الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عروض أنقذت القومى من كبوته!

عروض أنقذت القومى من كبوته!
عروض أنقذت القومى من كبوته!




كتبت_هند سلامة

انتهت مساء اليوم الجمعة فعاليات الدورة الحادية عشرة للمهرجان القومى على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا، ومن المنتظر أن تعلن لجنة تحكيم المهرجان نتائجه وتوزع الجوائز على مستحقيها؛ والتى طال انتظارها اسبوعين كاملين، لكن حتى مثول الجريدة للطبع لم تتح لنا فرصة الإطلاع على هذه النتائج إلا وقت إعلانها، يرأس لجنة تحكيم هذه الدورة الفنانة سميرة عبد العزيز، وبعضوية كل من الفنان أحمد حلاوة، الناقد جرجس شكري، الدكتور سامى عبد الحليم، الدكتور مصطفى سليم، الدكتور عاطف عوض، الدكتور عبد الرحمن دسوقي، الدكتورة نجلاء عبد الحميد، المخرج محمد نور، وأمين اللجنة عبد السلام السيد.

رائحة التسابق

من المعروف أن المهرجان يقدم إنتاج المسرح المصرى خلال عام كامل من مؤسسات تابعة للدولة وفرق مستقلة على اختلاف تنوعها وخلفياتها الإنتاجية؛ لكن لم تتساو عروض المسابقة الرسمية فى مستوى جودتها، وتراوحت هذه الأعمال بين جيد وضعيف للغاية، فلم يكن هناك الحد الأدنى من الإجادة الفنية الذى يسمح لبعض العروض بالصعود ومشاركة المحترفين وشباب يسعون للوصول إلى مستوى الإحتراف حلبة التنافس، حيث اشتدت المنافسة فى الأسبوع الثانى للمهرجان وبدأت تتضح معالم جديدة لفرق المسرح الجامعي، واستطاع بعض الشباب تحقيق حالة التوازن الغائبة مع المحترفين فى أسبوعه الأول،  كان من بين هؤلاء  الشباب الذين اثبتوا حضورا جيدا هذه الدورة طلبة المعهد العالى للفنون المسرحية بعرضى «دراما الشحاتين» إخراج محمد الرخ و«إنهم يعزفون» إخراج عبد الله صابر، وكذلك عرض «البؤساء» للمخرج محمد عبد الله التابع لكلية التجارة جامعة عين شمس، و»+22 لجميع الفئات العمرية» إخراج محمد جبر لفرقة روانا الهوسابير، «رجل لكل العصور» إخراج محمد السعدنى التابع لوزارة الشباب والرياضة كلية طب جامعة القاهرة، قدمت هذه العروض بين عروض فرق البيت الفنى ومركز الهناجر للفنون المشارك بعرض «مسافر ليل» إخراج محمود صدقي، «الثامنة مساء» إخراج هشام على من مسرح الغد، «آنا كارمن» تأليف وإخراج وتمثيل سماء إبراهيم، وبالتالى كان لعروض الشباب حضورا واضحا بالمهرجان فى اسبوعه الثانى واصبح له طعم ورائحة التسابق التى قد تغير التوقعات الأولية بنتائجه التى سبقت بدء فعالياته، كما اتضحت بشدة هذه الدورة تميز عناصر السينوغرافيا فى عدد كبير من العروض والتى قد تحتار بينهم اللجنة لتنوع اشكال وتناول الأعمال بصور بصرية متعددة شديدة الإتقان والإبتكار.

«بؤساء هوجو».. بين عودة الأمل وانقطاعه

قدمت رواية «البؤساء» لفيكتور هوجو ضمن فعاليات هذه الدورة مرتين الأولى بعنوان «كوميديا البؤساء» تأليف وإخراج مروة رضوان قدمتها بمعالجة جديدة مبهجة تناقضت كثيرا مع الرواية الأصلية فيها إحياء للتفاؤل والأمل، بينما اختلف وتناقض معها عرض «البؤساء» التابع لكلية التجارة جامعة عين شمس إعداد محمود جمال وإخراج محمد عبد الله أحمد الذى جاءت نهايته اشد قتامة من نهاية هوجو نفسه إلتزم جمال بالنص الأصلى طوال أحداث الرواية إلا فى نهايتها التى أغلقها بتسيد الظلم على الحق بقتل جافيير لجان فالجان ثم صعوده أعلى المسرح معلنا انتقامه من الجميع وتسيد موقفه عليهم وأسر كوزيت ودخول حبيبها دوامة سجن ابيها من جديد وكأن الرواية تعيد نفسها بمن كان رمزا لإحياء الأمل وهما الحبيبين؛ قتل جمال الأمل مرة أخرى بشقائهما ودخلوهما معاناة جديدة تعيد إفراز الماضى الأليم، تفوق ابطال هذا العرض جميعا فى تقديمه خاصة فى عمل تكوينات متعددة واستغلال قطع الديكور الخشبية المصممة فى هيئة تكعيبية ترمز للسجن بكل اشكاله فاستطاعوا بمهارة شديدة التعامل مع هذه القطع وإبرزاها فى مشاهد متعددة بالعرض على اختلاف صعود وهبوط احداثه بجانب استغلال الإضاءة جيدا وصنع لحظات درامية شديدة التأثر والجمال فخرجت صورة مسرحية متقنة الصنع بقيادة مخرجه وأبطاله الذى استطاع قيادة عدد لا حصر له من الممثلين والمجاميع على خشبة المسرح فتحسب له مهارته الشديدة فى التعامل مع هذا العدد الضخم بهذا النظام والإحتراف دون خلل يذكر، وبالتالى يدخل هذا العمل فى منافسة شرسة مع عروض المهرجان خاصة بعناصر الإضاءة والإخراج والديكور.

«هاملت» بثلاثة وجوه

تعددت أشكال تناول مسرحية «هاملت» ضمن فعاليات المهرجان، فقدمها المخرج محمد الصغير بقراءة مصرية كوميدية شديدة السخرية، ثم قدمها المخرج سامح بسيونى بشكل كلاسيكى تام لكنه قدم رؤية مختلفة بانقسام شخصية الأم إلى اثنين المرأة اللعوب الخائنة والأخرى الطيبة المغلوبة على أمرها أمام ابنها وبين الحالتين لم نعلم لماذا قسم المخرج الأم إلى نصفين وهى شخصية قد لا تحتمل هذا الانقسام؛ لكن يحسب للعرض إيقاعه السريع الذى قدم فى ساعة بينما وقع فى أزمة بسبب ضعف عدد كبير من ممثليه باستثناء البطل فى بعض الأحيان الذى يحتاج إلى المزيد من التدريب والاجتهاد كما يحتاج أكثر للخروج من عباءة مخرجه سامح بسيونى الذى بدا يشبهه كثيرا فى الشكل والأداء التمثيلي؛ وكانت الرؤية الثالثة من نصيب «فرقة هاملت المسرحية» إعداد وإخراج ممدوح عادل أبو عوف لفريق المسرح بكلية الحقوق جامعة المنصورة جاءت الرؤية مغايرة تماما للرؤيتين السابقتين، فيها مستوى آخر من التفكير والقراءة لهاملت والتى ربط فيها المخرج حادثة قتل أبيه بحادث قتل الملك دنكان فى مسرحية ماكبث لنفس المؤلف وليم شكسبير هذا المزج والتكامل الفنى بين العملين بدا جديدا ومختلفا عن الأعمال التى تناولت نفس المسرحية؛ بجانب حذف شخصية الشبح واقتصاره على أن الأمر لا يتعدى حدود أفكاره التى تدور بذهنه وهواجسه تجاه فعل القتل، لكن للأسف وقع المعد فى تشتت القراءة بعدم استقراره على خط درامى معين، ظهرت حيرته بوضوح فى قراءة هذه الشخصية منذ بدء العرض بشروع «هاملت» فى تأليف قصته أو فى كتابة مسرحية جديدة بعنوان «مصرع الملك دنكان» وهذه هى نفس المسرحية التى سوف يستدعى فرقته لتمثيلها أمام أمه وعمه كى يثبت عليهما جريمة القتل؛ ويبدأ فى عمل بروفات المسرحية وتمثيله هو شخصيا لشخصية أمه باعتبارها عاهرة تغوى الرجال؛ ثم تأتى مفاجأة قتل الممثل العجوز الذى يلعب شخصية الملك دنكان وهو فى واقع الأمر شخصية والد هاملت فيظن هاملت او هكذا يزعم لصديقه أنه هو قاتله فى حين أن صديقه يؤكد له أنه مات موتة قدرية، ثم تأتى هنا قرأة أخرى وهى ظنون هاملت الدائمة أو ربما يكون هو من دفع أباه للقتل بسبب شدة حبه لوالدته والتى يقول فى أحد المونولوجات أنها كانت «متعلقة به حد الاشتهاء» هنا نحن أمام قراءة نفسية أخرى تشير الى عقدة أوديب التى تسيطر عليه والتى ربما جعلته يدخل فى كل هذه الهلاوس غير الحقيقية إلى أن ينتحر فى نهاية العرض من شدة هواجسه بجانب موت والدته نفس الموتة التى أصابت ليدى ماكبث، فنحن أمام قرآت متعددة لهذه الشخصية التى تحتمل هذا التعدد بينما لا تحتمله مسرحية واحدة فبدت وكأنها متاهة هاملت، فلو استقر المعد على خط واحد خاصة فى فكرة استدعاء رواية ماكبث ودمجها بهاملت لخرج بإعداد جديد ومبتكر لأكثر الأعمال الكلاسيكية تناولا بالعالم لكنها فى النهاية محاولة جيدة لقرأة «هاملت» من زواية أخرى كان فقط ينقصها الإستقرار.

«دراما الشحاتين» و»إنهم يعزفون»

تفوق أيضا صناع عرض «دراما الشحاتين» فى تقديم عمل مسرحى متميز ومتماسك يحكى العرض قصة معاناة مجموعة من المهمشين استغلوا مبنى لمسرح قديم كى يؤيهم من الضياع ثم يقرر أحدهم تقديم مسرحية «هاملت» وإعتبار سكان هذا المكان هم فرقته المسرحية فمنهم السارقة ومنهم المتشرد وهكذا يجتمع هؤلاء بعد أن يتناحروا معا فى حضور رجل الشرطة الذى يشهد هذا التناحر ويعتبره جزءا من المسرحية حتى قتل أحدهم حبيبته عن طريق الخطأ انتقل العمل برشاقة وايقاع منضبط بين الكوميديا والتراجيديا وتميز ابطاله بقوة الحضور وإتقان الأدوار كل فى موقعه، لذلك من المتوقع دخوله فى منافسة قوية مع عروض المحترفين بعناصر التمثيل والإخراج والإضاءة والديكور، وتساوى معه ايضا فى الإتقان والقدرة على المنافسة بنفس العناصر «إنهم يعزفون» للمخرج عبد الله صابر وتأليف محمود جمال.

التمثيل وثقافة الافتعال

للأسف لم تكتمل حالة المتعة والإثارة بصعود هذه العروض الجيدة فى الجولة الثانية بسبب تعدد وكثرة العروض الضعيفة التى كان لا يرقى معظمها إلى مستوى التسابق بسبب ضعف التناول والتمثيل بثقافة الإفتعال وهى مدرسة يلجأ إليها من اعتاد الإستسهال، فلم يبذل معظمهم جهدا فى التدريب على التنوع والاتقان؛ من هذه العروض «سبارتكوس»، «ساحرات سالم»، «رحيم»، «كاليجولا»، «سجن إختياري»، «الإلياذة»، اشتركت هذه الأعمال فى عيب واحد «التصنع» وخرج ممثلوها وصناعها بشكل لا يليق بمسابقة كبيرة فى مهرجان كبير، بجانب وقوع معظمها فى فخ التطويل وعدم تقديم محتوى فنى جيد أو رؤية جديدة فهناك أعمال كانت فارغة من محتواها الفنى مثل «الحبل الأحمر» وبدا واضحا أن المخرجة مى عبد الرازق كانت فى حيرة من أمرها هل تناقش قضايا المرأة بكلام مرسل ليس له أثر أو معنى درامى أو بتعبير حركى ضعيف ومكرر، و«رحيم» الذى تاه مخرجه فى تقديم مسرحية داخل استعراضه لأزمات نسائية مكررة ومتناثرة أدت إلى انتحار بطلته وانتحار العرض معها الذى تشتت أفكاره ومشاهده بين رحمة الله والطفل «رحيم» الذى تمثل الفرقة النسائية قصته، ثم «سجن اختياري» الذى اعتمد على الوعظ والمباشرة خاصة فى مشهد النهاية.

حصيلة العروض الجيدة

 وبالتالى كانت حصيلة العروض الجيدة والتى احتدمت المنافسة فيما بينهم على جوائز المهرجان طوال فعالياته تسعة عشر عرضا مسرحيا من واقع 37 عرضا من هذه العروض «السيرة الهلامية» إخراج محمد الصغير، «مسافر ليل» إخراج محمود صدقي، «آنا كارمن»إخراج سماء إبراهيم، «الساعة الأخيرة» إخراج ناصر عبد المنعم، «كوميديا البؤساء» إخراج مروة رضوان، «مركب بلا صياد» إخراج عمرو قابيل، «سنو وايت» إخراج محسن رزق، «قلعة آلموت» تصميم وإخراج مناضل عنتر، «سلم نفسك» إخراج خالد جلال، «الثامنة مساء» إخراج هشام علي، «دراما الشحاتين» إخراج محمد الرخ، «إنهم يعزفون» إخراج عبد الله صابر، «البؤساء» إخراج  محمد عبد الله أحمد، «كلهم أبنائي» إخراج نور عبد الله، «رجل لكل العصور» إخراج محمد السعدني، «الزيارة» إخراج محمد جبر، «+22 لكل الفئات العمرية» إخراج محمد جبر، كما أثنى الجمهور على عرضى «لسه بسأل» إخراج محمد مرسى والتابع لمركز إبداع إسكندرية والمأخوذ عن رواية «خالتى صفية والدير» لبهاء طاهر، و«ستوديو» إخراج علاء الكاشف حتى أن الأخير أعيد مرتين بناء على طلب الجماهير، كما أوشك مخرج «لسه بسأل» على إعادة عرضه بسبب صعوبة دخول الجميع لكنه كان حاسما لأمره من البداية بألا يعيد العمل حتى لو تجاوز الجمهور عدد القاعة بسبب تعرض ممثليه للإجهاد الشديد.

الحاجة إلى التوقف والمراجعة

برغم احتواء المهرجان على بعض الأعمال الجيدة متقنة الصنع بالإضافة إلى المحاولات المسرحية التى لم تكتمل فى «هاملت» إخراج سامح بسيوني، و«فرقة هاملت المسرحية» إعداد وإخراج ممدوح عادل أبو عوف، إلا أن هذه الدورة جاءت مخيبة للآمال لاحتوائها على عدد غير قليل من الأعمال الغير مؤهلة للتسابق وبالتالى كانت ثورة الكثير من المسرحيين قبل بدء هذه الدورة فى محلها بسبب تعمد لجنة المشاهدة استبعاد عروض جيدة لمصلحة أعمال ضعيفة؛ فإذا كان هذا هو مستوى إنتاج المسرح المصرى فى عام كامل؛  وجب التوقف والمراجعة..!!