الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«قصور وسرايات».. نظرة على العمارة المصرية بالإسكندرية

«قصور وسرايات».. نظرة على العمارة المصرية بالإسكندرية
«قصور وسرايات».. نظرة على العمارة المصرية بالإسكندرية





كتب - علاء الدين ظاهر


تعتبر مدينة الإسكندرية من أكثر المدن المصرية التى استقبلت العديد من الجاليات العربية والأجنبية فى فترة عصر أسرة محمد على، و كان لهذه الجاليات دورًا كبيرًا فى تغير منظومة العمارة السكندرية من مجرد منشآت معمارية منفذة على الطراز الإسلامى وملامح العمارة الإسلامية، إلى منشآت معمارية منفذة طبقًا لطرز أوروبية وافدة خاصة بهؤلاء الجاليات. هذا بالإضافة إلى سيطرة هؤلاء الجاليات على معظم طوائف المعمار المصرى آنذاك، كذلك إنشاء العديد من المنشآت المعمارية التى ارتبطت بعملية التحديث والحداثة فى عصر تلك الأسرة، والتى فرضتها الظروف السياسية والثقافية التى شهدها ذلك العصر، فظهرت مجموعة من المبانى الحكومية ذات الوظائف الإدارية والقضائية التى ارتبطت بتلك الظروف.
وفى هذا الإطار يأتى كتاب «قصور وسرايات الإسكندرية فى عصر أسرة محمد على» الصادر عن دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع، لـ د.سحر محمد القطرى أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة طنطا، والذى يحتوى على دراسة أثرية لنموذجين فريدين لقصور وسرايات الإسكندرية، وهما صورة صادقة للمتغيرات فى منظومة العمارة المصرية وكيفية إرتباطها بالظروف السياسية وأصول الحاكم وميوله وأفكاره، وسيطرة الجاليات الأجنبية على الفكر المعمارى المصرى فى عصر أسرة محمد على.
الدكتورة سحر القطرى تناولت فى هذه الدراسة أثرين هامين تزخر بهما مدينة الإسكندرية، أولاهما إحدى المحاكم المختلطة فى مصر «سراى الحقانية» والتى اختصت للفصل بين المصريين والأجانب وبين الأجانب أنفسهم، حيث يمثل القضاء المختلط مرحلة مهمة من مراحل تطور القضاء المصرى، كما أنه يمثل محاولة فاشلة من قبل الخديو إسماعيل ووزير خارجيته نوبار باشا، وذلك للحد من سلطة القضاء القنصلى.
حيث تسجل سراى الحقانية على جدرانها تاريخ إلغاء الامتيازات الأجنبية، والعمل بالنظام الجديد للمحاكم المختلطة، وذلك فى نص كتابى مدون باللغة العربية والفرنسية، وذلك فى عهد حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول وحضرة صاحب المقام الرفيع النحاس باشا، وصاحب المعالى محمد صبرى أبوعلم وزير الحقانية وذلك فى 15 أكتوبر 1937م.
وتقع السراى بميدان المنشية وتحمل تاريخ 1303هجرية - 1886ميلادية،كما هو مسجل على اللوحة الرخامية التى تعلو المدخل الرئيسى للسراى، وتتكون من 4 طوابق وتحمل هندستها المعمارية الروح الإيطالية، بالاضافة إلى ملامح الكثير من الطرز الأوروبية الأخرى سواء فى التخطيط او الزخارف، كما تحتفظ السراى بالكثير من قطع الأثاث والمقاعد والساعات التراثية، ومكتبة ضخمة تحوى أقدم التشريعات والقوانين المصرية، كما تزدان جدرانها بصور كبار القضاة الذين عملوا بها سواء من المصريين أو الأجانب.
أما الأثر الآخر يمثل أحد القصور التى تنسب إلى إحدى الأسر الشامية وترجع أصولها إلى قرية السواد قرب اللاذقية وهو «قصر كرم»، حيث كانت مدينة الإسكندرية أكثر المدن المصرية استقطابًا لهذه الأسر، إذ استقر بها عدد كبير من هذه الأسر سواء السوريو او اللبنانية، وينسب القصر إلى إدوار كرم تاجر الأخشاب المعروف بالإسكندرية، والذى عرف بـ«ملك الخشب» حيث كانت شركة الأخشاب التى يملكها تستورد سنويًا أكثر من 5000 استاندر من الأخشاب، ويقع القصر بشارع فيكتور باسيلى ويرجع تاريخ انشائه إلى عام 1893م،كما هو مدون فى ثلاث أسطر باللغة الانجليزية على البوابة الرئيسية للقصر.
ويحتفظ القصر بكامل عناصره المعمارية والفنية،كما يتميز بوجود حديقة مصممة طبقًا للطراز الباروكى فى تصميم الحدائق،والذى يجمع ما بين الحديقة وتهيئة مسرح مفتوح لأساطير الطبيعة، حيث تتجمع التماثيل والكهوف ونافورات الزينة فى مجموعات، وجميعها مستعار من التقاليد التاريخية القديمة،والتى كانت تقام بها الكثير من الاحتفالات التى جمعت الأسر السورية والطرابلسية.
كما ينم القصر عن مهنة صاحبه وقدرته المالية، حيث استخدم الفنان أنواع وطرق فنية منوعة للاخشاب فى أعمال النجارة بالقصر، والذى تميز أيضًا بظاهرة الأسلوب الفنى لاستخدام المرايا والرسوم الزيتية على أبوابه الداخلية وجدران قاعاته المفتوحة، بالإضافة إلى مجموعة من المدافئ  الرخامية، كما يظهر بالقصر أكثرمن طراز فنى سواء فى تخطيطه أو عناصره المعمارية والفنية.
والدراسة التى يتضمنها الكتاب، تأتى فى مجملها ترجمة حقيقية لمدى ارتباط العمارة بفكر الحاكم وميوله وأصوله، كذلك أيضًا الظروف السياسية والثقافية والاقتصادية التى تمر بها البلاد فى أى حقبة تاريخية.