الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«ترانيم الماء» ينقذ فنانى الألوان المائية من التهميش

«ترانيم الماء»  ينقذ فنانى الألوان المائية من التهميش
«ترانيم الماء» ينقذ فنانى الألوان المائية من التهميش




كتبت - سوزى شكرى

أغلب الفنانين لم يحصلوا على حقهم المعنوى والأدبى فى التوثيق الأرشيفى المصاحب بالدراسة النقدية المستفيضة التى يستحقها الفنان لأعماله الفنية سواء نحتية أو تشكيلية، إلا بصورة محدودة تمثلت فى تغطيات صحفية نمطية أو فى كتالوجات المعارض، وهذا غير كافٍ ومنقوص  بسبب غياب تام للجهة المنوطة بالتوثيق وهى المؤسسة الرسمية وزارة الثقافة راعية الفن التشكيلى، رغم وجود العديد من الاقتراحات التى قدمها كبار الفنانين لوزراء الثقافة على مدار سنوات إلا أنها ظلت مجرد مقترحات حبيسة الأوراق والأدراج وتم وضعها فى ملفات بلاستيك لزوم الوجاهة الإدارية. فكم من فنانين سقطت أسماؤهم وأعمالهم عمدًا بالتجاهل والتهميش لعملية التوثيق، هؤلاء الفنانون لهم علينا حق التوثيق تقديرًا منا لإبداعاتهم ومسيرتهم الفنية، لدينا بعض الإصدارات النقدية المحدودة التى يستند إليها الباحثون كمرجعية فى الرسائل العلمية إلا أنها لا تخلو من مغالطات واختلافات جوهرية ترتب عليها إعادة سرد الأخطاء  فى العديد من الأبحاث والدراسات وتسبب ذلك فى ضياع حق الفنان .

 

 فى مقابل تجاهل وغياب مشروع توثيق من قبل المؤسسة الرسمية وجدنا من المؤسسة الخاصة جهودًا فردية تحملوا المسؤولية التاريخية التوثيقية ليعطى كل فنان حقه، دكتور أشرف رضا رئيس «مؤسسة اراك  للفنون والثقافة « يعتبر مشروع التوثيق من أولوياته ويقدم الدعم الفنى والتقنى لطباعة والنشر وإصدار الكتب الفنية للفنانين المصريين وتسويقها، منها على سبيل المثال إصدار للفنان سامى رافع والفن الجماهيرى –  «رحلة 3 فنانات «إنجى أفلاطون، تحية حليم، جاذبية سرى « – فنون مصرية على العملات الورقية « اشرف رضا «- عرس الشهبد احمد نوار- فاروق حسنى فن التجريد -  متحف الفنون الجميلة – رباب نمر مشوار فنانه – ايقونة مصرية جورج البهجورى وغيرها، وأيضا تحت الطبع للفنان « أحمد شيحة تاريخ فنان-زينب السجينى والنشار وإصدارات أخرى .
صدر مؤخرًا عن مؤسسة «أراك«  أول دراسة نقدية نوعية تخصصية عن فن وفنانى الألوان المائية فى مصر وتاريخها، الكتاب بعنوان (ترانيم الماء- دراسات تشكيلية عن أعلام فن الألوان المائية فى مصر) للفنان والناقد التشكيلى محمد كمال، يرصد رحلة 16 فنانًا مع خامة الألوان المائية، والدراسات داخل الكتاب مصحوبة بصور أعمال للفنانين بلغت حوالى 600 عمل بالألوان بطباعة ديجيتال عالية فائقة الجودة، الكتاب مكون من 220 صفحة، استند  « كمال « إلى مجموعة مراجع محدودة، كما يستعد محمد كمال بالاشتراك مع دكتور أشرف رضا بإعداد معرض نوعى لفنانى الألوان المائية يوازى الإصدار المتفرد .
ساهم « كمال»  فى الحركة النقدية المصرية على مدار سنوات من خلال الدراسات البحثية التحليلية محاولًا استعادة الحقوق الأدبية للفنانين ولملمة المبعثر من مسيرة الفن المصرى ومن بينها « وهج الشرق - السنابل المضيئة - طيور تأبى الرحيل - صياد النور وإصدارات أخرى.
حين تقرأ عنوان كتاب للنقاد محمد كمال يبهرك ويدعوك لتأمل ماذا يقصد بهذا العنوان، وسبب اختاره، « ترانيم الماء « لقد منح «الماء» صفه إنسانية وقدسية وجعل لها أحبالًا صوتية ناعمة تشدو بنغمات وإيقاعات كالترانيم الروحية، وعقيدتها الصفاء والنقاء والبراءة والشفافية أنها ترانيم بصرية تشكيلية للألوان المائية، ولكنك لن تسمع ولن ترى جماليات هذه الترانيم الممزوجة بخلطة المشاعر، إلإ بوجود الفنان العاشق للخامة الألوان المائية الذى استطاع ان يكشف إسرارها وطوعها ليصبحاً جسد تشكيلى متكامل  بقي حيًا مدى الحياة .
أما من حيث مراحل إعداد الكتاب فقد شعر «كمال» بحسه الوطنى والقومى وحدسه النقدى التحليلى وعشقه البحثى وتقديرًا منه لقيمة الإبداع الفنى ومن واقع مسؤليته كناقد كمحام للمبدعين إن البعض يستخف ويستهزئ بقيمة الأعمال الفنية المنفذة بخامة الألوان المائية ربما لأن «الخامة» تبدو بسيطة سهلة شكلًا إلا أنها عميقة المعانى . من يستخفون لا  يعرفون أننا رواد الوسيط المائى منذ الفن المصرى القديم  واستخدام المصرى القديم ألوان «التمبرا».
 رصد « كمال» فى مقدمة الكتاب تاريخ خامة الألوان المائية وتقتنايتها وأدواتها ورحلتها عالمياً من القرن 15، ورحلتها فى مصر التى انطلقت من مطلع القرن 20 عن طريق الفنان تركى «هدايت» والفنان «جورجى حبيب» ومراحل تداول الأسلوب الفنى بين الفنانين المصريين وفناني الغرب.
فقرر خوض معركة البحث وتحمل أعباءها، فمنذ عام 2014 اجتاز « كمال « جولات بحثية دقيقة التفاصيل لسنوات عن فن وفنانى الألوان المائية وكانت البداية من رائد فن الألوان المائية بمصر الفنان حبيب جورجى (1892- 1964) حيث التقى  فى مركز رمسيس ويصا واصف للسجاد اليدوى بالحرانية بابنتى الفنان حبيب جورجى وهما الفنانتين (صوفى وإيزيس حبيب جورجى) كما قام بزيارة متحف حبيب جورجى للألوان المائية، ومتحف حبيب جورجى  للفن التلقائى لفنانين رعاهم بنفسه فى الثلث الأول من القرن العشرين، وحصل على لقطة نادرة لحبيب جورجى بين تلاميذه، كما قام بتصوير الأعمال الفنية خصصيًا للكتاب.
« ترانيم الماء»  يقدم دراسة  تشكيلية ونقدية وقراءة تحليلة لفنانى الألوان المائية بمصر ورحلة الخامة منذ أن أسس الفنان حبيب جورجى (1892- 1964) مع تلاميذه فى مدرسة المعلمين العليا جماعة « الدعاية الفنية « عام 1925، ينقسم الكتاب إلى بابين بحسب الفترات الزمنية والترتيب العمرى للفنانين وبحسب  أولية خامة الألوان المائية عند الفنانين.
الباب الأول بعنوان «فنانون توحدوا مع خامة الألوان المائية»
 بصفة عامة نجد ان اغلب فنانى الألوان المائية لديهم أعمال فنية خاصة بالأطفال نظرًا لقرب الخامة وشفافيتها وبراءتها، بالإضافة إلى أنهم ارتبطوا ربما بجيناتهم الحسية الخاصة بقيمة الأرض والمشهد المكانى، رصد « كمال « فى الباب الأول أعمال سبعة فنانين أفنوا أعمارهم فى الكشف عن تجليات الألوان المائية طوال مسيرتهم ومنح كل فنان عنوانًا للدراسة.
 الفنان «حبيب جورجى» (1892 –1964) سندباد فى فضاءات المشهد المحرض الأول على التفاعل والانصهار مع المرئيات الحسية والمنظر الطبيعى وتوظيف الخامة على المسطح الورقى، ويليه تلميذه «شفيق رزق»(1905 -1989) عاشق الأشجار والمعمار والزهور، الذى تتلمذ على يده الفنان «بخيت فراج» (1939 -1997 ) الذى يعتبره « كمال « شرارة التمرد على نمطية استخدام الألوان المائية عند الرواد الأوائل فى تناول المشهد المكانى او المنظر الطبيعى وعشق بهجة الحياة.
الفنانة «كوكب العسال» 1909-2009 التى مارست الأعمال التصويرية الزيتية على استحياء وهذا لا يمنعها من التعاطى مع معطيات خامة الوان المائية واعتمدت فى إعمالها على العنصر المرئى والجسد الأنسانى وأوانى الزهور، والفنان»عدلى رزق الله ( 1939 -2010) كان نقطة تحول فى تاريخ الفكريين الشكلى والموضوعى للخامة الشفافة حيث البراح التعبيرى.
 والفنان «شاكر المعداوى» 1944 -2011) الذى رغم ممارسته فن تصوير بخامات أخرى على استحياء إلا أنه إحداث تحولاً بمفهوم استخدام الألوان المائية نحو الحيز التعبيرى الحر على مستوى التكوين  والرسالة الابداعية، إلى أن ظهر الفنان «محمد الطراوى» (1956) «طائر يسكن الأفق» ليعيد المنظر الطبيعى للمشهد مرة اخرى مع احداث حيوية تصويرية على مسطح الورقى  عبر ضربات فرشاة سريعة وصار على نفس القواعد الأولى لانطلاق رحلة الخامة عبر تاريخ الحركة الفنية التشكيلية المصرية.
الباب الثانى بعنوان «فنانون على ضفاف خامة الالوان المائية»
الباب الثانى من الكتاب  يقدم دراسات عن أعمال تسعة  فنانين على قول « كمال»  على ضفاف الخامة استخدموا الخامة لبعض الوقت إلى جانب خاماتهم الأصلية، وهما الفنان « كامل غندر» (1923 -2012) «من حضن القناة إلى ذراعى القاهرة الذى اعتمد على المشهد داخل بورسعيد والقاهرة، والفنانة «إنجى افلاطون» (1924 -1989 ) التى الشدو على موسيقى الضوء والجغرافيا . والفنان «صبرى حجازى» (1942 -2016) «من الاستقصار إلى إعادة صياغة المرئى» الذى يستقطر المشهد المرئى بعد إعادة صياغته.