الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. الشمس تغلق أبوابها

واحة الإبداع.. الشمس تغلق أبوابها
واحة الإبداع.. الشمس تغلق أبوابها




اللوحات للفنان
حسينى علـى

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    

[email protected]


 

الشمس تغلق أبوابها

قصة قصيرة

كلمات – على السباعى/ العراق

الشمسُ تصبغ بغدادَ بضوئها الناري، نخيل ألوزيرية - منطقة تقع فى وسط مدينة بغداد - ناحــلٌ طويـلٌ مغبرٌ، وجسرُ الصرافية يمتدٌ طويلاً إلـــى الضفة الأخرى مــن دجلة، أعمدةُ الكهرباء ناحلةً كالحةً كابيةً صدئةً... وبيــوتُ شارعِ المغرب بجدرانها الطابوقية المغبرةِ الألوان.
كنا نحنُ طلابُ كليـة الفنونِ الجميلة فى المرحلةِ الأخيرةِ من قسم المسرح نخرجُ من قاعاتِها بعد أن أدينا آخــرَ امتحانٍ مقرر علينا.. نطوى بجو بغدادَ الحار جدا.. تلك الحرارةُ التــى بدأت تزحفُ فوق ألوزيرية بجسرِها ونخيلِهـا.. لَكَمْ كنــا نتجمهرُ على شكل مجاميعَ تؤدى طقوســاً علَّ الشمـسَ تغلُق أبوابَها أمام خريف الوداع.. وجدتنى فجأة أحدثُ زملائى الطــلاب من شدة الحرِ عن الحرِ، وأنا أتطلعُ بيــأس إلى فضآت بغداد الشاســعة بشمــس ساطعة:
زملائى كنت اسمع جدتى تردد دائما عن الحر:
«تموزُ ينشفُ الماءَ من الكوز، أما آب فالعشــرة الأول من أيامــه تحرق المسمار بالباب  وفى العشرة الثانية تقلل الأعناب وتكثر الأرطاب والعشرة الثالثة بالنهار لهاب وبالليل جلاب وتفتح مـــن الشتاء باب، أمـا أيلول فتقول جدتى رحمها الله امشوا ولا تكَيلون».
وأنا منهمكٌ بحديثى وزملائى مصغين لما أقول بانتباه، فإذا بإحدى زميلاتنا تطل علينا من قسم التشكيل، فتح زملائى عيونهم عليها، وبدورى فتحت عينيَ الجنوبيتين.. وأنا أحدقُ فى حضورها البهى.. وفــى عينيهــا البغداديتين دهشة تأخذُ بزمـام الوجد إلى وديانها، فصار وجهُها الأنيسُ إلى قلبى أكثرَ وسامة وجلالا، ومــــن ورائها تتكسر أشعةُ شمسِ الضحى على بياض وجهها الثلجى كما تتكسر على رءوس موجات دجلة أشعة شمسنا القاسية، ارتخت ملامحُ وجهها وأصبحتْ أكثر احمرارا كأنها جلنار الشمال فاتسعت عيناها مثل صبية ترتجف مــن البرد، كانت زرقة عينيها تحمل عمـق الســـؤال الــذى يطرز بلون البحر، توقفتْ دقـــاتُ قلبى لحظةً.
لحظة ليـس فيها زمن، لأنى كــنت اعشقها بصدق، قالت بصـــوتٍ واثقٍ وهى توزع نظراتها.. كأنها تقـــلد حركات بطلة أغنيه كاظم الساهر «زيدينى عشقا»، عندما كانت تفرك يديها وتنفخ فيهما دفئها الجنونى مــن شدة البرد: أشاه.
بعد أن رمقها الجميعُ بنظرةٍ مستغربة وابتسامةٍ مجاملة متحيرة، قلتُ لها فى دهشة وانا انظرُ اليها بتمعن: ما بالك ترتجفين ونحن فى شهر حزيران؟!!!
قالت لى بنبرة بريئة من وجههِا البغدادى الجميل: ألوان قميصك باردة..!