الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

شرعية الاستفتاء تستمد من قوة الدستور وإرادة الشعب




بغض النظر عن التناقضات والأخطاء الفادحة، حتي اللغوية - التي ربما قد يتألم لوجودها عبدالرازق باشا السنهوري، عضو لجنة الخمسين التي وضعت دستور 1954 ومؤسس مكتبة المعهد العالي للدراسات العربية، ورغم غموض المصطلحات التي وردت في أهم المواد - علي سبيل المثال المادة الأولي التي تنص علي أن «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديمقراطي»، مكررة ما جاء في البند الثاني من الديباجة «نظام حكم ديمقراطي»، ولا ندري ماذا يعني فقهاء دستورنا الحديث بـ«نظام حكم ديمقراطي»، وفي أي دستور من دساتير الدول المتحضرة توجد مثل هذه الصيغة، وما هي أسس هذا النظام الجديد «وليد ثورة 25 يناير»؟ من المعروف أن نظام الحكم الجمهوري نوعان: رئاسي «بصوره المتعددة» وبرلماني، لكن أعضاء اللجنة التأسيسية والمبجلين امتنعوا عن وصف نظام الحكم الذي يترتب عليه، كما هو الحال في كل دساتير الأمم المتحضرة، هيكل الدستور وبنايته من تشكيل واختصاصات، وهذا أول القصيدة!!

لكننا لا نريد أن نتعرض لنقد ربما يبدو فات أوانه لمشروع الدستور «وإن كان لا زلنا نعتبر أن الحوار حول صياغة الدستور نبدأ به صفحة جديدة من تاريخ مصر لابد أن يستمر للوصول إلي توافق اجتماعي يغلق باب الانقسامات، ليس فقط بين التيارات السياسية، بل بين طوائف الشعب عامة»، أو أن نتوغل في غابة المواد التي يطغي عليها الابهام ويخيم عليها ظلام الفهم والتفسير، بل نريد أن نركز الحديث علي المادة الرئيسية التي تضمن شرعية الاستفتاء والتي حرص فقهاء دستورنا علي عدم إدراجها في الدستور «عامدين أم غافلين؟»، رغم أنها المادة الرئيسية والوحيدة التي تكفل للاستفتاء شرعيته وصلاحيته، وتحول دون الانقسام، وتوفق مبدئيا بين مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية في بلد أصيب بالانقسام والتفتت السياسي في الآوانة الأخيرة.
فكما أوضح بجدارة فاروق جويدة «لا يوجد منتصر أو مهزوم في معركة الدستور.. فكلنا فيها خاسرون»: لم تكسب التيارات الدينية رغم كل ما بذلته من جهود، ولم تحقق الأرقام التي كانت تتمناها.. ولم تخسر المعارضة رغم النتائج التي قدمتها اللجنة العليا للانتخابات، بل حققت نجاحا لم يكن متوقعا إذ صمدت أمام الحملات «الدينية» الشرسة التي حولت منابر مساجدنا إلي أبواق دعاية استباحت الكذب والتضليل، ثم تخطتها إلي تزوير الحقائق وانتهت بالتكفير، معتمدة في حملتها علي شعب «يعاني أمية ثقافية عتيقة» غالبيته لا تقرأ ولا تكتب، وكان أكبر نجاح حققته المعارضة هو اقناع 70٪ من اجمالي الكتلة الانتخابية بعدم الاشتراك في معركة الدستور. ومن البديهي أن تضيف المعارضة هذه النسبة إلي من قالوا «لا» للدستور لتصبح الأغلبية في صالحهم. ويرفض الجانب الآخر مثل هذه الحسبة، رغم مرارة الفوز، مستندين إلي ما تنص عليه المادتان 127 و225 من الدستور علي «موافقة الشعب بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء». وهذه عورة من عورات الدستور!
فكيف يتسني لأي كان أن ينسب إلي شعب تعداد ناخبيه يفوق الخمسين مليون إرادة أقلية ساحقة، ربما لا تتجاوز 20٪ منه؟ وكيف يبرر سياسيا مثل هذه النتيجة من يدعي تطبيق «نظام حكم ديمقراطي» ويولي للشعب «السيادة يمارسها ويحميها».. ويعتبره «مصدر السلطات» «المادة 5 من الدستور»؟
لكن كل هذا جائز، ويجوز، في غياب قاعدة قانونية تحدد معايير الاستفتاء!
من يطلع علي الدستور ويتمعنه بشيء من الدقة يجد أن كلمة «استفتاء» مذكورة 16 مرة في 9 مواد:
ففي المادة 225والتي تنص علي:
«يعمل الدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء، وذلك بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء». ولم يتعرض فقهاء الدستور لخصوصية الاستفتاء، كقاعدة وقانون دستوري يحدد: أولا، من الذي يدعو للاستفتاء، هل فقط رئيس الجمهورية أم كذلك نسبة من أفراد الشعب، أو جهات أخري (الحكم المحلي مثلا). ثانيا، ما هي المواد التي يمكن الاستفتاء عليها والمواد التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستفتاء عليها، أي المواد الأساسية. ثالثًا، نسبة الناخبين من جملة من لهم حق الانتخاب لاعتماد صلاحية وشرعية الاستفتاء أو فشله. رابعًا، نسبة الأغلبية إذا توافرت النسبة القانونية للمشتركين في الاستفتاء. خامسًا، المدة التي تتاح للشعب لدراسة المادة التي يراد الاستفتاء عليها.
وبما أن رئيس الجمهورية، بموجب الدستور، قد يلجأ للاستفتاء لأخذ موافقة الشعب علي حل مجلس النواب (المادة 127)، أو إلغاء أحد القوانين، أو جزء منها، أو يستفتيه في المسائل المهمة التي تتصل بمصالح الدولة العليا (المادة 150)، أي أن الشعب في هذه الأحوال مطالب بأن يكون مشرعا وصاحب قرار، إذا لابد وأن تكون مشاركته مشاركة فعلية في التصويت بأغلبية ساحقة، أو علي الأقل بالأغلبية العظمي. وهذه الأغلبية لابد أن يقرها القانون في العقد الاجتماعي، ضمن مواد الدستور الأساسي غير القابلة للتعديل.
ولا تخلو دساتير البلاد المتحضرة، من أوروبا إلي البرازيل، من مادة تنظم عملية الاستفتاء حتي يضمنوا للشعب المشاركة الفعلية وحتي لا تطغي أهواء الفئة الحاكمة عي الغالبية (والأمثلة في تاريخنا لازالت علي قيد الحياة)، - أو أن يحدث مثل ما حدث في مصر في الاستفتاء علي الدستور - وقد قام المركز الوطني للترجمة بترجمة معظم دساتير العالم ليتيح للجمعية التأسيسية فرصة الإطلاع والاستعانة بها، وليتهم توقفوا عند هذه المادة قليلا واستوعبوا مدي أهميتها! ربما كنا قد تجنبنا ما أسماه البعض بـ«معركة الاستفتاء» (وكأننا رجعنا إلي غزوتي بدر وأحد!) وما تسببت من موتي وجرحي، ومن انقسام وتفتت.
لذا نقترح أن تدرج في دستورنا مادة تنظم الاستفتاء، قد تكون علي غرار المادة 75 من الدستور الإيطالي، أومن أي دستور حضاري يختاره المشرع.