الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جلال أمين رحيل مكتوب على الجبين

جلال أمين رحيل مكتوب على الجبين
جلال أمين رحيل مكتوب على الجبين





كتب ـ إسلام أنور

فى مسيرته الفكرية الممتدة على مدار نصف قرن، قدم المفكر جلال أمين عشرات الكتب والأبحاث المتنوعة بين الاقتصاد، وعلم الاجتماع، والسياسية، والتاريخ.
أكثر ما يميز مسيرة أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية الذى رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 83 عاما، قدرته على ربط علمى الاقتصاد والاجتماع بالحياة اليومية للمواطن المصرى، عبر أسلوب بسيط ولغة ممتعة.


ولد جلال أحمد أمين عام 1935 فى عائلة عريقة، فوالده القاضى والأديب والمؤرخ أحمد أمين، أحد أبرز المفكرين المصريين فى النصف الأول من القرن العشرين.
ورغم هذه المكانة الكبيرة للعائلة، إلا أن ذلك لم يمنع جلال من كتابة واحدة من أروع السير الذاتية العربية، يتحدث فيها بصراحة وحرية عن نشأته، فى هذه السيرة الشيقة التى صدرت فى جزءين الأول بعنوان «ماذا علمتنى الحياة» والثانى «رحيق العمر» يقدم أمين خلاصة تجربته فى الحياة الممتدة بين مصر وإنجلترا حيث درس وتزوج.
«عندما أعود الآن لتذكر كم بددت من أوقات كان يمكن أن تكون سعيدة فلم تصبح كذلك، وكم أضعت من طاقة بسبب هذه المشاعر شديدة السخف والممعنة فى لا عقلانيتها، يصيبنى الذعر من حجم الخسارة».

 

فى كتابه الشهير «ماذا حدث للمصريين.. تطور المجتمع المصرى فى نصف قرن» يقدم جلال أمين قراءة للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى عاشها المصريون فى النصف الثانى من القرن العشرين، بدأ من ثورة يوليو 1952، مرورًا بنكسة 1967، وفترة حكم السادات، وصولًا لمرحلة حكم مبارك.
«كثير من المظاهر القبيحة فى حياتنا الاجتماعية يرجع إلى ازدواجية حادة فى المجتمع المصري، أى إلى انقسام طبقى حاد: العاصمة المتضخمة والمزدحمة بسكانها والتى تسير فى شوارعها سيارات المرسيدس الفاخرة إلى جانب عربات الكارو. الفتاة التى ترتدى أحد موديلات الأزياء الغربية وهو تحاول عبور بركة من المجارى الطافحة. أحدث أساليب تكنولوجيات الإعلام وهى تستخدم لبث أسخف البرامج التليفزيونية وأبعدها عن العقل.. إلخ.»


من الظواهر الهامة التى ركز عليها جلال أمين فى كتابته هى «العولمة» وتأثيرها الكبير فى مصر والوطن العربى على جميع المستويات، وقد أصدر كتابا يتتبع فيه هذه التغيرات الحادة أنماط الاستهلاك والتفكير وطريقة الحياة الناتجة عن التغيرات التى أحدثتها منظومة العولمة.
«السلع الإستهلاكية الجديدة التى يُفتن بها الناس فى بلادنا ليست إلا «حصان طروادة» تظنه مجرد حصان فإذا به يحمل فى جوفه جنودا معتدية .إن المجتمع الاستهلاكى عندما يأتى إلى بلد فقير لا يجلب معه فقط مستوى معيشة أعلى بكثير مما يستطيع غالبية الناس فى هذا البلد الفقير أن يصلوا إليه، ولكنه يجلب معه أيضا ثقافة بأكملها، ونظرة جديدة إلى الحياة، لم يكن لدى أهل هذا البلد الفقير أدنى استعداد لاستقبالها».

 

واحد من الأسئلة الهامة التى تواجه أى مثقف مصرى أو عربي، سؤال التقدم والتخلف، وأسباب النهضة والطرق الأنسب له، وفى هذا السياق أصدر جلال أمين كتابه «خرافة التقدم والتخلف العرب والحضارة الغربية فى مستهل القرن الواحد والعشرين»، مثيرًا الكثير من الشكوك فى صحة الاعتقاد  بفكرة التقدم والتخلف، وفيما إذا كان من الجائز وصف دول أو أمم بأنها متقدمة، وأخرى بأنها متأخرة.
موضحًا أن فكرة التقدم والتخلف ليست موغلة فى القدم، ولا هى بديهية. والتقدم والتخلف لا يقاسان بالنمو الاقتصادى وحده. ومن السخف اعتبار بعض الأمم أكثر تقدما فى مضمار «التنمية الإنسانية» من غيرها. واتهام العرب بأنهم «متخلفون» فى هذا المضمار اتهام مرفوض. وليس من السهل اعتبار بعض الأمم أكثر تمتعا «بالحرية» من غيرها. والديمقراطية ليست، كما يشاع، فى عصر ازدهار، ولا حتى فى الدول المسماة «بالديمقراطية». وما يعتبر من «حقوق الإنسان» يختلف من ثقافة إلى أخرى.
ويضيف: «من الخطأ أن نتصور أن النظم الاجتماعية تسقط كما تسقط الحكومات بثورة أو انفجار، وتتغير كما تتغير الدساتير أو القوانين. النظم الاجتماعية تتغير وتتحول ببطء وبالتدريج. قد تطرأ عليها من التطورات ما قد يجعلها فى النهاية شيئًا مختلفًا جدًا عمّا كانت عليه فى البداية. وقد يحدث هذا دون أى ثورة أو انفجار، بل وربما حدث هذا والناس مستمرون فى إطلاق نفس الاسم عليها، وكأن شيئًا لم يحدث».

تضمنت مسيرة جلال أمين العديد من المراحل الهامة بداية طفولته فى نهاية الحكم الملكى لمصر، ومرحلة شبابه المتزامنة مع ثورة 1952، وتخرجه فى كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1952، ثم حصوله على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، وعودته لمصر ليشغل منصب أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس فى الفترة من 1965 – 1974.
ثم سفره للعمل مستشارا اقتصاديا للصندوق الكويتى للتنمية من 1974 - 1978، وعمله  أستاذ زائر للاقتصاد فى جامعة كاليفورنيا من 1978- 1979، ثم عودته وعمله أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، كما فاز المفكر الدكتور جلال أمين بجائزة سلطان العويس فى مجال الدراسات الإنسانية والمستقبلية 2009.
وقد صدر له العديد من الكتب من أبرزها:»ماذا حدث للمصريين، وعصر الجماهير الغفيرة، وقصة الاقتصاد المصرى، ورحيق العمر، وماذا علمتنى الحياة، وشخصيات لها تاريخ، والتنوير الزائف، وكشف الأقنعة عن نظريات التنمية الاقتصادية، ومصر فى مفترق طرق، ومعضلة الاقتصاد المصرى».