الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

المنبوذ

المنبوذ
المنبوذ




كتبت – خلود عدنان


فى إطار مساعيه لتعويض خسائره وإنقاذ ما تبقى من اقتصاد تركيا، حاول الرئيس التركى رجب طيب اردوغان أن يتغاضى عن سنوات الخلاف مع ألمانيا للتصالح مع أموالها، ولكن الفشل كان ولازال حليفه، فكانت جولة مهينة ومخيبة لآمال الديكتاتور فى أن يجعل زيارته إلى ألمانيا فرصة لبناء علاقات ثنائية متينة يدخل من بوابتها إلى الاتحاد الأوروبى بتفهم أكبر لمطالب بلاده ووضعها الاقتصادى الصعب.
محاولا اللعب على أوتار مشاعر مسلمى ألمانيا، مرتديا زى خليفة المسلمين افتتح اردوغان جامع كبير بمدينة كولونيا وسط استعراض من الاتحاد التركى الإسلامى للشئون الدينية «ديتيب»، الذى يثير مخاوف كبيرة فى ألمانيا.
الأمر الذى وصفته أوساط تركية أنه تأكيد على أن أردوغان بحث عن تركيز الأضواء على مجده الشخصى، ولم يهتم للانهيار الاقتصادى الذى تعانيه بلاده وحاجته إلى دعم عاجل لوقف تدهور الليرة، فضلا عن كسر البرود مع برلين وإعادة النقاشات بأكثر حرارة بشأن الهجرة أو التأشيرات.
وكان الاتحاد التركى الإسلامى دعا إلى حضور ندوة احتفالية خارج المسجد بمناسبة زيارة أردوغان، وتوقع أن يحضرها 25 ألفا من أنصاره، لكن الإجراءات الأمنية المشددة لم تسمح بحضور هذا العدد، وإلا كانت ستصبح احتفالية كارثية، إذ أن كولونيا تحفل بكارهى اردوغان والذين منعهتم الشرطة الالمانية من الاحتجاج خشيا التشابك مع أنصاره.
يتهم بعض المسئولين الألمان «ديتيب» على انه مأوى الإرهابيين ومنبر جماعة الإخوان الإرهابية، إذ يلقون به خطب تحث على العنف والجهاد المسلح، وقد سجلت الحكومة الاتحادية وجود 776 إسلاميا من المصنفين كخطرين محتمين بجوامع ديتيب، حتى بداية يونيو 2018، وأن 5% من هؤلاء من النساء و2% منهم من القاصرين، أى دون سن الـ 18 عاما، ذلك حسب بيانات رسمية عن الحكومة الألمانية.
كما يلجأ العائدون من القتال فى مناطق النزاع فى سوريا والعراق، لذا فإن هذا الاتحاد يمثل صداعا فى رأس الحكومة الألمانية.
كما تلاحق هذا الاتحاد اتهامات بأنه على ارتباط بنظام أردوغان وهو يدير 900 مكان للصلاة فى ألمانيا تحت إشراف أئمة قادمين من تركيا، وأنه يخدم أجندة سياسية ولا يلعب دور هيئة دينية بالمرة.
كما أن الهيئة التى تشرف عليه متهمة بالتجسس على معارضى الرئيس التركى.
وقال مراقبون أتراك إن أردوغان أحبط لأن الألمان عاملوه إما بصورة الغازى العثمانى من القرن الخامس عشر وإما المتسلط الذى ينتمى إلى القرن العشرين ولا علاقة له بعالم اليوم، خاصة أن زيارته خيمت عليها أخبار الاعتقالات والقرارات القضائية غير القانونية والقمع المتزايد للمعارضة السياسية فى بلاده.
وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن افتتاح الجامع الذى كان الهدف منه الإشادة بالانفتاح الألمانى حمل رسالة مسيئة للإسلام لأنه يفتتح من قبل دكتاتور «شرقى» تغصّ سجونه بمئات الآلاف من المعتقلين، فى محاكمات جماعية لا تراعى ضوابط الاتحاد الأوروبى الذى تكافح تركيا للانضمام إليه.
وأعلن أردوغان أن هناك «المئات والآلاف من الإرهابيين» الذين يعيشون فى ألمانيا، فى إشارة إلى أنصار غولن، وذلك خلال كلمة ألقاها فى مأدبة أقامها الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير.
تصل توابع زيارة أردوغان لألمانيا إلى تخويف الغربيين من إسلام يرتبط بالدكتاتورية والتشدد معا، ويعطى المبررات لمزيد التضييق على المسلمين.
وقدم معارضو المسجد خصوصا من اليمين المتطرف عدة طعون ضد بنائه مبدين مخاوف من تحول كولونيا إلى مركز للإسلاميين على غرار ما حصل فى لندن، غير أن الطعون فشلت فى نهاية المطاف.
هكذا استقبله الألمان والأتراك المعارضين لأردوغان، إذ احتشد آلاف المتظاهرين منذ مجيئه وحتى مغادرته فى كولونيا مطالبينه بالرحيل، ودعا الرئيس التركى إلى وضع حد للعنصرية فى ألمانيا، متهما برلين بإيواء الإرهابيين.
ولم يحضر العديد من الساسة المعارضين، العشاء بما فى ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مما تسبب فى إحراج الرئيس التركى، ومن ثم قالت إن «الانقسامات العميقة» لا تزال قائمة بين الدولتين على الرغم من الجهود التصالحية، معلنة عن رفض مطالب أردوغان بالدعم الاقتصادى لبلاده.
هذه الآثار السلبية التى خلفتها زيارة أردوغان قد ضيعت فرصته الأخيرة فى إنقاذ اقتصاده، حيث قال وزير الخارجية الألمانى السابق يوشكا فيشر إن أردوغان ضيع فرصة نادرة لتركيا والعالم الإسلامى بشكل عام، فبلاده تعانى حاليا من أزمة العملة وهى أزمة من صنع يده، حتى أن تركيا يمكن أن تواجه إمكانية الإفلاس على المستوى الوطنى وبينما يقوم بشكل متزايد بتقسيم ولاءاته بين الشرق والغرب، فإنه يخاطر بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر.
وأضاف فيشر فى مقال لموقع برويجكت سنديكيت «لقد اندلعت مجددًا الصراعات العرقية الداخلية فى تركيا، خاصة مع الأكراد، بكامل قوتها وحتى على الرغم من أن التجارب السابقة تظهر أنه لا يمكن حلها عسكريا، وبفضل أردوغان أصبحت تركيا جزءا من المشكلة فى المنطقة بدلا من الحل».