الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع .. مشكلـــة اسمهــا هالــة

واحة الإبداع .. مشكلـــة اسمهــا هالــة
واحة الإبداع .. مشكلـــة اسمهــا هالــة




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 550 كلمة» على الإيميل التالى:    


[email protected]

تماثيل للفنانة رواء الدجوى


 

مشكلـــة اسمهــا هالــة

بقلم: عمرو جمال

 

جلست هالة فى مكتب الكاتب الشهير أحمد عزام منبهرة بطابع المكتب الذى يشبه مكتبة كبيرة فى الواقع ويتوسطها مكتبه الفخم، كانت درجة الحرارة منخفضة كثيرا بسبب قوة مبرد الهواء مما دفع هالة لمحاولة الاحتماء داخل ملابسها الصيفية الخفيفة، كانت تمسك الشيك البالغ نصف مليون فى يدها بقوة مخافة أن تفقد الورقة وبرقة مخافة أن تتلف منها، مترددة بين الوضعين وهى تنتوى تقديمها للكاتب بمجرد ظهوره، أخبرها الساعى أن الكاتب فى اجتماع لدى مدير الجريدة وعليها انتظاره داخل المكتب وأنه سيكون متواجدا خلال دقائق.
لم تصدق هالة أن ابن بلدتها ومن كان زميلا لها فى فصل دراسى واحد أصبح كاتبا شهيرا بهذا الشكل، كانت تتابع أخبار رواياته عن بعد وتوقعت له النجاح، اشترت أحد رواياته لكنها لم تقرأها لضيق الوقت، جلست مرتبكة كل قطعة فى جسدها تريد إجابة عن هذا السؤال، لماذا أرسل لها كل هذا المال؟.
دخل الكاتب الشهير الغرفة وهو ينهى إحدى مكالماته على الجوال، نظر إليها فوقفت وابتسما وهما يتصافحان، تأملت هالة ملامح الكاتب التى تغيرت كثيرا عما كانت وهو صغير، جلس على مكتبه وابتسم لها ابتسامة كبيرة يملأها الفرح.
- كنت أتوقع زيارتك.
- لقد تركت لى دهشة بمقدار نصف مليون جنيه فبالتأكيد تتوقع زيارتى.
- هذا لا شيء، إنك تستحقين أكثر من ذلك بكثير فى الواقع
- لماذا أى شيء فعلته يستحق هذا؟؟
- ألا تتذكرين
- لا ذكرنى
- سأحكى لك بعد أن تشربين القهوة، كيف تحبينها.
- سادة
ابتسم لاختيارها وطلب لها القهوة خلال الهاتف وبدأ يحكى وكأن ملامحها تذكره بالأحداث.
- فى يوم من الأيام عندما كنا فى المرحلة الرابعة من التعليم الابتدائي، أحد المدرسين عاقبنى بشدة لأننى لم أجب عن سؤال ولم يكتف بعقابى بل سخر منى أمام زملائي، أصابنى الحزن الشديد لدرجة أننى جلست وحيدا فى وقت الفسحة لم أقبل المواساة من أى من زملائى لكن بعد رحيلهم اقتربت منى زميلتى وقامت بأغرب شيء من الممكن أن تقوم به فتاة فى هذا السن أمسكت يديهواحتضنته وقالت «أنا أحبك»
تذكرت هالة هذه اللحظات، ياه كيف ذهب من ذاكرتها كل هذا، كيف نسيت أحمد الذى طالما تبادلت معه نظرات حب صامته، كيف اندفعت بجنون وصارحته بحبها حينما كان حزينا.
- ولكن ما هذا الشيك؟ هل هذا هو الثمن؟ أنا امرأة متزوجة
- انتظرى قليلا، عندما انتهى الفصل الدراسى فى هذا اليوم كنت أفكر كثيرا فيما حدث كنت اشعر بالحب تجاهك بقوة، فى الحقيقة كانت هذه هى اللحظة الوحيدة فى حياتى التى شعرت فيها بالحب بهذه القوة لم اشعر أن ما حدث يمكن أنه يكون شفقه أو لحظة عابره بل شعرت بالحب يملأ قلبي، كان قلبى يخفق بقوة.
- أخبرتك أننى متزوجة الآن
- لا تخافى فأنا أيضا لم أعد نفس هذا الشخص الذى كان، كل شيء تغير يقولون أن خلايا الإنسان تتغير مع الوقت أيضا فكره ومشاعره وثقافته تتغير.
- إذن فلما هذا المال؟
- لقد خنت هذه اللحظة، استخدمت هذه اللحظة فى روايتى الأخيرة وصفتها بدقة، بنيت كل الرواية عليها، كانت صادقة إلى درجة أن القراء أحبوا الرواية جدا وبدأوا فى قراءة رواياتى القديمة، كانت هذه اللحظة سببا فى شهرتى
- هذا إبداعك وأنت تستحق هذا ولكن هل تبنى رواية كاملة على لحظة؟
- يقولون أن كل هذا الكون نشأ من ذرة، كنت أشعر بالخيانة تجاه وصف هذه اللحظة ولكن أيضا كنت أشعر بسعادة عظيمة وأنا استرسل فى وصف مشاعرى فى هذه اللحظة.
أصر الكاتب على أن تأخذ هالة الشيك، فهى كما وصفها كانت شريكة فى أعظم لحظات حياته الملهمة، لم تعرف هالة كيف ستفسر لزوجها هذا الأمر، ابتسمت وهى عائدة حينما فكرت كيف إنها لم تشعر فى حياتها بالحب وحسدت هذا الكاتب الذى ولدت لحظة حب واحدة الإبداع فى حياته، اشترت روايته الأخيرة «عن مشكلة اسمها ريهام» وانتوت قراءتها عند عودتها.