الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

واحة الإبداع.. تكاثر ميتوزى

واحة الإبداع.. تكاثر ميتوزى
واحة الإبداع.. تكاثر ميتوزى




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    


[email protected]

اللوحات للفنان:  عبدالعال حسن


تكاثر ميتوزى


كتبتها - شيماء عبد الناصر حارس


«المواعين» فى المطبخ هى الوحش الذى يراودنى فى الأحلام الليلية، هى بالطبع ليست مجرد أحلام إنها رزمة من الكوابيس ملفوفة معًا وتأتى بشكل تتابعى كأن تضغط على زر الكاميرا أو حتى هاتفك المحمول لالتقاط صور متعددة لنفس المنظر، التعدد يصنع حدثًا، والحدث يصنع من الأكواب والأطباق والحلل والصواني، إن فى الأمر – وصدقوني- سر خفي، ربما سحر أو هناك جن، إن الأمر ليس مزاحًا أو شيء من هذا القبيل، أنا جادة تمامًا،
أجلس فى غرفة نومي، أعرف أن المواعين فى المطبخ هناك، موجودة، نعم إنها موجودة، مثلى ومثلك، نحن البشر، تفعل ما نفعله، لكن الكيفية هى التى لا أعرفها، أراها تتكاثر فى المطبخ، كيف يتم هذا، لم أجد إجابة حتى الآن، لكنى أراها تفعل ذلك فى لحظات قليلة،
فى الحلم -الكابوس- تنشق الحائط التى تفصل بين المطبخ وغرفة النوم، هى ربما لا تنشق بالمعنى الحرفى لكن فى الأمر سر كما قلت، هى تتحول لكيان شفاف طالما أردت أن أقوم من فوق السرير وألمس الحائط، أو ذلك الذى كان حائطًا أظن أن ملمسه سيكون حريرًا ولذيذًا، ربما هى هلاوسى أنا الشخصية، يداي، نعم، يداى أراها كإطار يظهر ويختفى كالأضواء الملونة حول شاشة كبيرة تشبه المسرح، مكانها تمامًا الحائط المقابل للسرير وخلفه تمامًا الثلاجة وهى بالمطبخ، الثلاجة تختفى فى الكابوس، لا يظهر سوى حوض غسيل ستاليس عادى كالذى يوجد فى الكثير من المطابخ، على الرف بجواره كوب، إنها رمشة عين، أو ربما أقل تلك التى تفصل لحظة التوالد أو التكاثر، الولادة القيصرية التى يتم بعدها إنجاب كوب آخر، ثم رمشات عيون أخرى كثيرة طول الليل- فترة نومي- تصنع أكوابًا، ملاعق وشوك صغيرة وكبيرة، أطباقًا ستانليس وصينى وألومنيوم، طاسات من كل نوع من الخامات والأحجام والألوان، كلها جميعًا قذرة ومليئة ببقايا الأطعمة والدهون الثقيلة، هذا غير الحلل والصوانى والأكواب والكاسات والمغارف، كل هذا يتوالد بالسرعة التى تسمح بها رمشة عين واحدة يزداد حينها الضغط على قلبى وأشعر أن جبلًا ضخمًا يجثم فوق صدري، لا أستطيع التنفس، إنهم يتكاثرون، يتوالدون، يكثرون بشكل غير طبيعي، أعرف أنه من المفترض أن كل هذه المواعين فى مطبخى على أنا وأنا وحدى بدون أدنى مساعدة من أحد، على غسلها، تنظيفها، إن الكارثة لا تقف عند هذا الحد، لكن حوائط المطبخ تبدأ فى التغير، السيراميك الذى كان أبيضَ ناصعًا يتحول إلى خلفية بعضها أبيض وعليها دهون تبدأ صفراء وتنتهى إلى درجات قاتمة، كلما زادت قتامتها زاد الضغط على صدرى وأكاد أختنق، أموت، ربما هزة أرضية ما تحدث فتحول كل ذلك الكابوس إلى نثار من قطع الصينى تملأ عينى والبيت، اهتز معها فأصحو من نومى لاهثة، احتاج إلى جرعة ما لأن حلقى يكاد يحترق تمامًا، أو تلتصق أجزاءه ببعض، أهرع إلى المطبخ لمعرفة حجم الكارثة التى وصلت إليها الأحداث- لم ينتبه عقلى بعد لكون ذلك كان كابوسًا- أجد الكوب على حافة الحوض ما زال وحيدًا كما هو، فى قاعه بقايا اللبن وبعض السكر، كان كابوسًا، أعرف أنى كنت نادمة حينما وطئت رأسى سطح الوسادة أنى تركته، كسلت أن أغسله فظل مثل سيف يطعن فى ضميرى ويصور لى كل تلك الأشياء المفزعة التى ظهرت على الشاشة، وهنا لمعت مرة أخرى تلك الفكرة، هل تحول الحائط إلى شاشة، تلمسته من الناحيتين، ناحية المطبخ حيث الإطار السيراميكي، ناحية غرفة النوم حيث الحاجز العادى من الدهان، وأخيرًا ابتلعت ريقى وأخذت أستعيد أنفاسى المحترقة شيئًا فشيئًا، شهيق وزفير، النوم يحوط رموش عينى ولكن الخوف يطرده بعيدًا، ويظهر الكوب المتسخ أمامى كجنى أو شبح، أغسله وابدأ فى استحلاب الراحة رويدًا رويدًا، الهدوء يتسرب لنفسي، والنوم يعبق روحي، أضع رأسى مرة أخرى على الوسادة، هذه المرة، لا ضمير يئن، ربما لن تأتي كوابيس أخرى، فلا أكواب متسخة فى حوض المطبخ.