الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«فوكنر».. الأديب الذى حارب عنصرية بلاده

«فوكنر».. الأديب الذى حارب عنصرية بلاده
«فوكنر».. الأديب الذى حارب عنصرية بلاده




كتبت- مروة الوجيه


تحل علينا هذه الأيام ذكرى ميلاد الأديب الأمريكى ويليام فوكنر، الذى ولد فى 25 سبتمبر عام 1897 فى مدينة نيوالبانى بالولايات المتحدة الأمريكية، بينما قضى معظم حياته فى إكسفورد  بنفس الولاية.
ويعتبر ويليام فوكنر من أكثر الكتاب تأثيرًا فى القرن العشرين فى الأدب الأمريكى والعالمى وواحد من أعظم روائيى التاريخ، إذ تتميز كتاباته بتنوع الأسلوب والفكرة والطابع.
وعلى الرغم من بدايته غير الموفقة، حيث ترك دراسته فى جامعة إكسفورد، باحثًا عن هدف آخر لحياته خاصة وهو شديد الحب للقراءة، ثم اتخذت حياته منحى متمردًا منذ شبابه، فأطلق لحيته مرتديًا ملابس غريبة بنظارة أحادية العدسات، وهو يتمشى حافى القدمين فى الشوارع مدينته، كما اتجه للكتابة والتأليف بسبب شغفه القوى بالقراءة، فكتب آنذاك قصصًا للأطفال ودواوين شعر ومسرحية واحدة كان يوزعها على أصدقائه، كما علم نفسه الفرنسية ليطلع على كتابات أدباء آخرين منهم «بودلير» و«فيرلين» و«مالارميه»، ثم أصدر أول ديوانًا شعريًا بعنوان «الفاون» أو «اله المراعى المرمرى «فى 1924، بينما لم ينل نجاحاً الا انه لم يتوقف، واتجه الى كتابة الرواية بعد نصيحة من صديقه أندرسن الذى كان أنذاك من الكتاب المشاهير، وكانت أولى رواياته تحت عنوان «جعالة الجندي»، لكنها لم تلق أيضًا نجاحًا على المستوى الأدبي، ومع ذلك لم ييأس واستمر فى كتابة الرواية بعزم ومثابرة حتى أنتج عمله الخالد «الصخب والعنف» التى يعتبرها أفضل رواية كتبها، حيث سئل فوكنر فى إحدى الندوات الأدبية عن أحب الروايات إلى قلبه قال: رواية «رواية  الصخب والعنف.. فلا تزال تحرك مشاعري».
وقد حازت روايات فوكنر على إعجاب النخبة الأدبية وايضًا الطبقات المتوسطة والشعبية فى المجتمعات ليست الأمريكية فقط ولكن على المستوى العالمي.
 وكان وليم فوكنر أحد كبار المجددين فى فن كتابة روايات حداثية ببراعة فائقة، فى وقت كان فيه يكتب عمالقة الروايات العالمية إرنست هيمنجواى «وداعًا للسلاح» « والشيخ والبحر» ، وجون شتاينبك «عناقيد الغضب»، وريتشاردناثال رايت «أولاد العم توم» وهرمان ملفيل « موبى ديك «.‏
واعتبر بعض النقاد وليم فوكنر أعظم روائى فى التاريخ الحديث وذلك لروايته « الصخب والعنف»، التى ترجمت الى العديد من اللغات منها العربية، وقال الكاتب جبرا إبراهيم جبرا فى مقدمة ترجمته لرواية (الصخب والعنف)، إنها رواية الروائيين، وإن التركيب الفنى فيها ما زال فى جماله وبراعته معجزة للخيال.‏
«فوكنر» ومحاربة العنصرية الأمريكية
كانت روايات فوكنر تمتاز فى بعض الأحيان بالمضمون الصادم، حيث إنه كان يفضل رسم صورة للواقع بشكل يميل للبشاعة والقبح، وكانت لنشأته الجنوبية تأثير قوى على كتاباته، كذلك عائلته، التى أثرت فيه كثيرًا، وانعكس تأثيرها هذا على شخصياته الروائية، التى عكست بالضرورة حالة الانحلال والفساد الأخلاقى والمعنوى التى رافقت الجنوب منذ نشأته، وذلك لوجود طبقة ارستقراطية تسيطر على الأراضى الجنوبية وتفرض قوانينها على المزارعين، أدى الى تفشى الرشوة والقتل، فضلًا عن العبودية التى كانت رمز لهذه الطبقة، واستعباد ذوات البشرة السمراء
كعبيد فى أراضى وأملاك أسيادهم الذين ورثوا ملكيات شاسعة بعد إبادة الهنود الحمر.
وفى عمله الروائى الأهم: «الصخب والعنف»، تناول هذه المفاهيم بدءاً من ملاحظته لتكريس مفهوم العبودية ضمن قوانين الجنوب، وإضفاء الشرعية على اعتبار ذوات البشرة السمراء مجرد عرقٍ لا يصلح أفراده سوى للعمل كأدوات، دون عقل ولا رغبة.
واستند فوكنر فى روايته على التفكيك، ولجأ لتسليط الضوء على أسرة بيضاء، نفذ الفساد إلى عظامها شيئاً فشيئاً، إذ إنها تحتفظ بمعانى الشرف والحق والخير، لكنها وفى الوقت ذاته ، تحمل ميراث تقاليدها، إذ إنها حين تواجه اكتساح الشماليين بعد خسارة الجنوب للحرب، تواجه الانتهازية التى يتمتع فيها أهل المدن الكبيرة، التى يعيش فيها الجميع بلا قلب ولا وجه، ويتم التركيز فيها على حصد المال، بعكس الجنوبيين الذين كانوا يحصدون القطن ويتمتعون بشرفهم المتمثل فى «استعباد السود».
ويقوم فوكنر بتتبع حياة هذه العائلة التى تتفكك أخلاقيًا وماديًا، وتفقد الشعور بالشرف، حين تهرب إحدى بناتها مع عشيقها، فيما يصاب أحد أبنائها بالجنون، وتعانى الأم من مرض نفسى هى والأب بسبب إصرارهما وعجرفتهما محاولين الحفاظ على مجد نظرى اكتسحه الزحف الشمالى للمدينة الجنوبية، كما ينتحر ابن آخر للعائلة بعد هروب أخته.