الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جعفر حمدى: الشعراء هم «ملح الأبجدية» وعاداتنا وتقاليدنا هى المحرك لكلماتنا

جعفر حمدى: الشعراء هم «ملح الأبجدية» وعاداتنا وتقاليدنا هى المحرك لكلماتنا
جعفر حمدى: الشعراء هم «ملح الأبجدية» وعاداتنا وتقاليدنا هى المحرك لكلماتنا




امتلكته اللغة وتمكنت منه بعد أن سكنت كل جنبات روحه وجوارحه فوهبها قلبه وعقله وصمم على سبر أغوارها متسلحًا بمفردات الأرض وسمات أهل الصعيد فجاءت قصائده معبرة عن تفاصيل شديدة الخصوصية والتفرد بلغة عربية فصيحة تنتصر للجذور وتحتفى بجهابذة الشعر القديم، هذا ما يقدمه لنا الشاعر جعفر أحمد حمدي، الباحث ماجستير بقسم البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن، كلية دار العلوم جامعة المنيا والذى حصل على جائزة سمو المعرفة من المملكة العربية السعودية 2016 كما حصل على جائزة الشارقة للإبداع فى دورتها الحادية والعشرين 2018 عن ديوانه الأول «كآخر نقطة فى البئر».. عن نشأته وفكرة تحاورنا فإلى نص الحوار.


■ الأرض، الخيل، القبيل، رافقت تلك الكلمات العديد من قصائد الديوان فكيف أثرت مفردات بيئتك الصعيدية فى مخيلتك وشكلت وجدانك؟
بالطبع نحن أبناء الجنوب تشكل وعينا على هذه التعبيرات، وما الشاعر إلا وعاء ينضح بما نشأ عليه، كانت الأرض ولا يزال همنا الأول، عاداتنا وتقاليدنا هى المحرك الرئيس، لابد وأن يكون الشاعر ابن بيئته ليتميز أو ليكون صادقًا فى كتابته، نحن أبناء همِّ الكتابة تجمعنا الأرض وتحتفى بنا القبيلة، هكذا منذ أمريء القيس، فكيف نغفل عن بيئتنا ولا نزهو بها، نشأت فى بيت طينى سكنت فيه ثلاثة وعشرين سنة أو أكثر، كان مسقوفا بجذوع النخيل، ما إن رفعت وجهى للأعلى رأيت النخيل، ما إن وجهت نظرى للأسفل وجدت الطين، فهكذا نشأت وهكذا كنت لأكتب.
■ «ملح الأبجدية» جاء هذا التعبير معبرًا بشدة عن الحالة التى تكتنف الديوان بشكل عام ما رأيك؟
بالفعل وفكرت كثيرا أن يكون عنوان الديوان إلى أن وضعته فى أول الديوان كمفتتح يعبر عن بقية الديوان، قال المسيح عليه السلام: أنتم ملح الأرض، ومقولة المسيح تامة تعطى الفكرة لمتلقيها، معلنة عن الصالحين الدين يحفظون الأرض، ولكن هنا تصبح ملح الأبجدية وتغيب من هذه الشبكة المبتدأ «أنتم» ويتم استبدال الأبجدية بالأرض، فكأن الشعراء هم الصالحون الذين يحفظون الأبجدية.
■ «صبار رحلتنا الطويلة، شهقة الريحان» تركيبات شعرية على غرابتها إلا أنها لخصت الحالة غير المستقرة ما بين اليأس والأمل عبر قصائد الديوان فيكف تراها؟
تلعب الإضافة هنا دورًا مهمًا، فإضافة شيء لشيء آخر تعطيه دلالة جديدة، وتقوم القصيدة الحداثية على هذه التراكيب التى تميز شاعرًا عن آخر، أو تساعد شاعرًا على أن يبوح ويعبر عما بداخله.
■ فى قصيدة «تقويم آخر للحب» قدمت الحب فى أشكال عدة واحتفيت به صفها لنا.
يمكن تفسير الحب فى أغلب المعاجم الفلسفيّة على أنّه نوعٌ من العاطفة الجاذبة لشخصٍ نحو شخصٍ من الجنس الآخر، وبهذا فهى تحمل معنى خاصًا مصدره الشخص الأوّل، إضافةً لهذا فإنّ الميل الجنسى يعتبر نوعًا من اللذة التى تنشط نتيجة الحب، وتكون هذه اللذة ماديّة أو معنويّة، بمعنى آخر فالحب فلسفيًّا يعنى الميل إلى الشيء أو الأمر السار، بهدف إرضاء غايات روحيّة أو ماديّة، ولا أبعد كثيرًا عن هذا التعريف، فربما كانت نشأتى فى بيت صوفى يحمل دلالات كثيرة لأن نكون محبين، المحبة التى لا تزول، المحبة التى تجعل من رجل يسكن الجنوب يتألم لرجل يسكن فى الشمال، ولا أبالغ إن قلت يشبع لشبعه ويُروى لريه، متمثلا « وأحبها وتحبنى وتحب ناقتها بعيري» أظن هذا أفضل وأدق ما قيل عن المحبة..
■ الاحتفاء بالطفل والطفولة بدا واضحًا فى قصيدة مثل قصيدة «فى البدء» فكيف كانت طفولتك التى من خلالها أثرت على تجربتك الشعرية؟
كغيرى من أطفال الجنوب نشأت فى أسرة متوسطة الحال، أسكن فى بيت طيني، نشأت على قيم وتقاليد، كانت لها الفضل فى كونى شاعرا، الشعر رافقنى منذ نعومة أظفاري، كان ذلك فى أغانى النساء فى الأفراح حتى عديدهن فى المآتم، وكانت جدتى «عمة أبي» تسكن معى فى غرفة واحدة تشبعنى بغنائها وشعرها، فمنها نهلت التذوق وعرفت طريق الشعر، أو كما قلت فى قصيدتى «كطفل بائس يارب تقتله الأراجيح، وتشغله دماء الوقت هل من ثم تنقيح» طفولتنا لم تكن كغيرها، فما كان يفرحنا أعتقد أنه لا يفرح الآخرين، وما يحزننا لا يحزن الآخرين، فإن فتى نشأ فى بيئة تقدس المحبة، وتعمل فى كنف العائلة أو القبيلة لهو مهموم بالمجتمع أكثر من غيره، فمن ذلك كتبت عن الطفل الذى لا يغادرنى والذى لا أظن أنه سيغادرني.
■ احتفاء واضح بالمتنبى فلماذا هو تحديدًا؟
وكيف لا وهو الشيخ الأول، وهو الذى قال عنه درويش : «أنا كل ما أردت أن أقوله قاله هو فى نصف بيت: على قلق كأن الريح تحتي»، كلما أردت قول شيء وجدته عنده، وكل ما قاله وجدته عندي، غير أننى اطلعت على أكثر من مائة كتاب يحاول كل كاتب منهم أن يصل إلى تأويل بعض ما أراد قوله ومازال المجال مفتوحا أمام الجميع، ولا أظن أنه سيغلق فهو شاعر إلى يوم يبعثون، ملأ الدنيا وشغل الناس، وآثرني، ولم أستطع أن أضعه فى مفاضلة مع غيره فالمتنبى لا يضاهيه سوى المتنبي.
■ حدثنا عن مشروعك الشعرى وكيف تعد له؟
لى ديوان فاز بجائزة الشارقة للإبداع الدورة الحادية والعشرون واسمه « كآخر نقطة فى البئر» ولى ديوان تحت الطبع اسمه «يكاد قلبه يضيء»، وما زلت أبحث عن الكتابة التى تميزنى أو الكتابة التى تجعلنى فى مصاف الشعراء أصحاب التجارب الخالدة، أنام وأصحو قارئا جيدا لمعظم التجارب العالمية والمحلية، علها تضيف لى ما يمكننى من كتابة ما أرجوه. أكتب متماهيا مع الحب والتجربة واليقين، أبحث فى الشعر عن الإنسان، وفى الإنسان عن الشعر، وفى كليهما عن الحب، أطمح أن أشتبك مع كل رؤى العالم، الحب الخير السلام، فالشعر إن لم يتماهى مع الإنسان بوجعه وألمه، بفرحه وحزنه، بديمومته وزواله، ليس جديرًا أن يقال له شعر، أتراوح فى كتابتى بين الأشكال الشعرية فما يهمنى هو الشعر دونما التعصب لشكل بعينه، انتصر للبيئة التى خرجت منها، ومنها اشتبك مع الواقع.
■ فى قصيدة «لوحة لم تنته بعد» جئت على ذكر العديد من الدول العربية والإسلامية اشرح لنا رؤيتك؟
درست فى مرحلة الليسانس، قصيدة لمحمود درويش اسمها «الرجل ذو الظل الأخضر» وكان لى تحليل مغاير لما قاله أستاذ المادة وقتها، وهو استباط تأويل غير ظاهر لما قاله درويش عن جمال عبدالناصر، وهو يرمى إلى الوحدة العربية التى كان يسعى لها، ومن هذه الفكرة قررت أن أوحد بين هذه الدول عن طريق قصيدتى القائمة على المحبة المرجوة.