الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

طاقم حراسته علم بالمؤامرة.. ونجح في إحباطها«عصابة مبارك» أصدرت قرار اغتيال «سليمان» أثناء أدائه اليمين نائباً للمخلوع






روزاليوسف اليومية : 28 - 07 - 2011


لا يزال اللواء عمر سليمان يتذكر يوم السبت 29 يناير الماضي، حيث حفر اليوم الخامس للثورة المصرية في ذاكرته ووجدانه مشاهد لن ينساها طيلة حياته، ففي ظهر هذا اليوم أدي «سليمان» اليمين الدستورية نائباً لرئيس الجمهورية.
وخلال أداء سليمان اليمين كانت هناك أحداث أخري تدور بالقصر الرئاسي، فسوزان مبارك وجمال وعلاء ومعهم زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز وصفوت الشريف الذي يحادثهم علي الهاتف ومعه حبيب العادلي علي خط آخر بعد أن حاصر المتظاهرون وزارة الداخلية وفي حضور أنس الفقي يعقدان في غرفة مجاورة لبهو أداء القسم اجتماعاً عاجلاً لا يسمح لموظفي الرئاسة الآخرين بدخوله.
وقد بدأ الفقي ينقل تعليمات من الجلسة لأطراف عديدة خارج القصر وعقب أداء «سليمان» كانوا قد أتموا الجلسة ووقفوا في انتظاره فتحدث مشادة كلامية حادة بين سوزان وعمر سليمان، حيث اتهمته بأنه انتهز الفرصة ليضغط علي الرئيس لتعيينه، بينما هو يشرح أنه قرر أن يخسر تاريخه من أجل المصلحة العامة، ويخبرها بأن كل شيء انتهي، وعندها يتدخل في الحديث جمال مبارك رافعاً صوته فيقاطعه سليمان بقوله: «سيشهد التاريخ أنكم فعلتم بالرجل الكثير»، ولا يطيل سليمان كعادته في الكلام ليخرج مسرعاً في طريقه إلي مقر وزارة الدفاع حيث سيدير بعض التقديرات والاتصالات الآمنة من هناك لأن النظام قد شل اتصالات البلد كلها.
وتكشف التقارير السرية التي تنتظر الإفراج عنها تفاصيل ذلك اليوم الغريب من تاريخ الثورة المصرية، فعندما يسير سليمان خارجاً من بهو القصر في اتجاهه لسيارته تحدث المشادة الشهيرة التي إثرها غاب «مبارك» قليلاً ولدقائق عن الوعي، فقد تطاول عليه ابنه «جمال» ورفع صوته وهو يتهمه بأنه ضيعهم وضيع النظام والأسرة للأبد بتعيينه عمر سليمان ويهرع علاء مبارك ليسكت أخاه وهو يشاهد والده في حالة انهيار تام.
وأمام بهو القصر يلتفت «سليمان» وهو يتابع المشهد جيداً فبخبرته علم أن تلك العائلة قد انتهت للأبد ويذهب للعربة المرسيدس السوداء المخصصة له بين عربتين من عربات الدفع الرباعي خاصة بطاقم حراسته فيوقفه قائد حراسته ويهمس في أذنه بمعلومة، فيقف «سليمان» لثوان يحاول أن يستوعب ما سمعه للتو، فهو خطير لأن رئيس الحرس ينبهه بأن الأجهزة الخاصة للمخابرات المصرية قد رصدت الأمر الذي صدر وهو يؤدي اليمين للمجموعة التي من المفترض أنها ستغتاله في طريق عودته.
وارتكز بكلتا يديه علي شنطة العربة المرسيدس قائلاً لقائد حرسه: «خليها علي الله قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» فيرد عليه قائد الحرس: «لكن يا أفندم إذا لم تكن تخشي علي حياتك، فربما تسمح لنا أن نخشي نحن علي حياتك أولاً وبالقطع نحن بشر، وبالتأكيد نحن متوترون» فيرد سليمان وقد عاد له تفكيره الثابت: «أنا سأتصرف طبقاً لتعليماتك نفذ ما تراه يا حضرة المقدم» فيطلب منه قائد الحرس بشكل مبدئي أن يركب في آخر عربة وهي المخصصة للحرس الخلفي ويترك المرسيدس المعروفة بأنه يستقلها لكنه يقول له: «انتظر ثواني لنؤمن الطريق» فيسأله سليمان: «أي طريق؟» فيرد عليه قائد الحرس قائلاً: «العيون يا افندم»، وبعدما يتأكد أن الجميع مشغولون بالداخل استقل العربة الخلفية ثم قام قائد الحرس بعمله تمثيلية وكأنه يطمئن علي سليمان في العربة المرسيدس وتتقدم العربات الثلاث في موكب سليمان ناحية بوابة الخروج ولأن الزجاج لا يمكن لمن بالخارج رؤية من بالداخل فلا يتمكن أحد من كشف حيلة الحرس وتعطي البوابات التحية العسكرية لسيارة سليمان الأمامية وتنفتح الأبواب ليخرج الركب إلي مصيره المجهول.
علي الجانب الآخر تتكشف حقائق أخطر، فهناك مجموعة تتبع ما يطلق عليهم «البلطجية ذو الياقات البيضاء» أي البلطجية القادة وهؤلاء ليسوا مثل هؤلاء الذين تعودنا أن نراهم في الشوارع حاملين الأسلحة البيضاء، بل إنهم قادة بالفعل يركبون أفخر السيارات وأحدثها ويتحدثون اللغات، فهم قادة جيوش البلطجة في مصر يفكرون بعقليات المافيا ويتدربون في أوروبا كل عام ويجوبون دول العالم مثل أي رجل أعمال حيث تمتلئ محافظهم بالكروت الذكية لأشهر وأقوي البنوك بالعالم، وهؤلاء هم قادة جيش الحزب الوطني منفذو العمليات الخاصة جداً.
هؤلاء البلطجية تعامل معهم قادة الحزب الوطني وربوهم علي مدي عشرات الأعوام وتوجد لهم كشوف كاملة لدي وزارة الداخلية وكان العادلي يحتفظ بملفهم السري ولا ندري هل يوجد ذلك الملف أم أنه اختفي مع أغراض العادلي لدي مغادرته وزارة الداخلية لأنه أحرق وأخفي معظم ما يدينه وترك الباقي لرجاله يومها ليخفوا البقية.
في وسط البلد كان أول تحرك لهم حيث أوقفوا أول عربة إسعاف تمت سرقتها وقتلوا سائقها وفي ثوان كانوا قد تحولوا شكلاً لمسعفين.
ومن الحقائق المحجوبة نتأكد أنهم كان لديهم خطة متكاملة وضعت في يوم 25 يناير لاغتيال سليمان، حيث كان من المفروض اغتياله في صباح 26 يناير لكنه أفلت من الكمائن حتي وصل لكمين يوم السبت 29 يناير الذي نكشف حقيقته.
ومكنوا لسليمان عند منطقة منشية البكري وكمين آخر علي دراجات بخارية في روكسي يسير بهدوء والغريب أن الكمينين مراقبان من قبل مجموعة ثالثة مكلفة من قبل من أصدر أمر قتل سليمان كي تتم تصفية مجموعة العملية عقب التنفيذ أياً كان الأمر بالنجاح أو بالفشل، فالمهم كما فكرت عقلية المجرمين الأصليين هو محو أي دليل علي ما سيحدث.
فجأة يشاهدون عربة المرسيدس الخاصة بسليمان فيطلق سائق عربة الإسعاف سارينة الإسعاف ويسير ببطء أمام المرسيدس حتي تقترب علي الفور، تتناقل أجهزة الاتصال الخاصة بحرس سليمان الخبر، حيث إنهم علي وشك الدخول في معركة ويطلب قائد الحراسة من «سليمان» أن يهبط في أرضية السيارة غير المصفحة ليفاجأ الجميع بأن الباب الخلفي للإسعاف قد فتح ليخرج منه رجلان شابان بيد كل منهما سلاح رشاش حديث للغاية تستخدمه فرق العمليات الخاصة وينهمر الرصاص علي راكبي العربية التي من المفروض أن سليمان بها فيقتل علي الفور الحارس الذي جلس بالكرسي الأمامي اليمين ويأخذ السائق دفعة رشاش في صدره وكتفه فيسقط علي عجلة القيادة وينحرف بالعربة ليصطدم بجزيرة الطريق، بينما تهدئ العربتان الخلفيتان السرعة ويسمع الحراس بوضوح في صمت المكان وهدوئه المنفذين يعلنون نجاح العملية، حيث اعتقدا أن الحارس هو سليمان.
ولا ينتهي المشهد عند ذلك الحد فالدراجة البخارية المصاحبة للجناة كانت تكمن بين الأشجار القصيرة الموجودة بالمنطقة فتبدأ هي الأخري إطلاق وابل من الرصاص علي العربتين الأخريين، لكن هنا يتدخل القدر فالمجموعة الموكل إليها تنظيف ما حدث تخرج فجأة لتقتل كل المنفذين ولا ينجو منهم أحد، ولا يجدون أيضاً معهم ما يثبت هوياتهم وتنتهي عملية اغتيال فاشلة ربما ستظل في ذاكرة تاريخ الثورة المصرية بينما يفيق سليمان علي الصدمة، فلقد فقد للتو ثلاثة من أفضل العناصر التي حسبها عند الله من بين الشهداء، كانوا أولاده المخلصين من بين العشرات من الذين رباهم علي مدي أعوام طويلة بجهاز المخابرات الذي أصبح رسمياً من بين أفضل الأجهزة العاملة بالعالم.
أما وزارة الدفاع فعندما علمت بالأمر كلفت علي الفور فرقة من أقوي وأكثر الفرق خبرة بين مجموعات القوات الخاصة المصرية لحماية «سليمان» وهي الفرقة 64 قتال التي انتمي لها المقدم أركان حرب «حسين الشريف» وهو قائد إحدي مجموعات الفرقة وهو الذي تعرض للكثير من السخافات عقب ظهوره خلف «سليمان» وهو يعلن خطاب التنحي يوم 11 فبراير الماضي، وللحقيقة لم ينم الرجل سوي ساعات معدودة علي الأصابع منذ يوم 29 يناير وحتي التنحي حتي إنهم اضطروا لأخذ أدوية تنبيه حتي يتمكنوا من حماية رموز مصر علي مدار الساعة، وبالتأكيد شخص مثله عندما ظهر خلف «سليمان» في الخطاب كان يعاني شخصياً من القلق والتوتر والإرهاق علي مدي أيام وهو يعلم أنهم ربما يحاولونه اغتيال سليمان مرة أخري.
لقد خرجت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وبعدها المتحدث الرسمي للبيت الأبيض مساء 30 يناير ليعلنا رفض الإدارة الأمريكية العنف بشكل تام في مصر وكان بين الحديث إشارة مشفرة عن عملية الاغتيال الفاشلة وجهت مباشرة لمن خططوا للعملية.
وكانت وكالة فوكس نيوز الأمريكية قد انفردت بإعلان نبأ العملية الفاشلة يوم 4 فبراير مساء وأعادت بثه رويترز في 5 فبراير، ولكن بتصرف خشية أن يكون كاذباً وفي خلال برنامج مصري علي قناة خاصة اعترف وزير الخارجية أحمد أبوالغيط في 23 فبراير بأن العملية كانت حقيقية وأنه شاهد بنفسه العربة المدمرة التابعة لعمر سليمان حيث مر بعده من نفس المكان في طريقه للقصر الجمهوري، وأنه شاهد طلقات الرصاص، وقد مزقت جوانب السيارة وهشمتها بالكامل.
وفي 17 أبريل عقب تسرب أول التأكيدات عن هوية من دبروا للمؤامرة تقدم أسامة زين الدين المحامي بالنقض والإدارية العليا الذي وجدت المعلومات طريقها إليه من صديق بأول بلاغ رقم 6594 بلاغات النائب العام بتاريخ 17 أبريل اتهم فيه كلاً من سوزان وجمال وعزمي والشريف والعادلي بمحاولة اغتيال سليمان.