل هو قناص المجموعة القتالية واحتل مكانة على هيئة حاكمة ليقوم بتأمين تقدم المجموعة، وبدأ باكتشاف العناصر التكفيرية التى كانت تتربص لقواتنا فبدأ بالاشتباك، وابلغ باصابة أول كلب منهم، وبدأوا بالهروب كالفئران، ثم ابلغ باصابة الثاني، والثالث، ومع كل بلاغ تكبير وفرح.
وأكمل الاشتباك واصاب رابع كلب منها وهو داخل مرمى النيران، ومعرض للاصابة حتى إصابته إحدى طلقات الغدر، واستشهد وهو ممسك ببندقيته.