الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الرابحون والخاسرون من صراع الكبار

الرابحون والخاسرون من صراع الكبار
الرابحون والخاسرون من صراع الكبار




أعد الملف: هيثم يونس

 

فى مايو من العام الجارى كان العالم على موعد من زلزال اقتصادى هز الاقتصاد العالمى حينما اتخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قرارا بفرض رسوم جمركية حمائية على الصلب والألومنيوم من الصين والاتحاد الأوروبى والدول العربية ومعظم الدول المصدرة لأمريكا حيث تسبب هذا القرار الذى كان المقصود به ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وهى الصين فى اندلاع حرب تجارية لاتبقى ولاتذر بين أكبرقوتين اقتصاديتين فى العالم «أمريكا والصين» وردت الصين بالمثل ثم تمادت أمريكا لتشعل فتيل الحرب التجارية بفرض رسوم جمركية على قوائم سلعية صينية تصل قيمتها لـ 200 مليار دولار وتحاول أمريكا من فرض هذه الرسوم حماية صناعتها الوطنية ومواجهة الغزو الصينى الذى أتعب السوق الأمريكية حيث تصدر الصين لأمريكا سلعا بقيمة تصل لـ 500 مليار دولار سنويا فى حين لم يتجاوز حجم صادرات أمريكا للصين 200 مليار دولار مما يجعل الميزان التجارى يصب فى صالح الصين على حساب أمريكا. هذه الحرب التجارية هددت مصداقية منظمة التجارة العالمية لتضع مصداقية تلك المنظمة على المحك.. «روزاليوسف» تفتح ملف الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى أين تتجه والخاسرون والرابحون من تلك الحرب وتأثيرها على الاقتصاد المصرى.

 

ترامب أشعل الحرب لردع التنين الصينى

 

لا تزال أصداء الحرب التجارية التى شنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرًا تفرض نفسها وبقوة على الساحة العالمية والإقليمية، بعد أن تصاعدت وتيرة تلك الحرب التجارية مع أكبر اقتصادات العالم وهى الصين والمرشحة طبقا للتقديرات الاقتصادية الصادرة عن العديد من الجهات والتى تؤكد أن الصين ستصبح القوى الاقتصادية الأكبر عالميًا بحلول عام 2022/2030 والأمر الذى يشكل تهديدًا لعرش أمريكا كأكبر قوى اقتصادية فى العالم.
حيث بدأت الولايات المتحدة الامريكية بفرض الرسوم على 818 مصنفا من صادرات الصين الى امريكا بقيمة تبلغ 34 مليارًا، كما أعلن ترامب استعداده تصعيد الرسوم لـ200 مليار إذا زادت الصين رسومها من جديد، وهو ما فعلته الصين مؤخرًا، إذ دخلت الإجراءات الصينية حيز التنفيذ بحسب ما صرح لو كانج، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الصينية، الذى أعلن فرض رسوم على سلع أمريكية بقيمة 34 مليار دولار.
فيما تنفى بكين ارتكاب أى أخطاء، وأكدت أنها مستعدة لخوض حرب تجارية حتى النهاية.
وازدادت وتيرة تلك الحرب  بانضمام روسيا للجانب الصينى مما دفع ترامب الى التهديد بفرض المزيد من الرسوم الجمركية تقدر قيمتها بحوالى 500 مليار دولار و بتصعيد الخلاف التجارى الحالى مع بكين.. ولم يسلم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية مثل كندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبى من تأثيرات تلك الحرب التى أشعل فتيلها الرئيس الأمريكى ترامب  فمنذ إعلانه فرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الصلب والألومنيوم بنسبة تتراوح من 10 إلى%25 واتخاذ الصين إجراءات مماثلة بفرض رسوم جمركية على وارداتها من السلع الأمريكية, جاء قرار إدارة ترامب فى مارس الماضى،ليمس مصالح الحلفاء والشركاء التجاريين وهو ما طال ايضا  أغلب دول الاتحاد الأوروبى وردت كندا على الجانب الأمريكى بإجراءات مماثلة، كما هدد الاتحاد الأوروبى بالتصعيد حال فرض رسوم أمريكية على السيارات الأوروبية التى يعتزم الرئيس الامريكى إدراج رسوم جمركية عليها.
فيما مضت الولايات المتحدة  قدما فى فرض رسوم جمركية على واردات الدول مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبى، وذلك مع انتهاء إعفاء مؤقت كان قد منح لهذه الدول.

 

انكماش مرتقب فى حركة التجارة العالمية

 

يبدو أن شبح الحرب التجارية الدولية مازال يقلق العالم، فبعد أن أعلنت كل من واشنطن وبكين نيتهما للتفاوض بشأن فرض الرسوم الجمركية على واردات وصادرات كل منها لتخفيف حدة التوترات التى تسببت فى تأثر حركة التجارة فى العالم، وانخفاض الدولار واليوان، ظهرت بوادر أزمات جديدة لكن هذه المرة بين أمريكا وحلفائها وفى مقدماتها كندا، إلى جانب  تصعيد أوروبى أمريكى بسبب  قرار إدارة ترامب فى مارس الماضى،بفرض  رسوم بلغت 25% على واردات الحديد و10% على واردات الألومنيوم للشركاء التجاريين وهو ما طال ايضا  أغلب دول الاتحاد الأوروبى.
وحذرت كريستين لاجار مدير صندوق النقد الدولى ,فى وقت سابق ,من أن إجراءات الحماية الاقتصادية التى يشهدها العالم حاليا ليست فى صالح الاقتصاد العالمى.
ووصف رئيس الوزراء الكندى «جاستن ترودو» حجج ترامب بأن رسوم أمريكا الحمائية تهدف إلى حماية الأمن القومى بأنها حجج «مهينة» للمحاربين الكنديين القدامى الذين قاتلوا إلى جانب الحلفاء الأمريكيين، بحسب قوله.
وأبلغ رئيس أمريكا مضى بلاده قدما فى فرض اجراءات انتقامية بتطبيق رسوم تعادل تلك التى فرضها أمريكا ضد كندا.
ودخلت دول الاتحاد الأوروبى على خط الحرب التجارية، حيث حذر الاتحاد الأوروبى فى رسالة وجهها إلى السلطات الأمريكية من أن فرض رسوم قد تصل إلى 20% على واردات السيارات الأوروبية ستتبعه ردود فعل انتقامية من الجانب الأوروبي، ما قد يلحق خسائر كبيرة بالاقتصاد الأمريكي.
وأكد الرئيس الفرنسى أن التعريفات الجمركية التى قرر الاتحاد الأوروبى فرضها على الولايات المتحدة لن تغيير، والأمر يتوقف على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقرر العودة عن قرارها».
التصعيد المتبادل بين دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا دفع رئيسة الوزراء البريطانية , للتحذير من أن الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة على حافة الدخول فى حرب تجارية «ثأرية» حول الرسوم الجمركية، ولم يتضح حتى الآن الرسوم التى سيلجأ الاتحاد الأوروبى لفرضها ضد أمريكا وكذلك نوع المنتجات الأمريكية التى ستطالها الرسوم الأوروبية.
وترى د.بسنت فهمى عضو لجنة لشئون الاقتصادية بمجلس النواب أن الحرب التجارية التى يقودها الرئيس الأمريكى ترامب تستهدف تقويض التمدد الاقتصادى للصين ومنعها من مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية فى الحصول على المرتبة الأولى من حيث ترتيب القوى الاقتصادية الكبرى بحلول2030 لاسيما أن أمريكا تعتبر أن هناك منافسة غير عادلة فى ظل تنامى حجم الواردات الصينية إلى السوق الأمريكية مؤكدة ان تلك الحرب سوف تسهم الى حد ما فى انكماش حركة التجارة العالمية على المدى الطويل مما يستلزم التحوط خاصة لدى الدول النامية ومنها مصر بزيادة معدلات الانتاج ومنح المنتج المصرى ميزات تنافسية وفتح أسواق جديدة وتأهيل العنصر البشر واستثماره فى تحقيق التنمية والتوسع فى الاستثمار الزراعى لمضاعفة الصادرات وزيادة موارد الدولة فى ظل انكماش مرتقب لحركة التجارة العالمية.
اضافت أن إدارة الاقتصاد ليست قرارات محلية فقط إنما ينقسم إلى شقين على نفس القدر من الأهمية فى ظل التقدم التكنولوجى وما له من تأثير فى رفع الحدود ما بين الدول، الأول يتعلق بقرارات إدارة الجزء الداخلى وهو ما يمثل أهمية كبرى فى مسيرة التقدم الاقتصادى، الثانى يتعلق بالقرارات ذات الصلة بالعوامل الخارجية التى تمثل تحديات شديدة الأهمية فى انعكاساتها على الاقتصاد المصرى. وأوصت بضرورة البدء فى ضخ الاستثمارات فى السوق المصرية من جانب المسثمرين المصريين وذلك لتشجيع توسع الاستثمارات الأجنبية مما يساعد على تطوير أدوات الانتاج بما يساعد على ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية ومنها التحديات التى تفرضها الحرب التجارية العالمية.

 

مصداقية منظمة التجارة العالمية على المحك

 

باتت مصدقية منظمة التجارة العالمية على المحك فى ظل تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبيكين الأمر الذى يعجل بإنهيار قواعد المنظمة الدولية التى تنظم حرية التجارة بين الدول خاصة  أن أمريكا تستغل قوتها الاقتصادية دون رادع وأنها فى توقيت مناسب يمكن أن تعلن انسحابها من عضوية منظمة التجارية العالمية لتنفذ مخططها.
فيما أكد المفكر الإقتصادى البارز دكتور شريف دلاور خبير الاقتصاد أنه لاشك أن منظمة التجارة العالمية فقدت مصداقيتها لما انتهجته من مواقف لصالح الدول الكبرى فلم تردع السياسات والقرارات الأمريكية التى تضر باقتصادات العالم خاصة الدول النامية ومنها مصر.
أوضح دلاور أنه على الرغم من أن الحرب التجارية العالمية التى تقودها أمريكا سوف تسهم فى انكماش حركة التجارة العالمية ككل إلا أن هناك دولًا ستكون رابحة وأخرى خاسرة فالدول الأفريقية والتى لا تمثل حجم صادراتها نسبة كبيرة فى الأساس سيكون أمامها فرصة فى ظل تلك الحرب الطاحنة لفتح أسواق جديدة وزيادة صادراتها وكذلك الدول الخليجية المنتجة للبترول ستكون هى الأخرى رابحة من تصدير النفط فى ظل ارتفاع أسعاره وهناك دول ستكون خاسرة من جراء تراجع حجم صادراتها مثل الصين.

 

خبراء: دعم القطاع الصناعى وفتح أسواق جديدة للتصدير طوق النجاة

 

كشف خبراء الاقتصاد أن التداعيات المستقبلية للحرب التجارية العالمية الراهنة من الممكن أن تؤدى إلى تراجع مرتقب فى معدل النمو الاقتصادى العالمى، نظرًا لما يصاحب هذه الأوضاع من تراجع حركة الاستثمارات على المستوى العالمى.
وتباينت آراء الخبراء فيما يتعلق بالآثار السلبية التى قد تضر بالاقتصاد القومى المصرى من جراء تلك الحرب التجارية العالمية على المدى البعيد ففى الوقت الذى قلل فيه بعض الخبراء من تأثر الاقتصاد المصرى سلبًا بتلك الحرب خاصة على مستوى حجم الصادرات المصرية التى لا تشكل نسبة كبيرة فى تلك المعادلة وأن الدول النامية لن تكون أكثر تأثرا مقارنة بصراع الاقتصادات الكبرى.
ذهب البعض الآخر إلى أن انكماش حركة التجارة العالمية يعنى تقلص حركة التجارة البينية والتصدير والاستيراد مما قد يؤثر على عوائد قناة السويس وعلى حجم الاستثمارات الوافدة.
ووضع الخبراء روشتة أمام الحكومة للتحوط واتخاذ التدابير لمواجهة تلك الحرب التجارية
أكدت د. يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس، أن مصر لن تتأثر سلبًا بتلك الحرب التجارية لاسيما أنه على مستوى الصادرات المصرية مثلا لا تمثل نسبة كبيرة عالميا مشيرة إلى ضرورة أن تستهدف الحكومة رفع تنافسية المنتج المصرى وتحسين الجودة الإنتاجية وزيادة معدلات الإنتاج وفتح أسواق جديدة للتصدير ودعم القطاع الصناعى ووضع أولويات محددة للأسواق سواء الداخلية، أو محاولات فتح أسواق خارجية بجدية. أشارت إلى ضرورة تفعيل دور المنطقة الاقتصادية والموانئ المصرية وتحسين الخدمات فيما يتعلق بحركة السفن للحد من أى تأثر على عائد قناة السويس.
وأوضح د.رشاد عبده رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية أن هناك فارقا بين العقوبات الاقتصادية التى تفرضها أمريكا على بعض الدول مثل أمريكا وإيران وبين تلك الحرب التجارية التى تخدم فى الأساس شعار الرئيس الأمريكى الجديد «مصالح أمريكا أولا».
مؤكداً ضرورة  التحرك سريعًا لتلافى أى تأثيرات ناجمة عن انكماش حركة التجارة العالمية وتأثر عوائد قناة السويس من خلال التنوع وعدم الاعتماد على أسواق بعينها و فتح أسواق جديدة للتصدير فى العديد من دول العالم.