الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هل مصر لا تستحق أن يعاملها العرب أو المسلمون مثل معاملة أوروبا لليونان؟




إذا نظرت إلي خريطة التعامل في العالم العربي مع الثورات الشعبية تجد بصورة واضحة ما يأتي:

أولاً: علي مستوي الحكومات والسياسات تجد أنها علي حالات:
الحالة الأولي: حالة التأييد والوقوف مع الشارع العربي الذي ثار ضد الظلم والطغيان، وضد الفقر والبطالة والتضخم، والفساد الكبير، حتي وصلت نسبة الفقر في بعض الدول الثائرة إلي أكثر من 50٪.
وهذه الحالة تظهر في السياسة القطرية التي كسبت محبة الشارع العربي، هذا هو مقتضي السياسة والمصالح الدنيوية، وعلي مستوي الدين والأخلاق فإن الواجب هو التعاون علي البر والتقوي، والوقوف مع العدل ومع المستضعفين والمضطهدين ضد الظلم  والاستبداد والطغيان، بل إن الركون إلي الظالم - ناهيك عن التعاون معه جريمة في نظر الإسلام تستحق أشد الجزاء فقال تعالي: «ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكوا النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) سورة هود/ الآية 113.
الحالة الثانية: حالة الوقوف ضد الثورة والتآمر ضدها لإفشالها، أو لإفشالها في تحقيق مقاصدها والاستمرار بكل الامكانيات المتاحة، وصرف المليارات من الدولارات لترتيب ثورة مضادة، والاضرار باقتصاد دول الربيع العربي ولا سيما مصر، حيث أدت الاضطرابات الأخيرة إلي تردي الاقتصاد الذي هو في حد ذاته ضعيف محمل بتركات الفساد لأكثر من ثلاثين سنة.
ومع الأسف الشديد تطبق هذه الحالة معظم الدول العربية يجمعها الخوف من هذه الثورات بسبب التقارير المغشوشة من المخابرات المصرية التي لازالت معظم قيادتها مستشارين في بعض هذه الدول، أو بسبب الكراهية غير المبررة (عقلاً وسياسة وشرعاً) ضد الإخوان المسلمين أو السلفية.
فبعض هذه الدول لا يطيقها أن يسمح بكلمة الإخوان أو السلفية علي الرغم من أنها يمكنها التعامل مع إسرائيل أو أي دولة أخري، وبعضها خوفاً من مصالحها الاقتصادية بحيث إذا استقرت مصر تستطيع تحريك الاقتصاد ولا سيما في قناة السويس وبالتالي يمكن أن تتضرر، وهذه القضية في حقيقتها موهومة، فإن قوة مصر كانت وستظل - بإذن الله - قوة للعرب والمسلمين علي مر التأريخ.
الحالة الثالثة: هي حالة الصمت والحيادية السلبية، وهي التي تبنته بعض الدول العربية التي تنتظر النتائج وتتفرج مهملة واجبها الديني والقومي، وتاركة مصير أمتها للمجهول، وبالتالي فهي تتحمل مسئوليتها أمام الله تعالي ثم امام التاريخ والأجيال اللاحقة.
ثانيا: علي مستوي الشعوبة العربية والإسلامية، حيث يقف جماهيرها مع هذه الثورات بقلوبها ومع الربيع العربي (الإسلامي) وتتمني لها النجاح والتوفيق.
وهنا نتساءل: هل من مصلحة الدول العربية أن تفشل الثورة في مصر؟
للإجابة علي ذلك نقول: إن القيادة الجديدة المنتخبة في مصر قامت بمجموعة من المواقف والإجراءات كان المفروض من كل عربي شريف أن يقف معها، ومن هذه المواقف: موقفها من العدوان الصهيوني علي غزة، حيث يعلم الجميع موقف حسني مبارك ورئيس مخابراته وحكومته من غزة أثناء العدوان الصهيوني عليها كيف تعاملوا مع غزة، وكيف شاركوا في  حصار غزة أثناء الحرب قبلها وبعدها، فلنقارن ذلك بموقف القيادة الجديدة في مصر كيف تعاملت مع العدوان الصهيوني الأخيرة علي غزة، وكيف نجحت في وقف العدوان بصورة مشرفة تحولت فعلاً إلي نصر، وفك الحصار ونحو ذلك مما شهد بنجاحه الجميع حتي إن صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دول قطر حفظه الله حينما زار غزة، ثم عاد إلي مصر قال: لولا دور مصر لما تحققت هذه الزيارة وكذلك دور مصر الحالي في المصالحة بين فتح وحماس، وفتح معبر رفح أمام الجرحي وأمام الشعب الفلسطيني، ثم فتحه لمواد البناء ليعاد تعمير غزة
ثم إن مواقف مصر الحالية حولها القضايا العربية مواقف مشرفة، ولأول مرة منذ ثلاثين سنة تعتبر مصر أن من أمنها القومي أمن الشعب الفلسطيني، وأمن الخليج العربي.
ثم أننا لماذا لا نستفيد من المواقف الغربية بعضها نحو بعض، ولما لا نستوعب ما فعلته ألمانيا الغربية المتقدمة لتحقيق الوحدة مع المانيا الشرقية المتخلفة فصرفت مئات المليارات من الماركات للتأهيل والتحديث والتكافل الاجتماعي، والتطبيع حتي تصبح المانيا الشرقية في جميع مجالات الحياة مثل المانيا الغربية لتتحقق الوحدة الحقيقية حتي قال هلموت كول في وقته: كل ما نصرفه قليل أمام انضمام واندماج الشرق الالماني مع الغرب الألماني.
ثم لماذا لا ننظر إلي ما يصرفه الاتحاد الأوروبي علي اقتصاديات الدول المتعثرة حيث قام بدعم يونان بأكثر من مائة مليار دولار وكذلك قام بدعم اسبانيا ودول أخري، حيث يقدر الدعم الاوروبي للدول الأوروبية المتعثرة بما يزيد علي ثلاثمائة مليار دولار وما يفعله الاتحاد الأوروبي من باب المصالح المشتركة وحماية أوروبا من الانهيار والمشاكل فهي واحدة يتأثر بعضها ببعض بالاضافة إلي تقوية أواصر التعاون والوحدة والقوة وكسب الشعوب، ونحو ذلك من المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن هنا يرد السؤال الموجه إلي الحكام العرب: هل مصر التي كانت علي مر التاريخ منذ حوالي 1400 سنة - درعا للعرب والمسلمين وحصنا حصينا لحمايتهم وكنانة الله في ارضه وضحت بخيرة شبابها وأموالها في أحلك الظروف كما في الحروب الصليبية التي قاد صلاح الدين الأيوبي جيش مصر والشام، فطرد الصليبيين ثم ما فعله قطز ضد المغول وتتر، حيث هزمهم في معركة عين جالوت عليهم من خلال قيادته لجيش مصر، ثم الحروب الأخيرة ضد الصهاينة في 1954 و1967 و1973 التي أدت إلي أن تفقد مصر مئات الآلاف من خيرة ابنائها ومئات المليارات من الدولارات في سبيل القضايا العربية والإسلامية وقضيتنا الأولي (فلسطين) ثم ما قامت به مصر من تعليم أبناء العرب والمسلمين داخل مصر، وخارجها من خلال بعثات الأزهر الشريف، والأساتذة والمعلمين والمدرسين منذ الثلاثينيات إلي يومنا هذا.
هل مصر بكل هذه الخدمات (وما لم نذكره أيضًا) لا تستحق أن تعاملها الدول العربية الغنية مثل معاملة الاتحاد الأوروبي لليونان أو إسبانيا؟!
إن مصر لا تستجدي من أحد أبدًا، ومصر لا تطلب التبرعات وإن كانت تستحق ذلك، وإنما تطلب وقوف إخوانهم العرب والمسلمين الذين لديهم الفائض بمئات المليارات، إما بالقرض الحسن، أو بتمويل وإن كان  بنسبة من الربح حتي تخرج من أزمة  لم تعملها قيادتها الجديدة وإنما هي تركة الفساد الثقيلة منذ عقود.
إنني أدعو بل أناشد جميع الغيورين من المسئولين والشركات والقادرين أن يهبوا لنجدة مصر، فقوة مصر قوة للعرب والمسلمين جميعًا، وضعفها ضعف لهم جميعًا.
وفي اعتقادي أن هذا الإحساس الديني والقومي والمصلحي الاستراتيجي هو الذي دفع قطر إلي أن تدعم الاقتصاد المصري بحوالي ثمانية عشر مليار دولار، فلو وقفت بقية الدول مثل هذا الموقف المشرف لما احتاجت مصر إلي أن تستنجد بصندوق النقد الدولي الذي دخل في بلد إلا ترتبت عليه آثار سلبية.
إنني قد عشت في مصر للدراسة بعد حرب العاشر من رمضان (6 أكتوبر) إلي ما بعد اتفاقية كامب ديفيد، فقد تألمت من الاتفاقية التي حيدت مصر في عصر سادات ومبارك، ولكنني أقول بكل صدق: إن معظم حكام العرب - وبخاصة الأثرياء منهم - يتحملون جزءًا كبيرًا من آثارها، لأن مصر خرجت من حرب أكتوبر وقد أنفقت معظم ما لديها للمجهود الحربي، والشعب يتوقع أن يساعده إخوانه لينهضوا كما نهضت معظم الدول، ويريد أن يتوظف بأبناؤه، وأن تكون المرتبات كافية، فإذا بالأمور الاقتصادية تزداد سوءًا والعالم العربي يبخل علي مصر وحدثت انتفاضة لا لعيش (الخبز) عام 1976م ولم تقم الدول العربية بواجبها نحو مصر، فانتهزت أمريكا واللوبي الصهيوني هذه الظروف وتلك المواقف السلبية فتمت اتفاقية كامب ديفيد من خلال الإغراء باقتصاد مزدهر.
أكرر مناشدتي للقادة العرب والمسلمين أن يتعاملوا مع مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، وسوريا من خلال النظرة الاستراتيجية القائمة علي العقيدة، والاخوة، والمصالح المستقبلية، البعيدة عن الحزبية والنظرة الضيقة الأفق، وعن النظرة الأمنية والعلاج الأمني واستشارة خبراء الأمن الذين هم في غالبهم جزء من المشكلة.