الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أميمة محمود والدة العقيد محمد إدريس لـ«روزاليوسف»: ابنى الشهيد كان صائد للإرهابيين

أميمة محمود والدة العقيد محمد إدريس لـ«روزاليوسف»: ابنى الشهيد كان صائد للإرهابيين
أميمة محمود والدة العقيد محمد إدريس لـ«روزاليوسف»: ابنى الشهيد كان صائد للإرهابيين




حوار ـ سلوى عثمان

 

هناك نماذج تستحق التقدير والاحترام لأمهات قدمن كثيرا من التضحيات، فمثلما نردد دائما «وراء كل رجل عظيم امرأة» يمكننا كذلك القول أنه وراء كل شهيد أم عظيمة أنجبته وربته على الفداء، ليكون حارسًا لتراب الوطن» فلم يبخلن بفلذات أكبادهن ليكونوا فداءً للوطن، من أجل أن يسود الأمن والأمان ودحر ومحاربة الاٍرهاب الذى يريد النيل من مصر.
«روزاليوسف» احتضنت أمهات وزوجات الشهداء، فهن كريمات يستحققن التكريم، ذهبنا إليهن ليسردن لنا بطولات رجال مصر الشهداء، ويحكين لنا عن الحياة الشخصية لشهدائنا، ليكونوا قدوة حسنة لشباب الوطن.

من الجميل أن ينعم الله على الإنسان بالوالدين الصالحين ليتربى ويترعرع فى كنفهما أما أن ينعم الله على الوالدين بالابن الصالح فى الدنيا الشفيع فى الآخرة فتلك هى جائزة الله الكبرى .
هكذا بدأت أم الأبطال كما أطلق عليها السيدة أميمة محمود عبد الحميد حديثها معنا والدة العقيد شهيد أ. ح محمد سمير إدريس المقاتل بالصاعقة البحرية المصرية.
قالت زوجى رحمه الله الدكتور سمير إدريس كان وحيد والديه وفى فترة الخطوبة كان يحكى لى عن مساوئ كونه تربى وحيدًا فأنجبنا أربعة صبية وبنتًا، محمد البكرى وبعده محمود ثم أحمد فمروة وأخيرًا مصطفى، اثنان التحقا بالقوات المسلحة محمد ومحمود، وأحمد بالشرطة أما مصطفى ففضل الهندسة ومروة ليسانس آداب .

 

زوجى كان طبيبًا يحب مرضاه خاصة البسطاء منهم وكان يعشق تراب مصرومتدينًا وسطيًا أحسن والداه تنشئته فغرس فى أبنائنا ما آمن به وتربى عليه.
ولما تزوجنا كنت طالبة بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية وفى السنة الثانية الدراسية أنجبت أول أبنائى محمد فى الثانى من يوليو عام 1980.
تشاركت وزوجى رعاية الأبناء ولم نغفل عنهم لحظة كرسنا الوقت والجهد وحسن التربية قدر المستطاع وأنعم الله علينا وكلل جهودنا معهم بكل الخير ورغم كونهم من الأوائل إلا أن والدهم وأنا من خلفه غرسنا بنفوسهم حب خدمة الوطن والتضحية، حكاياته عن البطولات والتضحيات لم تكن قصص قبل النوم بل كان يصحبهم منذ نعومة أظافرهم لسيناء ومحافظات خط القناة ويدعهم يلمسون ويتعايشون مع الأساطير والبطولات والأبطال وما أعد الله لهم يوم القيامة لدرجة دفعت محمد فى إحدى الرحلات ملء كيس رمال من سيناء للاحتفاظ به حبًا فيها وتمنى أن يأتى اليوم يحرس تلك الأرض ويفتديها.
هكذا أصّل والدهم رغبتهم الدفينة باللحاق بالجيش والشرطة.
وبالفعل ظهرت نتيجة الثانوية العامة وحصل محمد على مجموع 95,5 % كما توقعت ووالده ومسيرته وأشقاؤه الدراسية وحرصهم على التفوق ليس العلمى فقط بل والرياضى والبدنى.
فالتحق محمد دون تردد أو حتى مناقشة بالكلية الحربية أمنيته المرحب بها أسريًا وكان حريصًا على تفوقه والتزامه بالسلوك العسكرى المنضبط أخلاقيًا وسلوكيًا وعلميًا وهيئة وكان أشقاؤه ينظرون له كقدوة قبل لحاقهم بمدرستى الأبطال الشرطة والحربية ليتخرج محمد برتبة ملازم أول تحت الاختبار ومن يومها بل يوم التحق بالكلية الحربية كان يعد نفسه نفسيًا وذهنيًا وبدنيًا لفئة المقاتل كان ينظر لنفسه كجندى مقاتل غيرعادى فقط لا تعنيه الرتبة أو المكانة الوظيفية.
فتم اختياره عقب تخرجه مباشرة كما يقول على نفسه فرد مقاتل صاعقة فانغمس عشقًا فيها فحصل على الفرقة الأساسية ثم المتقدمة فالتخصصية ثم التحق بسلاح المظلات وحصل على فرقها القتالية المتقدمة ليلتحق بعدها بفرقة أو مجموعة التفاوض وتحرير الرهائن الـ (777) ليلتحق من رحمها بالبحرية ضمن مجموعة مكافحة الإرهاب البحرية عشقه وإيمانه برسالته أبعدته عن التفكير بنفسه كالشباب العادى أقول له أريد أن أفرح بك وأحمل أولادك يقول لى أنا وزملائى وجنودى وشغلى هم حياتى كلها يا أمى لسه البيت وتكوين الأسرة لم يحن وقتها ففى عام 2012 حصل محمد على درجته العلمية العسكرية أركان حرب بتفوق وقد شارك بتأمين قلب القاهرة فى أحداث يناير 2011 و2012 وكان شديد التأثر والحساسية وكان حزينًا ولم يكن يفتح فمه معنا بشغله وما يحدث وكنا نحترم ذلك منه لكن كان يظهر عليه وأشقاؤه كانوا يتهامسون وأنا كنت أدعو لهم من قلبى يحفظهم ويبعد عنهم أى مكروه.
وفى عام 2013 أبلغنى أنه انتقل للخدمة بسيناء بناء على رغبته الأولى، غرس أبيه وحفنة تراب سيناء التى احتفظ بها فى مكنون صدره وحماها بدنياه وشبابه ومجهوده وعرقه ودمائه وروحه حتى نال أعلى وأهم شهادة ودرجة تقدير وهى الشهادة فى سبيل الله دفاعًا عن دينه فى مواجهة المسيئين لله والوطن ونعمة الأمن والأمان على الأرض التى أحبها سيناء مصر.  
- هنا التقطت مروة شقيقة الشهيد المقاتل أركان حرب محمد سمير إدريس خيط الحديث من والدتها قائلة أنا الشقيقة المدللة أو الأم الصغيرة كونى الرابعة بين أشقائى الصبية الأربعة سرهم المحبب ومحمد الأكبر فكان بمكانة الأب والأخ والحب ومشاعر حنان الشقيق كلها صفات قولًا وعملًا فكان أول من حفزنى على ممارسة الرياضة وتخصصى بلعبة الجمباز ولم يكتف بل كان جادًا لتحولى إلى بطلة حاصدة للبطولات المحلية حتى الارتقاء للدولية فحصلت فعلًا على بطولات الجمهورية والمنتخب لأرتقى وأحصل على المركز الثانى عربيًا والخامسة إقريقيا كان كتلة من الحماس والجدية والتحفيز حتى دراستى الجامعية كان مراقبًا لصيقًا حتى حصلت على ليسانس الآداب بتفوق تلك هي حياته ومن حوله الاجتهاد والتفوق وتحقيق الهدف.
محمد حصل على ثلاثة تكريمات فى نفس عام استشهاده مثل أول يوم التحق بالكلية الحربية عرقه ومجهود وتفانى لم يفارقاه بل صعدا متلازمين مع روحه الذكية إلى جوار ربه حيًا يرزق أحتسبه مع النبيين والصديقين لم ينتظر كلمة استحسان على شىء فعله لأنه مؤمن بما يفعل وما يقدم.
محمد لم يتباهى يومًا ببطولاته ولم يشاركنا وحتى أشقاءه كان كتومًا  إلا أننا علمنا بعضها من زملائه بعد استشهاده قالوا عنه كيف كان يزلزل الأرض تحت أقدام الإرهابيين ويزرع الرعب والفزع فى قلوبهم ورفاق محمد أعادوا صياغتها بل وجددوا قصص والدنا وأساطيره عن الآباء والأجداد على أرض سيناء ومدن القناة.
كانت رواياتهم لنا خليط صبر وسلوان بين الحزن على الفراق وزهو البطولة كانت جرعات فسحة من الفخر ومنها على سبيل المثال لا الحصر والدقة مشاركته بأخذ ثأر أشقائنا المسيحيين الـ21 الذين ذبحوا بليبيا بأنصال سكاكين الدواعش أعداء الله والإنسانية فى عملية قتالية نوعية ثأرية خلف الحدود وبناء على تعليمات القيادة السياسية وتكليف قياداته ومن عقر دارأعداء الله والإنسانية تمكن ورفاقه من اختطاف 6 من عتاد العناصر التكفيرية المتورطة والعودة بهم إلى أرض الوطن لمحاكمتهم ونيل جزائهم بالقانون وكانت تلك العملية درس لكل من تسول له نفسه المساس بالمصريين وأمنهم واعتقد وقتها كلنا شعرنا بكبرياء وفخر ولم أكن أعلم أو الأسرة أن فلذات كبدنا محمد ممن شاركوا فى تلك الملحمة.
وعلمنا أيضًا باسهاماته المتميزة فى ضبط خليتى جسر السويس وعين شمس ومداهمات جبل الحلال ودكه على رءوس أعداء الله والبشرية والوطن.
ونحمد الله على نعمه الكثيرة بأن شاركنا إحدى فرحات محمد بعيدًا عن حياته الخشنة هكذا أكدت الشقيقة مروة يوم فرحنا وسعدنا وزغردنا ورقصنا لقرار زواجه كان حبيبى خالصًا لنا بفرحته وفرحتنا كعائلة لم شملها زفاف محمد على عروسه الجميلة.
السيدة منى الفار التى أثرت حوارنا على الجانب الإنسانى وإلقاء الضوء على شخصية الشهيد البطل محمد الزوج ومشروع الأسرة التى لم تكتمل أركانها وكأنها منحة أو استراحة محارب لاستكماله أركان دينه بالزواج.
فقالت محمد حبيبى لم تشغله الحياة الدنيا فكنت امرأته وحبه الأول والأخير بإذن الله رغم زواجنا التقليدى لم نختر بعضنا بل اخترنا لبعض وجاء القبول المتبادل سريعًا والزفاف سريعًا والحب أسرع نعم أحببت نيرون ونيرون أحبنى هكذا كان ملقبًا وسط أقرانه وأخبرنى كزوجة بسره الصغير عندما كانت قدمه تطأ أرض أو ثكنة الأعداء هكذا كان يلقبهم يشعلها بنيرانه فلقبوه بأحب كنياته المستعارة.
فلما كنت أجده هائمًا أو شاردًا أعرف أين ذهب فأناديه.  
(كيف حال نيرون حبيبى فيما أنت هائم سيدى؟!) أجد أمامى أجمل وأرق وأحن إنسان فأقول له مش مصدقة محمد إنك محارب هكذا يفضلها لم يكن يحب كلمة ضابط قائد مقدم ممكن الجندى المقاتل كان غريبًا أعطانى بأيامنا القليلة معًا كل الإنسانية والحب فقط لم أر سوى الابتسامة والضحكة والكلمة الجميلة المغلفة بالحب والحنان كان مصليًا وقارئًا للقرآن وضوء على وضوء محب لأهله حاملًا للجميل لمن لا جميل له عندما استشهد واستفقت واستعدت الأيام واللحظات والكلمات والعبارات هذا ما أملكه إرثى وسرى الشخصى محمد لم يكن ابن موت مثل المقولة المعلومة محمد شهيد أكيد من يوم وصوله دنيانا سيظل حيًا عند ربه وبيننا وإن لم نشعر وفى قلبى دائمًا رغم أن زواجنا لم يتجاوز الـ  180 يومًا ستة أشهر زوجة لأحد أبناء الجنة الشفعاء بإذن الله.
آخر أيامه قبل أن تروى دماؤه العطرة الطاهرة عطش محبوبته سيناء كما أخبرنى عظيمته أمه من أحسنت إعداده وتقديمه قربانًا للوطن نقضى عشرة أيام كأسرة مكتملة الأركان أم وأبناؤها وأزواجهم وأحفادها الضحك والابتسامات والذكريات التى لا ينقطع شريط للذكريات يوثق لهم ولى مسيرة حياة لأم أبطال وطيور وقعت على أشكال تلك الأسرة المصرية الخالصة.
نعود من أجمل وأطول إجازة لمحمد وأشقائه هكذا علمت فأنا أحدثهم.
أيضا فوجئت بآخر إجازة لمحمد وقد شاركته فرحة ثلاثة تكريمات من قياداته يطلب منى ارتداء ملابسى لمصاحبتى له إلى قبر والده حماى للزيارة ومكثنا سويًا وكان يحدث والده هذا الرجل وبحق أبوالأبطال محمد وأشقاءه قدوتهم الحسنة.
بعدها ذهب لوالدته وأشقائه وأهلى كان بيسعى الى لقاء أخير لكل من أحبهم وأحبوه ولم يستثننى قبل لقاء ربه راضيًا مرضيًا.