السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التجريبى وأزمة فقدان الثقة..!

التجريبى وأزمة فقدان الثقة..!
التجريبى وأزمة فقدان الثقة..!




كتبت_هند سلامة

اختتمت فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى وأسدل الستار على دورة استثنائية فنيًا وذات قيمة تاريخية؛ بذلت فيها إدارة المهرجان برئاسة الدكتور سامح مهران جهدًا كبيرًا، لتنظيم فعاليات متنوعة تليق بمرور خمسة وعشرين عامًا على عمر المهرجان الأهم على الساحة المسرحية والفنية؛ لكن برغم عودته بعد توقفه خمس سنوات ونجاح الإدارة فى الخروج به إلى بر الأمان إلا أن المهرجان ما زال يحتاج المزيد من التحليل فيما يخص صفته «التجريب» وفيما يخص أزمة فقدان الثقة التى أصبحت تلازمه منذ قرار العودة وحتى اليوم، الغريب أن أزمة الثقة والمقاطعة جاءت من نفس المسرحيين المطالبين بهذه العودة، وأصبحت قاعات العرض خالية إلا من النقاد والصحفيين وضيوف المهرجان.

علامات استفهام؟!!
تساؤلات وعلامات استفهام كانت على ألسنة الحاضرين لماذا يقاطع المسرحيون مهرجانهم الأهم والأقوى، فهذا المهرجان خلال تاريخه وعمره على مدار 22 عامًا أثر بشكل ملحوظ فى الحركة المسرحية المصرية، وساهم بشكل كبير فى خروج جيل مهم ومتميز من المخرجين والمسرحيين الشباب، وبرغم ما بذلته الإدارة هذا العام فى تقديم واستضافة عدد مميز وكبير من الضيوف العرب والأجانب وكذلك العروض الذى جاء معظمها مهمًا ومتميزًا وحملت رؤى وتنوعًا وأفكارًا جديدة إلا أن هذا لم يشفع للحرص على المشاهدة والمتابعة بل ظل الحال كما هو عليه واقتصر الحضور على ضيوف المهرجان والنقاد المتابعين للحركة المسرحية؛ بينما فى أعوام سابقة كان طلاب الجامعات والأكاديميات الفنية وكذلك الجمهور العادى لديه شغف ودأب على متابعة المهرجان وكانت تزدحم القاعات وتحدث مشاحنات ومشاجرات كى يفوز أحدهم بدخول عرض مسرحي، ليس هذا فحسب بل كانوا من شدة الحرص يحاولون تزوير كارينهات المهرجان للفوز بحضوره، ذهبت هذه الحالة من الحرص واللهفة على التواجد، ولم يتحقق هذا الشغف وهذه اللهفة سوى فى عرضين فقط والمفارقة هما أحد عروضه القديمة الفائزة بمسابقة التجريبى الدولية والتى تمت إعادتهما احتفالًا بيوبيله الفضى وهما «قهوة سادة» إخراج خالد جلال، و«الطوق والإسورة» إخراج ناصر عبد المنعم.
«قهوة سادة» نموذجًا
تعد مسرحية «قهوة سادة» حالة فنية خاصة جدًا وغير متكررة كثيرًا ونموذجًا للعمل المسرحى المكتمل فنيًا وجماهيريًا، ففى وقت عرضه عام 2008 وفوزه بجائزة أفضل مخرج بفعاليات المهرجان نجح العرض نجاحًا منقطع النظير وشهد أكبر معدل إقبال جماهيرى من طبقات وخلفيات اجتماعية متباينة، واليوم عندما أذيع خبر إعادته من جديد، فرح الجميع بهذا الخبر وأغلقت منطقة العتبة، ووضع قطاع كبير من الجمهور يومى عرض «قهوة سادة» على جدول حياته اليومى بضرورة الذهاب قبل الموعد بثلاث ساعات والانتظار أمام المسرح القومى على أقدامهم طوال هذه المدة حتى تفتح الأبواب ويتحقق الحلم بحضور العرض الأسطورة ثم جاءت اللحظة المنتظرة وأعلن أمن المسرح بفتح الأبواب فاندفع الجميع بالدخول ثم إمتلأت قاعة المسرح القومى عن آخرها وبالطبع منع الكثيرون من الدخول مما تسبب فى مشاجرات كبيرة مع الأمن كادت تهدد بتكسير باب المسرح ووصل الأمر إلى أن مديره يوسف إسماعيل استعان بالشرطة للسيطرة على الموقف؛ تكرر نفس المشهد فى اليوم التالى لكنه كان أكثر تنظيمًا فى الدخول بينما فى كل الأحوال حرم آخرون من مشاهدة العرض لليوم التالى على التوالى لأن المسرح كامل العدد؛ من هذا المشهد وهذا الحدث الجلل غير المتكرر فى التجريبى أولًا والمسرح المصرى ثانيًا، لا بد أن نتوقف ونتأمل فى أسباب نجاح وشغف وثقة الجمهور فى «قهوة سادة» لأنه ببساطة عمل امتلك مقومات النجاح ففى هذا العرض ممثلون على درجة عالية من التفانى والاحتراف بجانب أن معظمهم أصبحوا نجومًا لهم ثقل ووزن بالساحة الفنية، ثالثًا ارتباط الجمهور بهذا العمل وجدانيًا والذى يشكل بالنسبة لهم حالة من النوستاليجا والحنين إلى وقت مضى ثم أن وجوهه الجديدة أصبحت نجومًا لامعة وبالتالى هو عمل نموذجى بكل المقاييس، ويعد مثالًا للعرض الجيد المتكامل المؤتمن على وقت وضحكة الجماهير، ففى هذا العرض يعلم الحاضرون جيدًا أنهم آمنون فسوف يضحكون ويتألمون بحرفة فنية عالية صنعها المخرج خالد جلال وطلبة دفعته الثانية من مركز الإبداع الفنى وهكذا أصبح العمل حيًا يرزق لا يموت بمرور الوقت وطول السنين..وطالبت فرنسا باستضافته كما طالب كثيرون بضرورة إعادته موسمًا كاملًا بتذاكر مدفوعة..!
«الطوق والأسورة»
حقق نفس حالة الثقة فى الحنين إلى أعمال ناجحة وجيدة «الطوق والأسورة» للمخرج ناصر عبد المنعم والذى عرض فوق خشبة مسرح السلام بقصر العينى شهد العمل تدافعًا جماهيريًا وزحامًا ضخمًا لسببين الأول فضول الكثيرين فى رؤية أحد أهم أعمال المسرح التجريبى الفائزة عام 1996 بجائزة أفضل عرض ثم ثقة الجمهور فى أنهم سوف يرون عملًا جيدًا حتى ولو لم يكن أبطاله الرئيسيون هم أبطال اليوم فلم يتبق مع ناصر عبد المنعم سوى المطرب كرم مراد والممثل جمال رشاد بينما استعان بفريق عمل جديد فاطمة محمد علي، مارتينا عادل، محمود الزيات، أحمد طارق، أشرف شكرى وبرغم تغيير معظم فريق العمل إلا أن الجمهور ثقته لم تهتز وذهب لمشاهدة العرض فهو مرتبط بروح الفوز والمنافسة التى كانت أحد أهم مميزات المهرجان من قبل، قدم العمل بجمهور يجلس على يمين ويسار المسرح وانقلبت الخشبة إلى قاعة عرض، وربما ساهم ضيق مساحة المسرح فى تعثر دخول الكثيرين.
التسابق
تعيدنا «قهوة سادة» و«الطوق والأسورة» إلى إثارة عنصر فى غاية الأهمية الثقة فى الحدث، ثم التعطش إلى إحياء المنافسة والتسابق فمن الجائز أن مقاطعة المهرجان جاءت لعدم وجود حافز المنافسة والمتابعة، المنافسة بالاهتمام بصنع عمل جيد حتى تتاح له فرصة التقدم للمشاركة ومن ثم المرور بمراحل ملىء الاستمارة ثم الاختيار ثم الدخول فى حلبة تسابق مهرجان دولي، ومتابعة هذه المنافسة بشغف واهتمام حتى نصل إلى يوم توزيع الجوائز هذه الحالة من الشحن والترقب والفرحة بالفوز أو الاختيار، تثبت لنا ارتباط المسرحيين بفكرة الحافز الكبير أو الدافع للمتابعة، كل هذه المشاعر هبطت وغابت بغياب المنافسة والحافز والسعى وراء التعلم والمشاهدة بالتجربة والخطأ، الأزمة الثانية ارتباط المهرجان بقانون أو لائحة أحبطت المسرحيين أكثر وهو الارتباط بالعروض الفائزة بالمهرجان القومى للمسرح المصرى وبالتالى حرم المهرجان عروض أخرى من التقدم وفرصة الاختيار للمشاركة حتى بإقتصاره على فكرة البانوراما فهذه البانوراما إختيرت بها عروض بعيدة عن المهرجان وفلسفته، وكأن التجريبى يزرع فى أرض غير أرضه..
كيف نعيد بناء الجمهور..؟!
سبق وأن تعرض المخرج محمود أبو دومة إلى أزمة إقبال جماهيرى أثناء تنظيمه لملتقى الإبداع للمسرح المستقل بمكتبة الإسكندرية ووقتها فكر أبو دومة بشكل أكثر انفتاحًا وعملية وعن هذه التجربة روى لنا فى تصريحات خاصة..فى عام 2002 كنا ننظم ملتقى المسرح المستقل بمكتبة الإسكندرية وأظن أننا تعرضنا إلى أزمة فقدان ثقة الجمهور فى المكان وبالتالى فكرت فى كيفية حل هذه الأزمة، أذكر أننى كنت تعرفت على بيرتا بينينى وهى سيدة نشطة جدًا كانت تعمل على المسرح المدرسى بالسويد ومدارس المسرح للأطفال وشغل بيرتا كان يتلخص فى كيفية جذب الأطفال للمسرح حتى يصبح جزءًا من ثقافتهم الحياتية، لذلك فكرت فى إعادة تمصير وتقديم تجربة وورشة بناء الجمهور مع هذه السيدة بمعنى أننا فكرنا فى التوجه إلى المدراس واستغلال إدارة التوجيه المسرحى فى كل مدرسة وهى إدارة خاضعة لإدارة التربية والتعليم فجمال عبد الناصر أنشأ هذه الإدارات لأنه كان يعتبر النشاط المسرحى جزءًا من التربية والتعليم وهكذا وجدت الكثيرين من خريجى كليات ومعاهد المسرح يعملون بهذه الإدارات لكن بلا جدوى استعنا بهم وساعدونا كثيرًا فى نجاح هذه الورشة، كل مجموعة كانت مسئولة أن تأتى بأطفال فى أعمار متفاوتة لمشاهدة عرض مسرحى وسخرنا الإمكانيات حتى نستطيع اجتذاب الأطفال والشباب إلى عروض المكتبة ثم دخلنا إلى الجامعات كلية حقوق وتجارة وسياحة وفنادق هذه الورشة استمرت 4 سنوات كانت تأتى بيرتا شهرًا فى السنة ونعمل على تنظيم وإعادة الورشة من جديد مع فئات مختلفة لذلك أصبح للمكتبة جمهورها وإعتاد الشباب على مشاهدة الأعمال المسرحية بها لأنه يحدث فيما بعد فكرة تداول الجمهور بين المسارح فالشباب يأتون ببعضهم البعض حتى تصبح لدينا قاعدة جماهيرية عريضة؛ لذلك ورشة بناء الجمهور ليس فقط من المهم تطبيقها بالمهرجان التجريبى لكن من الممكن تعميمها على المسرح المصرى بشكل عام.