السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أشرف أبو اليزيد: نعيش مرحلة مخاض الولادة الثانية للأمة المصرية




كيف ترى بعين الأديب ما يحدث فى مصر الآن؟
 - ما يحدث فى مصر هو مرحلة مخاض عسيرة لولادة ثانية للأمة المصرية، هذا بلاغيا، ولكن على أرض الواقع نقول إن المصريين يحاولون استعادة القيمة التى أفقدتهم إياها سنوات التعسف بحقوقهم. المصريون -على أرض هذا الوطن- هم أصحاب مشاريع كبرى، تنظر للخريطة، منذ فجر التاريخ، فتراهم بنوا الأهرامات، وشيدوا العمائر الفريدة، وشقوا قناة السويس، وعبروها فى 6 أكتوبر، وأنشأوا مترو الأنفاق، جنبًا إلى جنب مع تصدر المشهد الإبداعى -منذ فجر التاريخ- فى الآداب والفنون، هم صناع حضارة، دون مبالغة، وما يحدث الآن هو بحث كل مصرى عما فقده، عن مكانه فى الدستور، عن موقعه على خريطة الحقوق، عن مكانته فى المجتمع، ويبحث بالمثل عن حضوره فى أقاليمه العربية والإفريقية والدولية، مرحلة البحث تتجاذبها قوى، تدعم الشعب ليصل إلى ما يصبو إليه، وأخرى تريده أن يرتد، حتى لا يكشف تجارتها البائرة القادمة من المجهول.
 فى رأيك ما المخرج من حالة الانشقاق بين طوائف الشعب المصرى؟
- أنا لا أراه انشقاقا قدر ما أوصِّفه بالاستقطاب، يعتمد القطبان على ما لدى أنصارهما من قيم وتكوين، بمعنى أن الجماعات التى تقول إنها تأتى باسم الشريعة، وتحمى الدين الإسلامي، وتريد أن يدخل شعب مصر الإسلام، وأن ينعم بالاستقرار، هى جماعات تلعب على أوتار التفكير البسيط لدى مواطن قد يصدِّق ذلك فعلا، الجماعات الدينية تدعو هؤلاء البسطاء إلى الجنة فى الآخرة، وكأنهم ملكوا مفاتيحها، بينما التيارات الديمقراطية تنادى بالجنة فى الدنيا دون أن يعارض ذلك حساب الآخرة، التيارات الديمقراطية تنادى بالحقوق الواجبة، والشرائع الغائبة، هى  بالفعل ـ تؤمن بأن ما ينقصنا كثير. فارق كبير بين أن تدغدغ المشاعر كذبا، وتحتال بالرشوة من أجل أن تقول إنك حامى القيم والأخلاق والدين، أو أنك تخاطب العقل، من أجل أن تدفعه إلى دوائر التنوير.
 ما رأيك فى الصراع السياسى الحالى بين الإخوان والقوى المدنية؟
- رغم أن الإخوان، وأتباعهم من التيارات الدينية ينادون برحيل من لا يعجبهم، فإن هذا الأمر لا تطلبه التيارات المدنية ولا تتمناه، الفكرة الأمريكية المتطرفة التى جاءت على لسان جورج بوش (من ليس معنا فهو ضدنا) هى فكرة قميئة، تقتل ولا تحيي، تفرق ولا تجمع، تهدم ولا تبني، مصر بحاجة إلى مشروعات كبرى، ليس منها تقليد مملكة وهابية، أو اقتفاء خطى إمارة طالبانية، وأرى أن البقاء لمن يريد أن يقدم مشروعات لنهضة حقيقية، غير مزيفة، غير شعاراتية.
أليس بين الإخوان من درسوا العلوم؟ لم لا يقدمون مشروعات لتبنى إصلاح مجال الزراعة فى مصر؟
نريد من الإخوان أن يستخدموا علماءهم فى العلم، وألا يستخدموا دعاتهم إلا فى الإصلاح (بدلا من وبال الشتائم الذى ينهال من قنواتهم، حتى أصبحت تلك هى لغة الدين والمتدينين)، وألا يستخدموا مهندسيهم إلا فى البناء.
البديل عن الإخوان فى الإخوان أنفسهم، أن يفعلوا ما تقوم به التيارات المدينة فى رعاية مشروعات الوطن والحفاظ على حقوقه، ليس على الشعب أن يعانى 80 سنة أخرى حتى يغفر له الإخوان ما نالهم من نظم أضرت المصريين جميعا، المصريون لم يرتكبوا إثما، لكى يكفِّروا عنه، هذا ما يجب أن يعرفوا الإخوان، وهذا شرط البقاء لهم: التعايش وعدم إلغاء الآخر وتقبل الأقليات بكامل حقوقها، حاسبوا الآخرين كبشر.
 تكتب الشعر والرواية وأدب الرحلات والسيرة الذاتية وأدب الأطفال وتمارس الصحافة والترجمة .. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
قد يُنظر إلى الأمر شكليا- على أنه تناقض، أو تضاد، أو مزاحمة، ولكن المتتبع لتلك الكتابات يرى بينها توازنا، إنها مثل الأوانى المستطرقة، يرتفع الكم فى أحدها فيقل الكم فى الآخر، كان الشعر الأكثر غزارة فى فترة، ثم ها هى الكتابات السردية، وما لا يستطيعه أدب الرحلة يمكن أن تقدمه الرواية، أكتب بحب، سواء كان ذلك شعرًا أو استطلاعا أو رواية، لذلك أجد نفسى فيما أكتبه. فى أكثر من عشرين كتابا صدرت لى ستجدنى فى الصفحات، أنا أكتب مثلا أسبوعيا -منذ 3 سنوات- مغامرات ماجد على طريق الحرير، لأننى أريد للأطفال أن يعيدوا اكتشاف ذلك الدرب الثري، تاريخا وثقافة وحضارة، وفى الترجمة لا أنقل عن الإنجليزية إلا ما أريد أن يشاركنى فيه القراء.
 ألا يمثل ذلك تشظيا فى الموهبة؟
يمكن أن تتحدث عن الموهبة فى السن المبكرة، أيام الصفوف الأولى، والتكوين بين سنوات الثانوية والجامعة، أما بعد الموهبة فتأتى الخبرة، وتنضج التحولات، وتلك هى التى تصوغ خيارات الكتابة. إن مقالا لى فى مجلة (العربي) قد يطالعه مليون قارئ وقارئة، وكتابا فى الترجمة صدر ضمن سلسلة مرموقة مثل «كتابيّ» قد يقرأه 20 ألفا، ورواية قد لا يقرأها سوى عدة مئات، هذا التلقى نفسه يحدد اختياراتك، لأنك إذا كنت قادرًا على صياغتها فأنت تختار، لذلك تجمع كتابة الرحلات عندى بين الفنون جميعا، فيها ترى حبى للعمارة، وعشقى للسفر، وتأثرى باللآداب الأخرى، واحترامى للآخر المختلف، كما ترى -مثلا- باحثا يجمع المثل الشعبى والحكايات التقليدية ويترجم، أعتبر أدب الرحلة خلاصة أضع فيها كل شيء، أحيانا أكتب قصائد وأضمنها فى تلك الرحلات.
ت هل كتابك «طريق الحرير» حنين لماض عريق أم دعوة للاتجاه شرقا؟
 - «طريق الحرير» هو اسم جامع لخطوط القوافل المنقولة برًّا من وإلى الصين. ومن المصادر الصينية يمكننا العثور على عدة خطوط رئيسية أولها الطريق الذى كان ينطلق من تشانغآن (شيآن حاليا) حتى يصل إلى مدينة كاشغر فى أقصى شمال غرب الصين، بمنطقة شينج يانج، قرب الحدود مع باكستان وقرغيزيا وأوزبكستان وأفغانستان والهند.
وكانت واحة دونهوانغ التى تقع عند ملتقى خطوط المواصلات بين الصين والغرب، تعتبر همزة مواصلات بين الصين وآسيا الوسطى وغربى آسيا وأوربا. أما كاشغر فكانت تعرف بدرة طريق الحرير لما فيها من واحات وارفة الظلال غنية بشتى الإنتاجات. الطريق الذى يبدأ فى كاشغر كان ينطلق باتجاه الغرب متفرعا إلى خطين آخرين يدخل أحدهما فى وادى فرغانة، ثم يمر بسمرقند وبخارى حتى مرو (مدينة مارى بتركمانستان حاليا)، أما الآخر فكان يجتاز هضبة البامير ويخرج من قلعة البرج الحجرى ويمر ببكترا حتى مرو أيضا. من المدن المحطات الرئيسية على طريق الحرير سمرقند وبخارى ومرو. استمر هذا الطريق 16 قرنا، وكتابى (طريق الحرير) موسوعة ثقافية مصورة، هى الأولى فى اللغة العربية، تقدم مدنا ومعالم، وآدابا وفنونا، وأعلاما وممالك، ازدهرت على هذا الطريق. وهى ليست حنينا بقدر دعوة لإعادة اكتشاف العلاقات الإنسانية، حتى دول العالم بدأت فى إحيائه لكى تنهض اقتصاديا، وبدأت تركيا وأوروبا تشاركان إقامة طريق الحرير الحديدي، وهو قطار يبدأ فى باريس، وينتهى فى بكين.
 الرئيس مرسى استهل جولاته الخارجية بزيارة الصين والانفتاح على إيران .. ما رأيك؟
فى كل بلدٍ بالعالم هناك ما يفيد مصر، مثلما به ما لايصلح لها. أتمنى أن تتجه كوكبة من خبراء مصر إلى دول العالم الناهضة فى آسيا، والمتقدمة فى أوربا، يسألون كيف خططت ألمانيا للخروج من أزمتى الحرب العالمية الثانية، وأزمة توحيد الألمانيتين، يسألون كيف أصبحت كوريا الجنوبية على ما هى عليه من تقدم فى أربعة عقود وحسب، يسألون الاقتصاديين ويسألون العلماء وخبراء المجتمع والتربية.
  أنت كثير السفر والترحال .. ماذا أفادك السفر فى تجربتك الابداعية؟
- نحن بحاجة إلى السفر لإعادة تقييم ذواتنا، وإعادة اكتشاف أنفسنا. السفر جمَّاع تجارب الشعوب. ستضيء لك رحلات إلى الشرق جوانب خافية عليك، ستدرك أنك لست وحدك فى هذا العالم، ومن ثم عليك بالحوار معه، وفهمه، والتواصل الذى سيفيدك بالتواصل مع المختلفين معك فى وطنك. السفر أيضا مهم حتى داخل الوطن، ومن قراءتى لكتابات الشيخ مصطفى عبد الرازق عن رحلاته داخل مصر أقول إننا أيضا بحاجة للسفر داخل مصر.
هذا السفر هو الذى يضخ صوره وتجاربه فى مداد الكتابة. سيبدأ ربما بالرحلة، ولكنه لن يتوقف فيتوهج فى قصيدة، أو يتجسد فى رواية، أو يتألق فى سيرة ذاتية. عليكم بالسفر ففيه شفاء من شيزوفرينيا الأنا المعزولة عن الآخر، والعازلة له .