الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شقيقة الشهيد تفتح قلبها لـ «روز اليوسف»: محمد هارون «صائد التكفيريين»

شقيقة الشهيد تفتح قلبها لـ «روز اليوسف»: محمد هارون «صائد التكفيريين»
شقيقة الشهيد تفتح قلبها لـ «روز اليوسف»: محمد هارون «صائد التكفيريين»




حوار ـ سلوى عثمان

 

هناك نماذج تستحق التقدير والاحترام لأمهات قدمن كثيرا من التضحيات، فمثلما نردد دائما «وراء كل رجل عظيم امرأة» يمكننا كذلك القول أنه وراء كل شهيد أم عظيمة أنجبته وربته على الفداء، ليكون حارسًا لتراب الوطن» فلم يبخلن بفلذات أكبادهن ليكونوا فداءً للوطن، من أجل أن يسود الأمن والأمان ودحر ومحاربة الاٍرهاب الذى يريد النيل من مصر.
«روزاليوسف» احتضنت أمهات وزوجات الشهداء، فهن كريمات يستحققن التكريم، ذهبنا إليهن ليسردن لنا بطولات رجال مصر الشهداء، ويحكين لنا عن الحياة الشخصية لشهدائنا، ليكونوا قدوة حسنة لشباب الوطن.

 

العقيد محمد هارون كان قائدًا لارتكاز الجورة الأمنى بالشيخ زويد وعُرف من خلال صولاته وجولاته فى مواجهة التكفيريين بشمال سيناء بألقاب عدة تكشف ما لم نره أو نسمعه فمنها
صائد التكفيريين، أسد الصحراء، أبوهارون، حيث أمكنه ورجاله القبض على أخطر العناصر الإرهابية والقضاء على الكثيرٍ منهم فى معظم الاشتباكات التى خاضها الشهيد ومجموعته ضد التكفيريين، وتحوله ورجاله المذهل من حالة الدفاع إلى الهجوم فالملاحقة فى عمليات أشبه بالانتحارية فى قلب معاقلهم وثكناتهم وإلحاق الخسائر الفادحة بهم وتَمكُنهِ من اغتنام أسلحتهم ومعداتهم وأسر عدد كبير من عناصر التنظيم التكفيرى، الذين أصبحوا بمثابة الصندوق الأسود والكنز المعلوماتى للأجهزة المعنية بمكافحة ودحر الإرهاب على أرض سيناء.

■ حدثينا عن حياة الشهيد الإنسان؟
- ولد محمد فى ٨ سبتمبر ١٩٧٩ ببنى سويف، وهو الأخ الأصغر حيث إننى أكبره باثنى عشر عامًا لذا اعتبره ابنى ثم يأتى شقيقه الدكتور أحمد الذى يكبره بعام فكانا مثل التوأم فى الترابط والتفاهم
وأتذكر من المفارقات تحذيرات الأطباء لأمى من إمكانية اكتمال الحمل بسبب حالتها الصحية إلا أنها تمسكت وكانت إرادة الله  خروج محمد للنور.
وظللنا أشقاء مترابطين متحابين فى ظل أبوين تربطهما علاقة المودة والرحمة وأيضًا الدم.
محمد منذ نعومة أظافره قرر أن يكون ضابطًا وظهر ذلك جليًا عندما كان يلعب مع أصدقائه يتقمص دور الضابط لديه مسدساته وبنادقه اللعب وحتى تمسكه بشراء الملابس العسكرية لتكتمل الصورة النهائية وباعتبار أن أخى هو آخر العنقود، فقد حظى برعاية وعناية كبيرة وتدليل فوق الوصف.
وكان أيضًا يعشق كرة القدم فقد كان بارعًا ويشهد له مدربوه بالنادى الرياضى ببنى سويف.
■ حدثينا  عن مراحله الدراسية .
- التحق الشهيد بمدرسة القومية الخاصة ببنى سويف فى المرحلة الابتدائية وكان من أوائل الطلبة ونشرت سلسلة كتاب سلاح التلميذ صورته على غلافها باعتباره أحد المتفوقين ثم التحق بالمرحلة الإعدادية بمدرسة الإعدادية الحديثة وفى المرحلة الثانوية التحق بمدرسة الفنية العسكرية الثانوية ببنى سويف وحصل على مجموع كبير بالثانوية وطلب من والده الذى كان يعمل وكيلًا لوزارة الزراعة ورئيسًا للمجلس المحلى ببنى سويف أن يتوسط له لتسهيل دخوله الكلية الحربية إلا أن والدى رفض مبدأ الوساطة
وقال له أنت حاصل على مجموع كبير ورياضى ومؤهل لدخول الكلية وبالفعل استجاب الله لدعاء محمد.
والتحق بالكلية الحربية نموذج للطالب المقاتل المنضبط صاحب السلوك والخلق الحسن وحصل على شهادات تقدير بذلك وتخرج في الكلية الحربية دفعة 93 سنة 1999.
■ ماذاعن حياة الشهيد المهنية ؟
- كانت أولى صدمات محمد ونحن نشاطره فيها وفاة والدنا وكان محمد وقتها ما زال طالبًا بالكلية الحربية السنة النهائية فاتصل أبى بمدير الكلية اللواء مختار الملا ليتحدث مع محمد فأخبره أن تعليمات الكلية تحظر التواصل بين الطلاب وذويهم وبعد إلحاح والدى وافق اللواء الملا على أن يكون الاتصال فى اليوم التالى الساعة الثامنة صباحًا وبالفعل تحدث أبى مع محمد ليطمئن عليه وقدم له وصاياه الأخيرة ومات والدى بعد تلك المكالمة بأربع ساعات الساعة الثانية عشرة ظهرًا.
أيضا كان لرحيل والدتنا والتى كانت بمثابة الحياة والظهر والسند خاصة بعد رحيل الأب وسفرى وأخوه الدكتور أحمد للعمل بالسعودية كان محمد يرعى والدتنا بكل شؤنها اليومية لذا رفض بداية تخرجهأ يعمل فى أماكن بعيدة حتى يكون بجوارها ولم يقصر.
وكانت أمى تدعو له كثيرًا وتحكى لنا كيف يقوم محمد بالترويح عنها والتنزه سويًا بالأماكن الفاخرة وظل ملازمًا لها فى مرضها الأخير إلى أن وافتها المنية فقرر بعدها الذهاب للخدمة بسيناء وكان ذلك عام ٢٠١٣.
■ لماذا أطلقوا عليه صائد التكفيريين؟
- لم تكن مهمة محمد الأخيرة هي التي سطرت بطولته بل كانت آخرها وجائزته الكبرى وهي ارتقاؤه إلى جوار ربه بين الشهداء والصديقين احتسبه كذلك.
ولعل أبرزها يوم معركة الشيخ زويد الكبرى فى ١- يوليو ٢٠١٥، حيث تم الهجوم على عدة ارتكازات أمنية بتوقيت واحد وعندما تلقى استغاثة قوات الدعم وبين أحد الارتكازات الأمنية المحاصرة الصامدة فى مواجهة الإرهابيين ما أسفر عن استشهاد معظم أفراد الطاقم وإصابة القائد.
انطلق هارون ومرافقوه لدعم ونجدة زملائه الأمر الذى إرباك الإرهابيين لأنهم لم يكونوا يتوقعون أن يأتى أى دعم خاصة فى ظل زرعهم ألغامًا وعبوات ناسفة لمنع وصول قوات دعم وفى الطريق أصابت إحداها سيارة محمد ولكنه نجا منها ووصل إلى الكمين وبدأ فى المواجهة مما تسبب فى هروب ما تبقى منهم ثم قام سريعًا بإجلاء زملائه المصابين والشهداء.
كان محمد هارون جسورًا، ولذلك كان الإرهابيون يخشون مهاجمة ارتكازه الأمنى لعلمهم مدى جاهزيته بالتحول السريع من الدفاع إلى الهجوم فمطاردة التكفيريين وملاحقتهم وإلحاق الضرر الجسيم بهم، فأطلقوا عليه «ارتكاز أبو هارون».
ووصلت به الجسارة ورفاق الدرب توجيهه الضربات الاستباقية والاجهاضية مما أحدثت خسائر كبرى بين التكفيريين بل واغتنموا أسلحتهم وعتادهم وبعضهم أحياء للاستفادة مما يملكونه من معلومات مهمة تفيد بالحرب الدائرة، ووفقًا لشهادات جنوده فقد كان دائمًا فى مقدمة الصفوف عند الهجوم وفى آخر الصفوف عند الانسحاب.
ومن بطولاته أيضًا التصدى لمحاولة هجوم كاسح من قبل التكفيريين على ارتكاز الجورة لاستهداف الكتيبة ١٠١ والتى استشهد فيها العميد سيد فوزى.
كما أمكنه ورفاقه الأبطال القبض على شبكة تسلل أجنبية وهو برتبة ملازم تحت قيادة العميد شهاب الطحاوى.
وكان أول من استوقف عناصر قوات حفظ السلام الدولية وتفتيشها بسيناء.
ومن بطولاته أيضًا توجيه أقوى ضربة ضد تجار السلاح والمخدرات بمشاركة العقيد إيهاب البحراوى بمنطقة البلاعوة بالإسماعيلية.
أيضًا التصدى لعناصر( تنظيم بيت المقدس) الإرهابى عندما حاولت عمل كمين للقوات المسلحة إلا أن جنودنا ومن بينهم هارون أسقطوا التكفيريين بعد محاولتهم الاحتماء والتحصن بأحد المساجد.
كما تميز هارون بشهامته والعفو عند المقدرة ففى إحدى المأموريات أصيب بطلق نارى فى قدمه وبعد تعافيه حدث اشتباك مع التكفيريين وكان من بينهم ذات الإرهابى الذى إصابه وبعد انتهاء الاشتباكات كان هذا الشخص يطالب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة شربة ماء فسقاه هارون إياها ولقنه الشهادة فغضب الجنود وقالوا له هذا الذى كان يريد قتلك منذ عدة أشهر فنهاهم.
■ ماذا عن أيام الشهيد الأخيرة ؟
- تقول شقيقته الكبرى أمانى وكأن الله شاء اختزال مكافأته فى حياته الدنيا فى عامه الأخير 2015 وقبل انتقاله إلى جواره محتسبين.
وتحققت له أربع رغبات سعيدة سريعة ومتتالية أما الخامسة فلم يحظ بها وحظيت بها وشقيقى وزوجته نيابة عنه.
الأولى حج بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج ركنه الخامس، الثانية ترقيته إلى رتبة مقدم، الثالثة يتزوج فى شهر سبتمبر قبل الجائزة الكبرى الرابعة والأخيرة وهي نيل شرف الشهادة بثلاثة أشهر فقط فى نوفمبر أما الخامسة وفِى نفس العام تقرر ترقية اسم الشهيد المقدم محمد هارون إلى رتبة العقيد (شرفيًا).
كان أخى الشهيد حريصًا على توطيد أواصر المحبة بيننا حيث أصر أن أسكن بالبيت الكبير بعد عودتى من السعودية حتى لا يغلق البيت الكبير الذى نشأنا به خاصة بعد زواجه وكان لا يتركنى أثناء فترة مرضى.
وكان محمد يطلب منى أن أدعو له الله أن يتقبله شهيدًا عندما كان يعلم أننى نويت التوجه للحرم المكى أو النبوى بحكم إقامتى وأن يتقبل دعوتى له فكنت أجيبه (ربنا ما يحرمنى من دخلتك علينا) إحنا مالناش غيرك.
وأتذكر يوم نعيه لصديقه الشهيد أحمد جوده قلت له ربنا يصبر أهله فرد على قائلًا أنت مش عارفه يعنى إيه شهيد … ده ربنا اصطفاه وقال يارب يا أمانى يجعلنى من الشهداء كان قلبه مفعمًا بالإيمان والرضا  
محمد لم يكن يعمل فى الجيش كوظيفة بل كان يؤدى مهمة مؤمن بها يعرف نهايتها الفوز الكبير خاصة عندما انخرط بالعمل بسيناء لدرجة استجابته لاستدعائه للعمل بعد مرور ثلاث أيام فقط من زواجه.
■ حدثينا عن اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد؟
- كالعادة اتصل بى ليودعنى وكان ذلك يوم الثلاثاء فقلت له إجازتك يا حبيبى تنتهى يوم الجمعة فأخبرنى باستدعائه ووجوب قطع الإجازة والسفر غدًا الأربعاء فتابعته هاتفيًا أنا وأخى أحمد إلى أن اطمأننا على وصوله لمقر عمله وفى اليوم التالى كان موعده مع قدره المحتوم نيل الشهادة الخميس ١٣ نوفمبر 2015 بالشيخ زويد أثناء تفكيك إحدى العبوات الناسفة فى مدينة الجورة حيث أصيب من جراء انفجارها بكسر فى الفخد وقطع بشريان الساق وتهتك بالكبد ورغم ذلك طلب من زملائه نقله للارتكاز الأمنى ليسلم روحه هناك.